(إضاءات اقتصادية)
الإصلاح الاقتصادي الشامل
إن الاعتقاد السائد هو أن الإصلاح الاقتصادي ما هو إلا عملية اقتصادية ومالية ونقدية بحتة مرتبطة بمؤشرات مادية تنتج عن إحصاءات وأرقام يتم رصدها حول معدلات النمو والتضخم والفقر والبطالة وغيرها، بحيث يجري التركيز على تحقيق نسب معينة في هذه المؤشرات ضمن العملية الإصلاحية بما يحقق الأهداف المرجوة من الإصلاح الاقتصادي، دون استصحاب الأبعاد الدينية والفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية لعملية الإصلاح.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل الغاية من الإصلاح الاقتصادي هي إشباع الحاجات المادية للإنسان وتحسين ظروفه المعيشية فقط، أم هي عملية شاملة تتعلق بتطوير رؤاه الفكرية والثقافية وتمكينه من ممارسة حقوقه السياسية وترقية حياته الاجتماعية وبالمجمل تحقيق سعادته من كافة جوانبها؟
ومن خلال تجارب محاولات الإصلاح الاقتصادي التي طبقت في العديد من الدول النامية في العقود الماضية، يلاحظ أنه وإن نجحت هذه الإصلاحات في بعض الأحيان في تحقيق مستويات أعلى نسبيا من حيث النمو الاقتصادي وزيادة الاستثمارات والتبادل التجاري وغيرها من الأهداف الاقتصادية، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة ولم تنعكس بصورة واضحة على حياة الناس.
كما أنه وفي بعض الحالات نجد أن الإصلاحات الاقتصادية التي تم تحقيقها كانت خصما على الارتقاء الفكري والسياسي والاجتماعي للشعوب من خلال فرض الحكومات رؤيتها في الإصلاح الاقتصادي وما يتبعه من إجراءات وسياسات قمعية أحيانا.
وبصورة عامة فإن كثيرا من تجارب الإصلاح الاقتصادي في الدول النامية (بغض النظر عن ماهيتها) افتقرت إلى النظرة الشاملة والمتكاملة لكل متطلبات المجتمع، مما أدي إلى فشلها و إجهاضها، ومن ثم دخول تلك الدول في أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية مستمرة، طيلة الفترات الماضية. بما في ذلك السودان.
ولذلك فمن الأهمية بمكان استصحاب كافة الجوانب الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والإعلامية في المجتمع ضمن أي عملية إصلاح اقتصادي حتى نضمن نجاحها في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والارتقاء ببلادنا إلى آفاق التقدم والازدهار.
د. عبد المهيمن عثمان حسن بادي
٢٠٢٤/٧/١٨م
التعليقات مغلقة.