دولة القانون نقض العهود
*دولة القانون* *نقض العهود*
قوات الشعب المسلحة ليست بالمنظومة الأمنية الوحيدة الحريصة على السلطة وإنما كانت الأولى في فتح شهية بقية المنظومات لتتماهى معها وصولاً لتقاسم الأدوار وإحكام القبضة على رقاب السودانيين. ترتب على تَحكُم الجيش بمفاصل السلطة مسألتان، *المسألة الأولى*: تعميق الفكرة لدى الغالبية بأن السودان لا يصلح أن يحكمه إلا عسكري مستدلين بفشل الممارسة الحزبية وزيادة الأزمات إبان الديمقراطيات.*المسألة الثانية*: أن العسكر لم يسبق أن تفاوض باحترام وندية إلا مع من بيده آلة الحرب التي يمكن أن تقض مضاجعهم وتزلزل سلطانهم. تجلت أسوأ نماذج الاضطهاد العسكري للمدنيين في مجزرة فض الاعتصام مجسدين الاستمساك والرغبة في إنهاء أي فرصة للمشاركة في الحكم أو الوصول للحكم المدني الديمقراطي. عبد الفتاح البرهان وأن كان هذه المرة محاصراً دولياً إلا أن رسائله المبطنة ومحاولاته المتكررة للردة ونقض العهد واضحة. البرهان، في واقع الأمر، لا يتصرف منفرداً أو معزولاً وإنما جزء من عقيدة مؤسسة كانت وما زالت مؤمنة بأنه لن ينجح أو يستحق غيرها حكم السودان. من جوزيق لاقو مروراً بجون قرنق إلى حميدتي ومن معه من القيادات الميدانية سواء بالداخل أو بالخارج كعبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو جميعهم يدركون ألا وسيلة للوصول للقصر أو البقاء فيه إلا عبر زناد بندقيتهم. بالطبع، وبحكم أن الانقلابات ما هي إلا من بقايا الاستعمار وإحدى وسائله في استغلال مواردنا، فالمستعمر حريص على أن تظل قبضته العسكرية وسيلة التحكم في من ستؤول له السلطة سواء من المدنيين أو العسكريين. الأحزاب السياسية من المنظومات المدنية التي وجدت لتعبّر عن رغبات مجتمعاتها في الحكم الديمقراطي. المؤسف أن معظم الأحزاب بمحيطنا العربي والأفريقي لم تنتجها مجتمعاتنا وحاجاتها فكان أن مالت أقصى اليمين لتارات ولليسار تارات أخرى. للخروج من نفق السلسلة الخبيثة كان لابد لأي قوى تقود الفترات الانتقالية أن تتجرد وألا تُقدّم نفسها بديلاً وحيداً للسيطرة على الانتقال وإنما بالتوافق مع كافة القوى بما فيها العسكرية فيحكم الانتقال طرف موثوق به لدى الجميع، بقدر الإمكان. لو أن الحرية والتغيير ومنذ اليوم الأول لنجاح ثورة ديسمبر المجيدة تواضعت مع اللجنة الأمنية على خروج كل من يتفاوض من المشهد لعبرت الثورة. حتى مفاوضات ما بعد فض الاعتصام كان يمكنها أن تتمسك بنفس الشرط إلا أن الحرية والتغيير كررت نفس الخطأ في اتفاق سلام جوبا ثم على مستوى الاتفاق الإطاري الذي تكشف نسخته النهائية بدعة أن الموقعين على الاتفاق السياسي سيظلوا سلطة تعلو على الدستور الذي سيحكم الفترة الانتقالية.
د. عبد العظيم حسن المحامي الخرطوم 2 أبريل 2023
التعليقات مغلقة.