قتال قاس وذكريات صعبة.. السودان يلقي نرد “الاحتياطي المركزي”
تقفز قوات “أبو طيرة” القاسية في مياه الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، في تطور يشعل الصراع.
ومع استمرار المعارك بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، قررت السلطات نشر قوات الاحتياطي المركزي “أبو طيرة” لتأمين العاصمة الخرطوم.
وهذه القوات معروفة بـ”الوحشية والدموية” في المعارك التي خاضتها جنبا إلى جنب مع الجيش ضد الحركات المسلحة في دارفور غربي السودان وولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي، محمد الأسباط، “في ظل معارك كسر العظم والقتال على حافة الهاوية، لا أعتقد أن نشر أي قوات شرطية في العاصمة الخرطوم أو في منطقة تشهد قتالا ضاريا بين جيشين، يمكن أن يساهم في حل أي مشكلة، إن لم يساهم في تعقيد الوضع المعقد أصلا.”
ويشير الأسباط في حديثه لـ”العين الإخبارية”، “نشر قوات من الاحتياطي المركزي سيؤدي إلى تفجير الأوضاع في ظل الهدنة الهشة التي يتم خرقها من حين إلى آخر”.
وأضاف، “لا توجد أي آلية لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها إلا بالوقف الكامل لإطلاق النار ووقف العدائيات ووجود آلية للرقابة والتحقق من وقف إطلاق النار”.
ومضى قائلا “أما أي محاولة غير هذه الآلية لن تؤدي إلى وضع حد لحالة الفوضى التي تشهدها العاصمة ومدن السودان المختلفة بسبب الحرب لأن المتقاتلين حتى الآن لم يبديا أي حسن نية لإيقاف الحرب، وبالتالي أي محاولة لنزع فتيل الحرب ونشر قوات أو ما إلى ذلك لن تؤدي إلى حل المشكلة”.
ويتبادل الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” الاتهامات بخرق الهدنة الإنسانية والقيام بعمليات عسكرية في العاصمة الخرطوم، وينشران بشكل مطرد بيانات عن تحقيق تقدم وانتصارات لا يمكن التأكد منها من أطراف مستقلة.
ومنذ 15 أبريل/ نيسان الجاري، تشهد عدد من ولايات السودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و”الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
بدوره، يقول الكاتب والمحلل السياسي، الطاهر ساتي، إن “نشر قوات الاحتياطي المركزي مؤشر لعودة الحياة إلى طبيعتها في أجزاء واسعة من الخرطوم”.
وأوضح ساتي في حديثه لـ”العين الإخبارية”، “الشرطة بطبيعتها شبه مدنية وبأسلحتها المحدودة لن تستطيع مواجهة قوات في حجم الدعم السريع”.
وتابع “لكن أجزاء واسعة بالخرطوم أصبحت خالية من الدعم السريع وهي أجزاء تعرضت للكثير من النهب”.
وأضاف، “هذه المساحات الآمنة في الخرطوم تستدعي وجود قوات الاحتياطي المركزي وهي رسالة للمواطنين لممارسة حياتهم بشكل طبيعي في الأسواق”.
وتكونت قوات الاحتياطي المركزي في سبعينيات القرن المنصرم، كقوة شرطية ضاربة تنشط في حالات الطوارئ.
وعملت قوات الاحتياطي المركزي تاريخيا، في مهام قتالية بالأساس، مثل مكافحة النهب المسلح، والقتال ضد الحركات المسلحة إبان حرب دارفور “غرب”، وإلى جانب الجيش في حرب جنوب السودان.
وفي عام 1992، حدد الرئيس المعزول، عمر البشير، في القرار رقم (61) عددا من المهام والواجبات لشرطة الاحتياطي المركزي، من بينها “المشاركة وتقديم المساندة للقوات المسلحة في مناطق العمليات والإشراف على وحدات الشرطة المستنفرة بمناطق العمليات وتكوين قوات خاصة ذات كفاءة عالية للتدخل في عمليات الأمن الداخلي الاتحادية”.
وتقع سلطات إدارة قوات الاحتياطي المركزي قانوناً عند مدير عام قوات الشرطة، في وقت تنتشر فيه بكل ولايات البلاد، خاصة التي شهدت وتشهد اضطرابات أمنية مختلفة الأنواع، لا سيما في السنوات الماضية، ما قبل سقوط نظام البشير.
بجانب مشاركتها المباشرة في القتال ضد الحركات المسلحة خلال الحرب بدارفور، فقد دربت قوات الاحتياطي المركزي، في مركزها الرئيس بالخرطوم، مليشيات وقوات شبه عسكرية للمشاركة في النزاع المسلح هناك، حيث قاد عمليات التدريب وإنشاء القوات، القيادي بالنظام البائد، أحمد هارون، الذي كان مسؤول أمن دارفور بوزارة الداخلية إبان فترة الحرب.
وهارون، إلى جانب الرئيس المخلوع، عمر البشير، ووزير دفاعه الأسبق، عبد الرحيم محمد حسين، وضابط الصف بقوات الاحتياطي المركزي، علي كوشيب، وقائد عسكري سابق بحركة العدل والمساواة، عبد الله بندة، مطلوبون للمحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في إقليم دارفور، غربي البلاد.
ومن بين القادة الميدانيين الذين لعبوا دورا عسكريا في النزاع الدائر وقتها، علي كوشيب الذي يحاكم حالياً في المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، بين عامي 2001- 2004.
وكوشيب في الأصل، هو ضابط صف بقوات الاحتياطي المركزي برتبة مساعد، وكان ذراع أحمد هارون على الأرض في حرب دارفور.
وظلت القوات شبه العسكرية والمليشيات التي تم تدريبها على يد قوات الاحتياطي المركزي، ترتدي زي الشرطة طيلة فترة مشاركتها في تلك العمليات.
كما شاركت قوات الاحتياطي المركزي بزيها الرسمي في العمليات العسكرية أثناء حرب دارفور، على عدة جوانب بما فيها القتالية والتمركز وحماية المقار والمناطق.
ومع تصاعد حِدة الحرب في دارفور، بدأت تبرز انتهاكات جسيمة بما فيها عمليات اغتصاب جماعي للنساء، الأمر الذي أدى إلى تدخل مجلس الأمن الدولي، تبعه إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق مسؤولين في النظام البائد.
وأجبرت الضغوط الدولية الحكومة السودانية (النظام السابق)، على إجراء تحقيق، تبعه تشكيل هيئات قانونية للتعامل مع الجرائم والانتهاكات التي وقعت في دارفور، شملت تشكيل محكمة خاصة لجرائم حرب دارفور وتعيين مدعٍ عام لجرائم دارفور، ومن بين المتهمين في تلك الجرائم، المتدرجة بين القتل والاغتصاب والنهب والسطو المسلح، جنود يتبعون لقوات الاحتياطي المركزي.
وفي عام 2019، وجهت محكمة جرائم دارفور، تهما بالقتل العمد والنهب لثلاثة جنود من عناصر قوات الاحتياطي المركزي.
وأشار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2012، الصادر في 14 مارس/آذار 2013، حول حوادث العنف الجنسي في دارفور، المقدّم لمجلس الأمن، أنه بالنسبة لـ13حالة، تمكن الضحايا من تحديد هوية الجناة المزعومين على نحو واضح، من خلال اقتفاء أثرهم حتى قواعد عسكرية معينة، أو من خلال التعرف على زيهم النظامي.
وشمل الجناة في هذه الحالات، أفرادا من أجهزة الأمن الحكومية السودانية، منها على وجه التحديد قوات الاحتياطي المركزي.
ومنذ ظهورها في واجهة القوات التي تقمع المظاهرات السلمية في الخرطوم والمدن الأخرى، ارتكبت قوات الاحتياطي المركزي انتهاكات عديدة بحق المتظاهرين السلميين، بحسب شهادات كتبها متظاهرون وصحفيون، وكثيرا ما ذكروا أنهم تعرضوا لاعتداءات جسيمة ونهب من قبل عناصرها.
وفي مارس/ آذار 2022 أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على قوات الاحتياطي المركزي، بسبب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، واتهمتها باستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين السلميين.
التعليقات مغلقة.