الايام نيوز
الايام نيوز

ماذا يفعل موظفو السودان من دون “راتب أبريل”؟

زادت حرب الخرطوم من معاناة العاملين في القطاعين العام والخاص بدرجة لا توصف، كونها اندلعت في منتصف أبريل (نيسان) من دون صرف مرتباتهم حتى الآن، في وقت ارتفعت الأسعار أكثر من 300 في المئة بخاصة المواد الاستهلاكية وتعريفة المواصلات، مما عقد أوضاع هذه الشريحة التي اتجه معظمها إلى بيع أغراض وأثاث منازلهم، حتى يتمكنوا من تغطية احتياجات أسرهم اليومية بالكاد.

استغلال وجشع

جلال الشفيع موظف حكومي قال إنه “قبل الحرب كان العاملون في الحكومة ينتظرون بفارغ الصبر منحة رمضان وراتب أبريل (نيسان)، ثم وقعت هذه الحرب وقضت على آمال الجميع، والآن أصبح معظمهم شبه متسولين لا يملكون شيئاً، لأن راتب أي عامل أو موظف مهما كانت درجته لا يكفي احتياجات أسبوع واحد للأسرة المتوسطة، بالتالي لا يوجد موظف أو عامل مقتدر إلا إذا كان لديه مصدر دخل آخر”.

وأضاف الشفيع “لا أعتقد أن الحكومة لديها حلول على رغم أن وزير المالية أكد أن وزارته ستباشر عملها من إحدى الولايات، فحتى إذا قامت بتحويل مرتبات العاملين في الدولة إلى البنوك فهناك مشكلات في التطبيق بسبب تعطل بعض شبكات الإنترنت، إضافة إلى توقف جميع المصارف في الخرطوم بسبب القتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع”.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزاد الشفيع “في رأيي أن الحكومة، ممثلة في المكون العسكري، هي من أوصلت الناس إلى هذا الوضع المزري بتنفيذ انقلاب الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، فهذا سبب طبيعي لما يحصل الآن من شلل وعجز تام عن تغطية أية نفقات ومن أهمها الأجور، والكل غارق في ديون لا حد لها، وكثيرون اتجهوا لبيع ما يمتلكونه من أثاث وأجهزة منزلية وغيرها، فضلاً عن شراء بعض السلع الاستهلاكية عن طريق المقايضة بأغراض خاصة، أضف إلى ذلك استغلال وجشع بعض أصحاب المحال التجارية الذين رفعوا الأسعار بصورة تفوق الخيال”.

الموظف الحكومي التيجاني أحمد يوضح أن “موظف الدولة في الأساس يعيش على الكفاف، فراتبه لا يفعل له شيئاً مقارنة بأسعار السلع المتصاعدة يوماً بعد يوم، وجاءت هذه الحرب لتجهز على ما تبقى له من صبر وقوة في ظل هذا الواقع المرير، ومع عدم تمكنه من تسلم راتب أبريل زادت معاناته لأن الحياة الآن مع استمرار القتال تزيد سوءاً، ولا أحد يستطيع أن يساعدك أو على الأقل إقراضك، لذلك كل ما نتمناه أن تتوقف هذه الحرب وإلا سنواجه مصيراً مجهولاً”.

وتابع أحمد “مهما حاولت أن أصف ما أعانيه يومياً لكي أوفر لأسرتي وجبة واحدة بأقل الكلف فلن تصدق، لكن ما يحمد أن هناك من يساعدنا من الأهل والجيران المقتدرين، فهذه الحرب وضعت العامل الحكومي أمام اختبار صعب، وهو لا يستحق كل هذه المعاناة”.

أزمات متلاحقة

يوضح الباحث الاقتصادي هيثم محمد فتحي أن الأزمات المتلاحقة التي تعرض لها الاقتصاد السوداني بسبب تدني الإيرادات أدت إلى تأخر صرف مرتبات العاملين في الدولة منذ بداية هذا العام، إذ شهدت موازنة 2023 عجزاً بمقدار 1.4 في المئة من حجم الناتج المحلي، وهو ما تسبب في تأخر صرف حافز رمضان قبل اندلاع الحرب”.

ويواصل فتحي “المشكلة أن هذه الحرب جاءت في وقت عصيب اقتصادياً ومعيشياً وأمنياً، إذ اندلعت في الـ15 من أبريل ولم يتسلم العاملون في الدولة مرتباتهم لهذا الشهر، وزادت معاناة هذه الشريحة بسبب ارتفاع أسعار غالبية السلع بما يتراوح بين 300 إلى 500 في المئة، بخاصة تعريفة المواصلات بسبب الحاجة واقتصاد الحرب ونقص الوقود وصعوبة توفره، فضلاً عن نقص السيولة، وتوقف التطبيقات الإلكترونية لتداول الأموال نظراً إلى تعطل الإنترنت بشكل مستمر”.

وأردف الباحث الاقتصادي “يجب على الدولة أن تعجل في إيداع رواتب العاملين، بخاصة أن كثيراً من البنوك في كل الولايات باشرت عملها، لكن الشيء المزعج حقاً هو أن الحكومة السودانية تعاني عجزاً مالياً كبيراً وارتفاعاً في الدين المحلي وانخفاض مستويات الدخل مع هشاشة النمو الاقتصادي، بسبب فشلها في جذب الاستثمار الأجنبي وعدم تقديم دول كثيرة ما وعدت به من أموال، لذلك فإن استمرار هذه الحرب سيعقد الأوضاع الاقتصادية، بخاصة أن أولوية الدولة ستتركز في زيادة الإنفاق العسكري والأمني، بالتالي سيزداد الأمر تعقيداً مع مؤسسات التمويل، بخاصة مع تعطل المرافق القادرة على إنتاج الغذاء واستيراده، فضلاً عن صعوبة توفير النقد الأجنبي وزيادة نسبة البطالة بين الشباب”.

وكان اقتصاديون سودانيون حذروا من انهيار الوضع الاقتصادي في ضوء هذه المؤشرات الخطرة، خصوصاً بعد بلوغ عجز الميزان التجاري خلال الأشهر التسعة الأخيرة من عام 2022 نحو 305 مليارات دولار، لأن كل مكاسب الإصلاح الاقتصادي لا تزال تتعرض لخطر التراجع، فضلاً عن خطورة ارتفاع كلفة المعيشة وركود قطاع الأعمال والعزلة الدولية بسبب انقلاب الـ25 من أكتوبر.

التعليقات مغلقة.