العالم العربي ينتظر قمة جدة بعين متشككة
جدة (السعودية) – ينتظر العالم العربي قمة جدة بعين متشككة بعد أن وعدت المملكة العربية السعودية بأن تكون القمة استثنائية وأن تؤسس لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك، ولكن من دون أن تفصح عن الجدول النهائي لأعمالها.
وستفقد القمة الثانية والثلاثون، والسادسة التي تحتضنها المملكة على أراضيها، الكثير من المفردات الحادة في الخطب الرسمية بعد هدوء الجبهات السورية وعودة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية واعتزام الرئيس بشار الأسد حضور أعمال القمة.
ولا يتوقع من القمة المقرر عقدها الجمعة، أن تسعى لتقديم برنامج عمل سياسي للشأن الفلسطيني في ظل انحسار شبه كامل للسلطة الفلسطينية وانشغال إسرائيلي بأزمة داخلية غير مسبوقة على الرغم من التصعيد في غزة الذي اشتعل وخبا بسرعة بين القوات الإسرائيلية وحركة الجهاد الإسلامي.
ومن المنتظر أن يعيد القادة العرب التأكيد على موقفهم من دعم القضية الفلسطينية، ورفضهم للاعتداءات الإسرائيلية، وهي مواقف دأبوا على تكرارها خلال القمم السابقة.الأمير فيصل بن فرحان: نتطلّع إلى مواجهة التحديات المشتركة بما يحقق التطلعات
وقال المندوب الفلسطيني الدائم بالجامعة العربية السفير مهند العكلوك الثلاثاء، إن “القمة العربية ستعتمد قرارا بتعريف النكبة قانونا للمرة الأولى وإدانة من ينكرها، على أن يكون يوم 15 مايو من كل عام يوما عربيا ودوليا لاستذكار النكبة”.
وفي ما يتعلق بالملف اليمني، من المرجح أن يقتصر موقف القمة على تبني وجهة نظر متوافقة مع التوجه السعودي للتوصل إلى تسوية مع الحوثيين بحصة معقولة لبقايا السلطة الشرعية، حيث يدرك القادة العرب مدى حساسية الأزمة اليمنية بالنسبة إلى المملكة.
ويرى مراقبون أن الملف الضاغط سيكون الصراع الذي دخل شهره الثاني في السودان والذي تتخذ الدول العربية من طرفيه موقفا متشابها من دون تفضيل طرف على آخر. ويستبعد المراقبون أن تكون مصر طرفا مشاركا في تحديد مسارات قرارات القمة الخاصة بالسودان، لاسيما وأن الفاعلين الأساسيين الآن في المحادثات هما السعودية والولايات المتحدة.
ولن تكون القمة المنتظرة كآخر قمة احتضنتها السعودية في العام 2019، والتي ركزت حينها على التهديدات الإيرانية وسبل مواجهتها، في ظل التحول الطارئ على مستوى العلاقة بين طهران والرياض والذي جاء نتاج وساطة صينية تم من خلالها الاتفاق في مارس الماضي على تطبيع العلاقات الدبلوماسية الثنائية وإنهاء قطيعة تجاوزت الست سنوات.
وتتجه دول عربية مثل مصر إلى الحذو جنب السعودية في إعادة النظر في طبيعة العلاقة مع إيران، وعلى هذا الأساس من غير المنتظر توجيه أي انتقادات لطهران خلال القمة، وستقتصر الإشارة على أهمية الحفاظ على لغة الحوار.
ووفق تقديرات المتابعين فإن هذا المتغير على صياغة القرارات والبيانات الختامية لن يمس القرارات المرتبطة بالخلافات العربية – الإيرانية، مثل الجزر الإماراتية محل النزاع مع طهران. ويعتقد كثيرون أن قمة جدة المنتظرة لن يطغى عليها الطابع السياسي، بل سيكون هناك تركيز على ملف الأمن الغذائي، وهو ما جرى بحثه خلال الاجتماع الوزاري التمهيدي للقمة.
وذكّر وزير المالية السعودي محمد بن عبدالله الجدعان خلال ذلك الاجتماع بمساهمة بلاده في الأمن الغذائي العربي وتقديمها 10 مليارات دولار كحزمة دعم مالي لمساعدة الدول العربية على مواجهة مخلفات الأزمة العالمية.
وتنظر بعض الدول العربية إلى السعودية بعين اللوم على تقصيرها في دعم اقتصاداتها المرهقة، لكن تصريحات الجدعان تبدو كتذكير بالدعم الذي تقدمه الرياض ضمن سياقات مختلفة لا ترتبط بالمنح المالية والقروض والودائع أو حتى الاستثمارات.
وقال مراقبون إن السعودية تريد لهذه القمة الابتعاد عن الكلاسيكيات السياسية والتركيز على القضايا الضاغطة، خاصة ما تعلق منها بالاقتصاد والأمن الغذائي، وإيلائها ما تستحقه من عناية، وهو ما يهتم به الناس ويجعل القمة ونقاشاتها قريبة إليهم بدلا مما كان يحدث في قمم سابقة لم تكن تحظى بالاهتمام بسبب الروتين الذي طغى عليها.
ويرى المراقبون أن أوضح دليل على سلبية القمم السابقة التي لا يهتم لها الناس هو قمة الجزائر الأخيرة، التي ركزت على الشعارات العامة واستعادت خطابات وتقسيمات قديمة تهدف إلى الاستثمار السياسي أكثر مما تهدف إلى التوافق والبحث عن حلول للأزمات العربية المشتركة.
وقادت الأجندة الجزائرية في قمة “لمّ الشمل” إلى غياب عدد من قادة الدول العربية المؤثرة. لكن المؤشرات تظهر أن قمة السعودية ستكون مختلفة وستشهد حضورا مكثفا في ظل الحرص على إبعاد عناصر الخلاف والتركيز على المواضيع التي تهم الجميع وتحتاج إلى قرارات عربية عاجلة مثل موضوع الأمن الغذائي.
وسلم وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الأربعاء الرئاسة الدورية الحالية للجامعة العربية لنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وسط ترحيب الوفود العربية بعودة سوريا والتشديد على ضرورة تعزيز العمل العربي المشترك.
وقال وزير الخارجية السعودي في كلمة خلال اجتماع لوزراء الخارجية العرب إن “المنطقة تمر بتحديات كبيرة على الأصعدة كافة، ونتطلع إلى مواجهة التحديات العربية المشتركة بما يحقق التطلعات”، مرحبا بمشاركة وفد سوريا بالقمة. وأضاف “نحتاج إلى العمل المشترك على رفعة الشعوب العربية، وعلينا أن نبتكر آليات جديدة لمواجهة التحديات التي تواجه دولنا”.
بدوره أكد أمين عام الجامعة العربية أحمد أبوالغيط أن الحضور العربي كامل في قمة جدة، مرحّبا بعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة. واعتبر أن الأزمات في سوريا واليمن وليبيا تحتاج إلى مقاربات من أجل إخراجها من الجمود. وشدد على أن قمة جدة تعد فرصة لوضع حد لمظاهر التسلح في السودان.
ورأى أبوالغيط أن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، موضحاً أن الوضع هناك بات يقترب من مرحلة الانفجار. ولفت إلى أن هناك مؤشرات إيجابية من إيران وتركيا لوقف تدخلهما في شؤون الدول العربية.
التعليقات مغلقة.