مستشار سلفا كير يكشف لـ«الشرق الأوسط» أسباب فشل مبادرة «إيغاد» لحلّ الأزمة السودانية
بينما تدخل المواجهة المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهرها الثالث، كشف دبلوماسي رفيع المستوى من جنوب السودان، أن أسباب فشل مبادرة الـ«إيغاد» لحلّ الأزمة السودانية، يعود لعدم استشارة السودان في خيارين، خرجت بهما نتائج اجتماع رؤساء دول الـ«إيغاد» في القمة الثلاثية في جيبوتي حول أزمة السودان، ترتب عليهما رفض الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش السوداني.
وقال الدكتور كاستيلو قرنق، مستشار رئيس جنوب السودان لشؤون الرئاسة، لـ«الشرق الأوسط»: رفض الفريق أول عبد الفتاح البرهان «اقتراح اللجنة المنبثقة من قمة الـ(إيغاد) بتنظيم لقاء مباشر بينه وبين الفريق أول حميدتي، كما رفض أن يرأس الرئيس الكيني وليم روتو رئاسة اللجنة الرباعية المشكّلة من القمة الثلاثية، بل طالب بإسناد رئاستها إلى سلفا كير ميارديت، رئيس جمهورية جنوب السودان»، مقرّاً أن اجتماع جيبوتي لم ينجح في طرح معادلة أولية مقبولة، لقيادة الجيش السوداني لحلّ الأزمة السودانية.
وحذّر مستشار سلفا كير من مغبة إطالة أمد الصراع المسلح في السودان والانحدار إلى حرب قبلية، ربما تقسم البلاد إلى دويلات وتتمدد إلى دول الجوار بما في ذلك جنوب السودان، مقرّاً في الوقت نفسه أنه ليس هناك مانع في أن تنضم المبادرات إلى جانب المبادرة السعودية – الأميركية. لكنه رهن نجاح أي مبادرة بضرورة استصحاب الرؤية والحضور الأفريقيين لارتباطها بالشأن الأفريقي المتصل بدول الجوار والـ«إيغاد» والاتحاد الأفريقي.
فإلى تفاصيل الحوار:
* لماذا فشل اجتماع الرؤساء الثلاثة في قمة الـ«إيغاد» الثلاثية في جيبوتي حول أزمة السودان؟
– حقيقة، انتهت مخرجات قمة الـ«إيغاد» في جيبوتي بالوصول إلى خيارين، الخيار الأول كان بإضافة رئيس وزراء دوله إثيوبيا للجنة رباعية كمبعوث لـ«إيغاد»، لترتيب لقاء مباشر بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي). وكان من المقترح أن يقابل كلاً على حدة أولاً، ثم يقوم بجمعهما بالخارج من أجل الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، أما الاقتراح الآخر، فاشتمل على أن يقوم الرئيس الكيني وليم روتو برئاسة اللجنة الرباعية. ولكن للأسف؛ فإن الاقتراحين لم يكونا موفقين لأنهما تم اتخاذهما دون مشاورة السودان، وفق ما قالت وزارة الخارجية السودانية، على الرغم من أن نائب رئيس مجلس السيادة الجنرال مالك عقار، كان موجوداً في قمة الـ«إيغاد» ومثّل السودان.
الاقتراحان تم رفضهما من السودان، حيث رفض البرهان لقاء حميدتي، كما رفض أن يرأس الرئيس الكيني وليم روتو رئاسة اللجنة الرباعية المشكلة من الـ«إيغاد»، وطالب السودان أن تعاد رئاسة لجنة وساطة الـ«إيغاد» وتسند إلى سلفا كير ميارديت؛ لأنه هو من يفهم مشاكل السودان أكثر من غيره من الموجودين في عضوية اللجنة المشكلة. وبذلك لم ينجح اجتماع جيبوتي في طرح معادلة أولية مقبولة لقيادة الجيش السوداني لحلّ قضية السودان. سكان يغادرون منازلهم في جنوب العاصمة السودانية الخرطوم وسط قتال بين الجيش وقوات الدعم السريع (أ.ف.ب)
* ما رؤية حكومة جنوب السودان لحلّ الأزمة السودانية؟
– رؤية حكومة جنوب السودان أن تحل هذه القضية بالطريقة نفسها، التي تم بها حلّ الأزمة الأخيرة في جنوب السودان والسودان، وتتلخص في إيقاف الحرب عن طريق وساطة جنوب السودان؛ لأنه لا يوجد من يفهم مشكلة السودان أكثر من الرئيس سلفا كير ميارديت والجنوبيين؛ ذلك لأن قضايا السودان متداخلة مع جنوب السودان كما يعلم الجميع، وليس لدى جنوب السودان مصالح خاصة غير المصالح المشتركة الواضحة أو المعروفة.
* كيف يتم تنفيذ إيقاف الحرب؟
– يتم ذلك وفق رؤية جنوب السودان بتضامن العالم العربي والدول الأفريقية والمجتمع الدولي مع قياده جنوب السودان لإرساء السلام في جمهورية السودان. كل المحاولات التي يراد بها استثناء جنوب السودان من الوساطة فشلت. حتى بعض الدول العربية لديها مصالح مع هذا الطرف أو ذاك. الرئيس سلفا كير تربطه علاقات مبنية على الثقة مع البرهان ومع حميدتي، فالطرفان يعرفان جيداً بأن جنوب السودان محايد حياداً تاماً. وحتى أبسط الناس يعي بأن ما يضرّ السودان سيضرّ جنوب السودان؛ ففي حربنا تعلمنا أن نحافظ ونحترم التوازنات السياسية الموجودة في السودان. حرائق جراء الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)
* إلي أي حد هناك مجال للتعاون مع المبادرة السعودية – الأميركية لإدامة الهدنة؟
– ليس هناك ما يمنع من أن يتعاون الاتحاد الأفريقي ودول الـ«إيغاد» مع المبادرة السعودية – الأميركية، غير أنه من المهم أن الاتجاه لتطوير الجهد الجماعي للدول المعنية، خاصة الأفريقية منها؛ بغية إيجاد حل عن طريق وساطة تصطحب معها الرؤية الأفريقية، من خلال الاتحاد الأفريقي والـ«إيغاد» في المبادرة؛ لأنه بالمقابل لا يمكن للأفارقة أن يجدوا حلاًّ لأي قضية عربية دون وجود الجهد والحضور العربي فيها. والأمر نفسه ينطبق أيضاً على القضايا الأميركية في أي قارة من القارات والدول؛ إذ لا بد من وجود الأميركيين في مسرح الحلول، وعلى سبيل المثال يواجه الوفد الأفريقي صعوبات في محاولة التوسط بين روسيا وأوكرانيا.
فهنالك دول أوروبية تقول «بالسر» إن الدور الأفريقي غير مهم بهذه القضية، والغربيون يريدون فقط تأييد دول أفريقية لقضية أوكرانيا دون أن تأتي بمقترحاتها، ألا وهي إيقاف الحرب وإيجاد الحل بالطرق الدبلوماسية. فكما قال رئيس جنوب أفريقيا رامافوسا في خطابه في كييف «من يترك الأفارقة خارج محاولات الوساطة لم يفهم عمق القضية السودانية بالطريقة الصحيحة»؛ ذلك لأن بها جوانب إثنية تتطلب وجود دول الاتحاد الأفريقي لكي لا يتم سوء فهم للحل الخارجي بما يؤدي إلى تعميق الخلافات، ومن هذا المنطلق أرى من الأهمية بمكان إشراك جنوب السودان في محادثات جدة؛ لأن الرئيس سلفا كير ميارديت هو رئيس لجنه وساطة الـ«إيغاد»، وبالتالي إمكانية توحيد مبادرة الـ«إيغاد» مع المبادرة السعودية – الأميركية. رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان يلقي خطاباً خلال القمة الاستثنائية الـ39 لـ«إيغاد» في نيروبي في 5 يوليو 2022
* ما مخاطر إطالة الأزمة السودانية على الأمن والسلم في المنطقة؟
– الحروب الطويلة تحدث تغييراً، بغض النظر عن الدول التي قامت فيها، بسيكولوجية الشعوب وتحوليها في كثير من الأحيان من شعوب متفائلة إلى شعوب متشائمة غير متكافلة. والشعب السوداني كان معروفاً في منطقة الشرق الأوسط والخليج بطبيعته وكرمه، فمعظم سكان الخرطوم لم يعلموا ولم يعايشوا مآسي الحروب التي قامت في جنوب السودان وفي دارفور؛ إذ لم يكونوا يعرفون ذلك كما هو الآن، إلا بعد احتكاكهم المباشر بأدوات ومظاهر الحرب، كتلك التي امتدت إلى أكثر من 20 عاماً في جنوب السودان. لذا؛ من الأرجح أنه إذا طال أمد الحرب في السودان فستتغير الشخصية السودانية المعروفة، ومعظم الذين هجروا الخرطوم إلى الخارج أو إلى الريف، في غالب الظن لن يعودوا إلى الخرطوم بعد الحرب؛ لأن الخرطوم غدت مرتبطة بكل المآسي التي ارتُكبت. فمن خرج من السودان لن يتقبل بسهولة بأن السلام ربما يسود ربوع السودان. آثار ما بعد النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في سوق الجنينة غرب دارفور (أ.ف.ب)
* ما توقعاتك بآثار الحرب على المشهد السياسي المقبل؟
– من الناحية السياسية، ستضعف الحكومة المركزية، ولن يكون من السهل الاحتفاظ بوحدة البلاد وحتى إذا انفصل إقليم دارفور، كما يطالب البعض، فلن يكون هناك سلام في غرب دارفور؛ نظراً لما نراه الآن في دارفور، حيث تسكن أبناء قبيلة المساليت الذين يقتلون في تطهير عرقي. وهناك أيضاً شرق السودان الذي يهدد دائماً بحق تقرير المصير لأنهم يميلون إلى الانفصال. كما أن هناك المسكوت عنه وهو قضيه جنوب كردفان. فإذا لم يتوحد السودانيون ويجدون حلاً سريعاً لقضية الحرب، فستتقسم البلاد دويلات متعددة وضعيفة. وعلى أصحاب الانتماء العربي خارج السودان، ألا يقوموا بتصدير أزماتهم إلى السودان من أجل مصالح وهمية قصير الأمد.
كان الدور العربي في مسألة إيقاف الحرب في جنوب السودان ضعيفاً على أساس فهم وهمي بأن جنوب السودان ضد الإسلام وضد المسلمين. والآن يتقاتل المسلمون السودانيون في ملتقى النيلين وكل طرف يهلل ويكبّر بعد مقتل أخيه «الانتصار الوهمي» فكيف يكون ذلك؟ بعد انتقال الحرب إلى دارفور وربما إلى جنوب كردفان، فلن توجد حواجز طبيعية تمنعها من التمدد إلى جنوب السودان عن طريق إشغال الفتن بين القبائل. فأصحاب العرقيات من القبائل العربية التي تحارب الآن الحكومة في الخرطوم، كما يقال هي القبائل نفسها التي تعيش على طول الحدود في دارفور وغرب كردفان وحدود جنوب السودان، وأحياناً تقوم بينها وبين قبائل جنوب السودان خلافات على الماء والكلأ.
في منطقه الساحل الأفريقي يزداد الجفاف ويمتد إلى مناطق كانت خضراء قبل فترة وجيزة، وبحيرة تشاد فقدت ثلثي مياهها. ومع التغير المناخي سيزداد الجفاف بشدة وينتج من ذلك محاولة هجرة القبائل الرعوية من هذه المناطق في تجاه النيل والمناطق الخضراء في أفريقيا. وبهذا تزداد المعارك اشتعالاً من أجل الموارد، وهذا يعني أن الحروب من أجل الماء والكلأ ستمتد جنوباً إلى دول أفريقية مثل الكونغو وأوغندا وأفريقيا الوسطى، وبهذا يتم تجييش هذه المجتمعات للدفاع عن نفسها. فحذارٍ لمن يظن بأن المشكلة ستظل سودانية بحتة؛ لهذا يريد الرئيس سلفا كير إيقاف الحرب الآن قبل توسعها؛ لأن من يعرف من يشعلون نار الفتنة في السودان لن يعرفوا ولن يأمنوا عواقبها.
التعليقات مغلقة.