ما دلالات إعلان البرهان التعبئة العامة والاستنفار؟
تباينت ردود الفعل والتفسيرات حول خطاب القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، عشية عيد الأضحى المبارك، الذي شرح فيه طبيعة الأوضاع ومسار المعارك مع قوات “الدعم السريع” المتمردة، إذ إن الخطاب حمل دعوة للتعبئة والاستنفار وسط الشباب القادر على القتال للتوجه إلى أقرب وحدة عسكرية “للإسهام في الدفاع عن الوطن”، فماذا وراء الإعلان عن التعبئة العامة والاستنفار، وهل يعاني الجيش نقصاً في المقاتلين، كما ذهب البعض في التفسير، أم أنه يستشعر بعض الضعف والثغرات في أدائه العسكري، فكيف نفهم ذلك الإعلان، وماذا وراء تلك الدعوة؟
سد الثغرات
رأى المستشار بالأكاديمية العليا للدراسات الأمنية والاستراتيجية اللواء معتصم عبدالقادر أن “استنفار قائد الجيش ودعوته الشباب للانضمام إلى القوات المسلحة من أجل حماية أحيائهم وممتلكاتهم، باعتبارها الثغرة التي استغلها التمرد لنقل الصراع إلى وسط المدنيين ثم اتهام الجيش باستهدافهم، لذلك يريد الجيش من شباب الأحياء المساهمة في إخراج المتمردين إلى ميدان المعركة الحقيقي وعندها هو قادر على هزيمتهم. أما استخدام الأسلحة المتقدمة والطيران فهي تحتاج إلى التعلم والتدريب، وهي ما لا يمتلكه الدعم السريع أو الشباب المستنفرون”.
واستبعد عبدالقادر أن يكون الجيش يعاني من أي نقص سواء في المقاتلين أو العتاد الحربي، “فما زالت حاميات بالولايات تحتشد بالجنود والمعدات، فضلاً عن وجود حشود عسكرية جاهزة على أطراف الخرطوم تنتظر فقط الإشارة للمشاركة في الوقت المناسب”. وأضاف أن “الجيش لا يشكو من أي نقص عددي وقد تجاوز حشد المتمردين وجاهزيتهم الغادرة في الأيام الأولى للحرب، أما التعبئة والاستنفار اللذان أعلن عنهما قائد الجيش فالغرض الأساس منهما هو أن يتمكن المواطنون من حماية أنفسهم وأحيائهم وممتلكاتهم وأعراضهم، أما العمليات العسكرية الرئيسة فالجيش قادر عليها”.
جبهات الأطراف
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “جبهات القتال التي فتحت في الأطراف ببعض الولايات والأقاليم، فلا تعدو كونها محاولات مدفوعة الأجر لبعض القادة الميدانيين من بعض الحركات المتمردة، غير أن الفرق والحاميات العسكرية بتلك الولايات أثبتت أنها قادرة على التصدي لها مثلما حدث في إقليمي دارفور والنيل الأزرق وولاية جنوب كردفان ودارفور، ونتيجة لما هو معلوم من جرائم سابقة وحديثة ارتكبتها حركات التمرد ضد السكان المحليين، فقدت تلك الحركات القدرة على مواصلة اختراق تلك المناطق الطرفية، ما يجعل التحركات والمناوشات التي تقوم بها هذه الأيام، مجرد محاولات للضغط على المركز وتشتيته وتخويفه لكنها تبدو غير مجدية في تغيير موازين النصر القريب الراجح للقوات المسلحة”.
على صعيد متصل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية الزمزمي بشير أن “خطاب البرهان عشية عيد الأضحى هو أول خطاب رسمي له منذ اندلاع القتال منتصف أبريل (نيسان) الماضي وحرص فيه على الظهور بالزي الرسمي العسكري”.
وأشار بشير إلى أن “الخطاب استهدف بشكل أساس تماسك الجبهة الداخلية التي تأثرت بصورة كبيرة بالصراع، على نحو ظهرت آثاره ذات الطابع العرقي في مدينة الجنينة بغرب دارفور، قتل على أثرها الآلاف وشرد الملايين من قبيلة المساليت التي اتهمت الجيش بالتقصير في حمايتهم وتوفير الأمن والاستقرار لهم”.
انتظار الحسم
وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن “الشعب ظل طوال الفترة الماضية ينتظر نهاية الحرب بانتصار الجيش كما وعدهم بالحسم”، واصفاً طلب البرهان من الشباب حمل السلاح بعد كل هذه الفترة بأنه “جاء متأخراً جداً، ومع ذلك فهو يمثل ضغطاً على قوات الدعم السريع التي تراهن على قلة المشاة، إلى جانب أن انضمام عديد من الشباب للجيش قد يساعده على ضمان تأمين الناس وممتلكاتهم وطرد العصابات التي تتبع لقوات الدعم السريع من الأحياء”.
ولفت بشير إلى أن “الخطاب يؤكد صمود الجيش ويثمن المواقف الداعمة من الجوار الإقليمي والدول الصديقة والشقيقة ووقوفها مع الشعب السوداني في محنته الراهنة”، منوهاً بأن “الخطاب جاء بعد رسالة قائد الدعم السريع التي حملت لأول مرة لغة تصالحية واعتذاراً مبطناً للشعب السوداني جراء معاناته من جرائم وانتهاكات فضلاً عن تلميحاته إلى إمكانية إجراء عملية مصالحة شاملة تشير كل التوقعات إلى أنها هي التي ستنهي هذه الحرب”.
من جهته اعتبر الباحث السياسي عبدالمنعم الزين، أن “فداحة حجم الخسائر البشرية والمادية المتزايدة كل يوم في هذه الحرب، التي تجاوزت حدوداً غير متوقعة مع إطالة أمد الحرب، خلفت انطباعاً لدى المواطنين المحاصرين داخل المنازل والأحياء المفتقدين إلى الحماية اللازمة، وكأن الجيش لا يأبه لما يتعرضون له من ترويع ونهب بقوة السلاح داخل أحيائهم ومنازلهم، فهم يشعرون بأنهم المكتوون بنار هذه الحرب المؤذية، فهم يرون العاصمة كلها تنهب ولا يشعرون بأن هناك جهة تتصدى لحمايتهم”.
الأحياء الساخنة
وشدد الزين على “أهمية أن يولي الجيش ضمن خططه القتالية اهتماماً واضحاً بجبهة الأحياء الساخنة المؤذية التي كانت السبب الرئيس في مغادرة المواطنين لمنازلهم والنزوح من أحيائهم وبيوتهم فنار الحرب داخل الأحياء جبهة ساخنة أخرى تسرح فيها الميليشيات بشكل إجرامي، ولا بد من التركيز عليها لأن الشعور بالأمان هو المدخل إلى تعزيز ثقة المواطن في فعالية أداء الجيش وخططه”.
ويشير الباحث إلى أن “قسماً كبيراً من السودانيين هالهم حجم الدمار والخراب الناجم عن الحرب، ما يدفع بسطاء الناس إلى السؤال حول كيف سمح الجيش بحدوث كل هذا من دون أن يتصدى له، وقد كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور مقدر في تسرب مثل هذا الاستفهام والشعور لدى المواطنين، رغم أنه قد يكون لا علاقة له بحقيقة موازين السيطرة على أرض المعركة”. وأردف قائلاً إن “هذه الحرب بكل مآسيها وما ترتب وسيترتب عليها من ترسبات في وجدان المجتمع السوداني من تصرفات الميليشيات الاستفزازية وتعمدها إذلال المواطن وممارسة النهب المسلح الممنهج، تعتبر أيضاً من الأشياء المؤثرة أيضاً في تعزيز ثقة الشعب في قدرة الجيش على حمايته، إذ يعمد أفراد الميليشيات وهم يمارسون النهب بقوة السلاح، إلى سؤال المواطنين: أين البرهان ليحميكم؟”.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التفاوض لا التجنيد
لكن الزين، رأى مع كل ذلك أن “الحل لإنهاء الحرب الحالية ليس في تجنيد الشباب بقدر ما هو في التحلي بالإرادة اللازمة للإعلان عن وقف دائم لإطلاق النار والجلوس للتفاوض، فكل حروب السودان منذ التمرد الأول في عام 1958 وحتى اتفاق جوبا لسلام السودان في عام 2020، لم تحل إلا عبر التفاوض”.
على نحو ذي صلة، حذر مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة، رئيس “الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال”، من أن “استمرار الوضع الراهن، المتمثل في استمرار الحرب الدامية بين الجيش والدعم السريع، سيقود بشكل مؤكد إلى دمار شامل للبلاد ويتجاوزها إلى دول الجوار أيضاً”.
وقالت “الحركة الشعبية”، في بيان بصفحتها على “فيسبوك”، إن عقار، “يعمل من موقعه في مجلس السيادة على توحيد المبادرات الداخلية والخارجية في منبر حوار يتمتع بصدقية بدعم من ميسري التفاوض الإقليميين والدوليين، بهدف إيجاد مخرج آمن يحقق السلام ويجنب البلاد الانهيار”.
وشدد البيان على “ضرورة العمل من أجل منع تفاقم الوضع في البلاد عبر التعاون المحكم بين الخرطوم ودول الجوار المباشرة لحل معضلة الحرب الدائرة وبناء دولة السلام والاستقرار”.
المخرج يضيق
وعلى صعيد رؤى الحلول، رأى المتحدث باسم العملية السياسية نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف، أن “المخرج الوحيد من الأزمة الحالية يضيق يوماً بعد يوم، ويتمثل في حل سياسي سلمي شامل، يجعل هذه الحرب آخر حروب السودان من خلال معالجة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى فشل الدولة السودانية بل وقرب انهيارها، وعلى رأسها الوصول إلى جيش واحد مهني وقومي ينأى عن السياسة وصراعات السلطة ويتفرغ لمهام حماية حدود البلاد وأمنها”.
وطالب يوسف “القوى المدنية الديمقراطية بتوحيد صفها وطرح مشروع وطني متكامل لوقف الحرب وبناء السلام في ظل دولة مدنية ديمقراطية، على أن تتكاتف سواعد أبنائها وبناتها لإعمار ما خربته الحروب وسوء الحكم والإدارة”. وأشار إلى أن القوى المدنية ليس مكانها أن تجلس في مقاعد مشجعي الأطراف المتقاتلة، بل دورها هو أن تجترح الحلول وتعتزل الفتنة ولا تؤجج نيران الحرب وتخمد أصوات الكراهية والعنصرية وتبني سودان المستقبل”.
استنفار القائد
وكان البرهان قد دعا في خطابه بمناسبة عيد الأضحى المبارك، شباب البلاد وكل من يستطيع الدفاع إلى عدم التردد أو التأخر في أداء دورهم الوطني في مكان سكنهم أو بالانضمام إلى الوحدات العسكرية “لنيل شرف الدفاع عن بقاء الدولة السودانية التي تداعت عليها المؤامرات داخلياً وخارجياً” على حد تعبيره. وأوضح قائد الجيش أن “السودان يتعرض لمؤامرة تهدف لتمزيق وحدته وتفتيت نسيجه الاجتماعي وتشريد أهله، من أجل مطامع شخصية لمجموعة تمردت على الدولة واستعانت في ذلك بضعاف النفوس والمرتزقة”.
وأكد أن “القوات المسلحة قادرة على تدمير وسحق هذه المجموعات وتمضي في سبيل ذلك بصبر وثبات، وظلت منذ اليوم الأول للتمرد تتحمل مسؤوليتها في التصدي لهذه المؤامرة الغادرة”، معدداً “الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد الشعب السوداني في كل من الخرطوم ودارفور وشمال كردفان، التي تصل إلى درجة جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية”.
واندلع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف أبريل (نيسان) الماضي، في وقت كان فيه المكونان المدني والعسكري يعكفان على وضع اللمسات الأخيرة للمرحلة النهائية للعملية السياسية، باستثناء الخلاف حول وضعية قوات “الدعم السريع” ومصفوفة دمجها في الجيش التي يرجح أنها كانت السبب الرئيس في تفجر الصراع.
وطوال ثلاثة أشهر تقريباً، منذ اندلاع الحرب وحتى الآن، لم تنجح أي من المبادرات الدولية أو الإقليمية الأفريقية والعربية في إقناع طرفي القتال بالجلوس على مائدة التفاوض أو الحوار مباشر.
وتمددت المعارك من العاصمة الخرطوم إلى ولايات دارفور وجنوب كردفان وأخيراً النيل الأزرق، ما قد ينذر بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة فضلاً عما خلفته من أزمة إنسانية كارثية جعلت نصف السودانيين في حاجة ماسة إلى معونات غذائية عاجلة.
التعليقات مغلقة.