تحذيرات من تفشي مرض «الحصبة» وتحوله لوباء في السودان
نزح 13 طفلاً برفقة أسرهم إلى ولاية النيل الأبيض هرباً من الحرب، لكنهم كانوا على موعد مع الموت نتيجة لمرض الحصبة الذي أصبح يهدد مئات الأطفال في 9 مخيمات نزوح في الولاية ويهدد بأن يصبح وباءً، إذا لم تتدخل السلطات الصحية في الولاية بالتنسيق مع وزارة الصحة الاتحادية على وجه السرعة، للحيلولة دون انتشار المرض في أنحاء البلاد المختلفة، نتيجة حركة التنقل الواسعة والناتجة عن نزوح الآلاف بسبب الحرب.
وعلى الرغم من أن السودان كان قد أعلن قبل اندلاع الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، خلوّه من الحصبة ضمن جهوده مع الحملة العالمية للقضاء على المرض، وأخذ جرعتي اللقاح المقررتين للوقاية منه، فقد ظهرت إصابات كثيرة الشهر الماضي. ومع ذلك تقول الدوائر الصحية إن الأوضاع لا تزال «تحت السيطرة»، وتمكن محاربة الحصبة والحيلولة دون تحولها إلى وباء، ينتشر مع حركة النازحين الفارّين من القتال في الخرطوم وبعض ولايات البلاد. وحذرت دوائر صحية كثيرة من انتشار المرض، ودعت السلطات الصحية للتدخل والتعامل معه بسرعة وحزم، لمحاصرته في حدود ولاية النيل الأبيض.
وقال اختصاصي الصحة العامة والتخدير والعناية المكثفة الطبيب هيثم مكاوي، لـ«الشرق الأوسط»، معرفاً بالمرض، إن الحصبة لا تفرّق بين كبير وصغير أو منطقة جغرافية. ودعا مكاوي لتنسيق محكم بين الجهات الصحية المختصة لتوفير الأمصال، قائلاً: «لا يزال الوضع مطمئناً، والإصابة بالحصبة لم تنتقل بعد لكبار السن، فهي لا تزال محصورة وسط الأطفال. والحصبة قد تكون مميتة للكبار لأنها قد تسبب لهم التهابات في الدماغ والجهاز التنفسي».
وذكر أطباء آخرون لـ«الشرق الأوسط» أن السودان سيواجه كارثة صحية ما لم تتم عمليات تدخل سريع، ودعوا الأسر للإسراع إلى المراكز الصحية لتحصين أطفالهم، وحمّلوا مسؤولية احتمال تفشي المرض وتحوله إلى وباء لفشل الهدن بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، لأنها أعاقت وصول الفرق الطبية إلى المستهدفين في مناطق الاشتباكات، ودعوا إلى تسهيل عمل هذه الفرق، محذرين: «إذا انتشر المرض يمكن أن يصيب حتى قوات الطرفين المتحاربين». ووفقاً لهؤلاء الأطباء من المنتظر تشكيل فرق طبية من وزارة الصحة ومنظمة «أطباء بلا حدود» وجهات صحية أخرى، للطواف على المراكز الصحية بولاية النيل الأبيض لمعرفة الحالات الجديدة، والتنسيق لخدمة مواطني الولاية. سودانيون فارّون يجلسون خارج عيادة تغذية بمركز عبور في الرنك جنوب السودان (أ.ب)
من جانبهم، طالب مواطنو ولاية النيل الأبيض بزيادة عدد المراكز الصحية، وقالوا: «وجود مركزين فقط لا يكفي لأن أعداد النازحين كبيرة جداً وفي تزايد مستمر، وإن المرض إذا انتشر في فصل الخريف لن تستطيع الفرق الطبية محاصرته أو الوصول لأنحاء الولاية، ما يصعّب الوصول للمرضى وتحصين غير الملقحين».
وكشف مكاوي عن تدمير مخازن تحتوي على أمصال الحصبة، تقدر بنحو مليون جرعة، إلى جانب الأمصال التي تَلَفَت بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وقال: «الحصبة حتى الآن في ولاية واحدة ويمكن القضاء عليها، فهي ليست مرضاً قاتلاً إذا توفرت الأمصال، وإن مضاعفاتها الحادة تؤثر على أقل من عشرة في المائة، وتتمثل في فقدان بعض الحواس أو التهاب الدماغ وغيرها، لكن كلما زاد عمر الطفل تحدث المضاعفات أكثر». وأبدى مكاوي تخوفه من ظهور حالات الحصبة وشلل الأطفال في بعض ولايات دارفور التي شملتها الحرب، والتي يصعب الوصول إليها لتقديم الخدمات كما هو الحال في العاصمة الخرطوم. مخزن طبي مدمَّر في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور بسبب القتال (أ.ف.ب)
من جهتها، قالت منظمة «أطباء بلا حدود» في بيان، إنها قدمت خدمة علاجية في الفترة بين 6 و27 يونيو (حزيران) الماضي لنحو 223 طفلاً يُشتبه في إصابتهم بالحصبة، أُدخل منهم المستشفيات 72 طفلاً، بينما توفي 13 في عيادتين تدعمهما المنظمة.
وتابعت المنظمة الصحية الدولية: «منذ 6 يونيو قدمت الرعاية في عيادتين في مخيمين، واستقبلت 3145 مريضاً في يونيو، وأبلغت المجتمعات عن زيادة معدل الوفيات بين الأطفال، ويرجع الكثير منها إلى حالات الحصبة المشتبه بها»، وأكدت أن الحصبة «مرض مميت خصوصاً بين الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، لكن يمكن الوقاية منه بالتطعيم».
وتعليقاً على متداولات تفشي «الحصبة»، قال الناطق باسم وزارة الصحة الاتحادية منتصر محمد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك حالات مشتبه بها تم تسجيلها، وإن السلطات الصحية في مرحلة التقصي، فيما قال مصدر في وزارة الصحة بولاية النيل الأبيض، إن الولاية لا تملك مختبراً للتأكد من صحة حالات الاشتباه بالحصبة، وإنهم رفعوا تقريراً بذلك للوزارة الاتحادية. وأضاف: «ليس مسموحاً لنا التصريح بشأن تلك الحالات»، بيد أنه أشار إلى أن المختبر الوحيد المؤهل لتأكيد الإصابة بالوبائيات في السودان هو «معمل إستاك» في الخرطوم، ويقع الآن في منطقة الاشتباكات بين الجيش و«قوات الدعم السريع».
التعليقات مغلقة.