السفير د حسن عيسى الطالب يكتب مفاوضات جدة ودروس التاريخ
مفاوضات جدة ودروس التاريخ
المفاوضات مع الفصيل المتمرد والتي أعلن عن استئنافها اليوم الأحد ١٦ يوليو الجاري، بمدينة جدة، بإشراف الثنائي السعودي – الأمريكي، إن كانت بغرض إخلاء المنازل والمستشفيات والمرافق المدنية والخدمية التي لا تزال محتلة، فسوف يكون ذلك مفهوما ومرغوبا.
للأسف، رد التمرد على الجولة الحالية، وقبل بدايتها، بقصف مستشفى آخر، وهذه المرة في السلاح الطبي بأمدرمان، فقتل خمسة من المرضى وجرح العشرات من المنتظرين.
فلربما يستمر نفس مسلسل الهدن الغاشمة، التي ظلت تتيح للتمرد احتلال المزيد من المرافق الصحية، ونهب المنازل وطرد ساكنيها؛ مثلما ظل يحدث وبتواتر منتظم، في كل الجولات السابقة، تحت بصر القائمين على هذا الوهم الساذج البئيس.
فبعد هذه التقاعسات المتواترة، واللدغات المتكررة، في ذات الجرح الوطني النازف، فإن أي تصرف غير محسوب من قيادة الجيش، التي تقود هذا السيناريو الأليم، سينظر اليها من كل الشعب السوداني، وبمختلف توجهاته، بمثابة انكسار وبيل، وتبخيس رذيل للدماء الطاهرة، التي سالت من رفقاء السلاح، ومن المواطنين الأبرياء، وإهدارا للمكتسبات المتحققة، ميدانيا ودبلوماسيا وميدانيا؛ فضلا عن الممتلكات التي نهبت، والأعراض التي انتهكت، والأحلام التي تبددت.
لا ندري كيف ينظر أطراف الثلاثيات والرباعيات، وكفلاء المفاوضات الدوليين، ورعاة التمرد ومموليه، لأنفسهم وبأي منطق يواجهون شعوبهم، وهم يدعمون بالمال والسلاح والإعلام، مجموعة أدينت من قبل الأمم المتحدة، ومن أعلى قمة فيها مختصة بحقوق الإنسان، وهي مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وكذلك من محكمة جرائم الحرب الدولية بلاهاي، ومن منظمات حقوق الإنسان المستقلة، وعلى رأسها هيومان رايتس ووتش HRW وكل هذه الهيئات والمنظمات تعتبر مكفولهم والغا بإسراف في القتل، وفي سفك دماء الأبريا، في الخرطوم وفي بارا وفي الأبيض وفي دارفور، بل تتهم بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
الشعب السوداني يتطلع اليوم لقيادة وطنية واثقة، تستصحب رؤى قاصدة، تقوده بإرادته الشعبية، وتوجهاته الكلية، بعيدا عن الوصايا الخارجية، والأجندة المجلوبة، واالسيناريوهات الظلامية، التي تنسج وراء الكواليس، من وراء البحار، وعبر الإختلاء بمجموعات مدجنة ومستجلبة، ترسم فصولها بليل، لبذر التفرقة، وبث خطاب ومفردات الكراهية، والعداء بين أبناء الوطن الواحد، وبالمال الحرام والشعارات المستوردة.
الإرادة الوطنية تنشأ من المواطن الفرد، ولا يجوز تمثيله بالوكالة، أو اختطاف قراره، أو التحدث بإسمه، من قبل أي فرد أو حزب أو جهة، داخلية أو أجنبية.
الإرادة الوطنية تنشأ وتتحقق وتعتبر مشروعة فقط، إما بالاستفتاء، أو عبر المشورة الشعبية، أو بإجراء الانتخابات الشاملة، التي لا تستثني أي مواطن سوداني، مهما كان وضعه أو رأيه، أو توجهه.
فأي تصرف خارج هذه الأطر يعتبر خيانة للأمة وللوطن والمواطن، وخيانة لتاريخ السودان المجيد، منذ بزوغ فجر دولة الهوية الوطنية، التي تشكلت بالإجماع الوطني عام ١٥٠٤م فولدت الدولة القومية وطبعت الهوية السودانية.
دون هذا الفهم، فلن تفضي المفاوضات المراسمية اللاموضوعية، إلا الى المزيد من المرارات.
فهناك دروس مستفادة من سيناريوهات ومخططات ومفاوضات نيفاشا التي أفضت لإنفصال الجنوب.
فكل الوعود والإغراءات التي أغرى بها الطرفين رعاة المفاوضات، تبخرت في سماوات الخداع الغادر، والمكر الوافر، فكانت هباءا منثورا، ورمادا ذرته الرياح في يوم عاصف، وذلك بمجرد تحقق الانفصال، الذي كان مخططا له منذ أمد مديد.
فلم يحصد الجميع، في شمال الوطن، ولا في جنوبه النازف، سوى الندم المقيم، واجترار الزفرات، وتبادل اللعنات.
فمن لا يعتبر بالتاريخ، يظل رهينا وقمنا بتحمل أسوأ تجاربه، وأنكى سطوات قهره.
السفير د حسن عيسى الطالب
التعليقات مغلقة.