فلسطيني ينحت معاناة الصيادين في بحر غزة
جسد انتهاكات الزوارق الحربية الإسرائيلية تجاههم قبل أن يعتزل رمي الشباك
بدا أن الصياد توفيق يملك خبرة كبيرة في فن النحت عندما جسد الأخطار التي تعرض لها أثناء ممارسة مهنته في عرض بحر غزة، وصنع مجسمات صغيرة لقوارب صيد تشبه إلى حد كبير تلك التي يستخدمها الصيادون، وأخرى تجسد زوارق البحرية الإسرائيلية، ووضع المجسمين إلى جانب بعضهما لمقارنة الفروق بينهما.
وداخل المتحف البحري في وسط ميناء غزة عرض توفيق المنحوتات التي صنعها لتبقى شاهدة على الانتهاكات التي يواجهونها في مياه البحر، سعياً منه إلى إيصال رسالة للزوار الدوليين للميناء بأن البحارة يعانون فقد الأمن الشخصي والغذائي في عرض المياه.
بحر غزة مختلف
ولا يجيد الصياد توفيق من الفنون التشكيلية سوى النحت، ولم يسبق له يوماً أن درس هذا المجال وإنما أتقنه بالهواية، واختار أن يجسد معاناته في عرض البحر على شكل مجسمات صغيرة توصل رسائله بلغة يفهمها الجميع من دون أن يضطر إلى الشرح أو التحدث بلغة غير العربية ليفهم الزوار الدوليون أو المعنيون بحقوق الإنسان.
ويقول توفيق، “العمل في بحر غزة يختلف كثيراً عن أي شاطئ في العالم، فهنا نتعرض باستمرار إلى انتهاكات من البحرية الإسرائيلية، وكل يوم يسألني المعنيون بحقوق الإنسان وجمعيات الصيادين والعاملين في المؤسسات الدولية عن المشكلات التي نعيشها في البحر المتوسط، لكن مهما وصفت لهم التعديات فلن أستطيع أن أرسمها في مخيلتهم، ولذلك قررت تجسيدها على شكل منحوتات”.
وكانت آخر رحلة بحرية قضاها الصياد توفيق نهاية العام الماضي، وبعدها قرر أن يعتزل رمي الشباك في المياه بعد أن قضى نحو 48 عاماً في حرفته، مضيفاً أنه في “كل يوم كنت أتعرض لاعتداءات من البحرية الإسرائيلية، وقتل أمام عيني رفيق دربي وأصيب عشرات الصيادين، وصادر الجيش معدات مهمة في مهنتنا ولذلك لن أرجع للبحر”.
ومن الواقع الذي عاشه الصياد توفيق في المياه فقد بدأ في نحت قصة الصياد الفلسطيني، وفي مهمته الجديدة استخدم مادة الفلين لأنها تطفو على سطح البحر، إذ يفكر في وضع هذه المجسمات على الشاطئ وجعلها تبحر أمام المؤسسات الحقوقية الدولية، في رسالة مصغرة منه لتجسيد الرحلات البحرية التي يعيشها زملاؤه.
مجسمات تحكي قصصاً
وقبل أشهر بدأ توفيق في نحت مجسمات دقيقة تجسد معاناة البحارة، واستطاع أن ينجز أكثر من 15 مجسماً تشكل قصة قصيرة لمهنة الصيد في غزة والمشكلات التي يتعرض لها الصيادون في عرض المياه، وأبرز انتهاكات البحرية الإسرائيلية في حقهم، فقد نحت توفيق القوارب الشراعية الكبيرة بعناية فائقة وجسد أدق التفاصيل التي يحفظها غيباً عن تلك السفن، فصنع الشراع الرئيس والآخر المساعد، فيما لم يغفل عن دفة القارب التي تتحكم في وجهته، موضحاً أن هذه المراكب توقفت عن الإبحار في شاطئ غزة بسبب عدم إدخال إسرائيل قطع غيار لها.
وكذلك نحت قوارب المجداف التي تعد الأكثر استخداماً في بحر غزة لأنها لا تعتمد على محرك يعمل بواسطة الوقود، وأيضاً جسد حسكات الصيد الصغيرة وحسكات الصنارة، كما صنع قوارب الـ “شونشيلة” التي تختص بصيد الأسماك عبر الشباك، علاوة على تجسيد اليخوت السياحية.
ويوضح توفيق أنه يستخدم مادة الفلين في نحت مجسماته ومشرطاً مع الدهانات والمبرد، ومن هذه المعدات البسيطة يستطيع أن ينحت هياكل تحكي قصصاً عن الشواطئ الفلسطينية، لافتاً إلى أن صناعة مجسم تستغرق معه خمس ساعات متواصلة، وأن هذا الفن يحتاج إلى صبر وجهد.
تجسيد الانتهاكات
وشاهد توفيق كثيراً من الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصيادين جسد منها مجسماً لنقطة حراسة تابعة لبحرية الجيش، وقربها يجري حجز مراكب الصيادين الفلسطينيين، كما صنع مجسماً لقارب يتبع سلاح البحرية الإسرائيلي وعلى متنه جنود يوجهون بنادقهم صوب قارب آخر يقل دمى ترتدي زياً أبيض وتدل على الصيادين.
كما نحت توفيق غالبية القوارب الإسرائيلية ومنها الزوارق الحربية والطرادات ومركب ناقل للجنود، وقارنها مع سفن الصيادين الفلسطينيين من حيث الحجم والمعدات والوسائل التكنولوجية، ويقول “أريد تسليط الضوء على معاناة الصياد المحاصر الذي يعرض حياته للخطر لكسب لقمة عيشه وأبنائه، بالتزامن مع تحديد مساحة الصيد وشح العائد المادي”.
ويعمل في بحر غزة 4 آلاف صياد يبحرون على 1000 مركب يسير بواسطة محرك، و1000 حسكة من نوع مجداف، وتسمح لهم البحرية الإسرائيلية بالوصول إلى مساحة 15 ميلاً بحرياً في حال عدم وجود توتر أمني.
رسائل أبلغ من الكلام
وبحسب توفيق فإن تجسيد رحلة الصياد والانتهاكات في صورة منحوتات فنية يحمل في طياته قصصاً حقيقية، ولذلك اختار أن يضعها في زاوية المتحف البحري الذي يتبع نقابة الصيادين ووزارة الزراعة.
وحول ذلك يقول نقيب الصيادين نزار عياش إن “هذه المنحوتات تظهر مدى ضعف معدات البحار الفلسطيني عند مقارنتها مع تطور البحرية الإسرائيلية، وهي رسائل أبلغ من الكلام في تجسيد رحلة الصياد الذي يتعرض لانتهاكات يومية تصل حد استخدام أسلحة ثقيلة في ملاحقته”.
ويضيف، “الصيادون يعانون فقدانهم الأمن الشخصي نتيجة تعرضهم لنيران بحرية الجيش الإسرائيلي، كما يفتقدون الأمن الغذائي بفعل منع توريد معدات الصيد وقطع الغيار وناقل الحركة وجهاز تحديد المواقع”.
ويوضح أنه خلال النصف الأول من هذا العام أطلقت البحرية الإسرائيلية النار صوب الحرفيين في عرض البحر أكثر من 170 مرة، فأصابت 17 صياداً واعتقلت 17 آخرين ودمرت ستة مراكب وصادرت ستة أخرى.
أما من ناحية إسرائيل فقد أكد الجيش الإسرائيلي أخيراً في بيان له أنه لن يطلق النار إلا في حال الاشتباه أو تجاوز الحد المسموح للإبحار أو الشك في تنفيذ أعمال تهريب.
التعليقات مغلقة.