الايام نيوز
الايام نيوز

من أجل مزيد من الوعى للدكتور عبد المهيمن عثمان بادى

(من أجل مزيد من االوعي)

سياسة التوريط الامريكية

…..من أهم الاستراتيجيات السياسية للولايات المتحدة في التعامل مع خصومها، توريط الدول المستهدفة في حروب ونزاعات مع دول أخرى ومن ثم تحقيق أهدافها، وذلك على غرار تورط الولايات المتحدة نفسها في حرب فيتنام لمدة عشرين سنة من عام ١٩٥٥ إلى عام ١٩٧٥م……
…..أي إيجاد فيتنام أخرى لكل دولة تستهدفها……

أهداف هذه السياسة

تهدف هذه السياسة إلى إنهاك الدول المستهدفة عسكريا واقتصاديا ومن ثم الانفضاض عليها أو إضعافها وإجبارها على الخضوع للسياسة والهيمنة الأمريكية في النهاية، كما حدث في العديد من الدول خلال العقود الماضية

أمثلة لسياسة التوريط الأمريكية

توريط مصر في اليمن

بدأت الحرب في اليمن بانقلاب عسكري في اليمن يوم ٢٥ مايو ١٩٦٢م على يد العميد عبد الله السلال الذي أطاح بنظام الإمامة. بعد ذلك بيومين سارع الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر بالاعتراف بالنظام الجديد. وفى اليوم التالي أصدرت مصر بياناً حذرت فيه القوى الأجنبية من التدخل ضد نظام الحكم الجديد في اليمن. ومن ثم طلب السلال من مصر أن تساعده عسكرياً وسياسياً، فقرر عبد الناصر التدخل المباشر لمساندته. وفى ٢٧ سبتمبر ١٩٦٢م، أرسلت مصر كتائب صاعقة وسرب طائرات إلى اليمن، فقد أعتقد جمال عبد الناصر أن قرار التدخل العسكري السريع في اليمن يمكن أن يمنع احتمالات التدخل الخارجي المضاد. من جانب آخر اتفقت كل من المملكة العربية السعودية والأردن على مساعدة الإمام البدر في استرداد الحكم لأنها خشيت من أن يجد عبد الناصر موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية ليطيح بالحكم السعودي، فأنشأ البلدان قيادة عسكرية مشتركة انتقلت إلى منطقة نجران في جنوب السعودية، فردت القيادة المصرية على ذلك بإرسال وحدات عسكرية متكاملة إلى اليمن للدفاع عن الثورة. وكان عبد الناصر يتوقع أن تنتهي مهمة قواته في اليمن في فترة زمنية قصيرة، ولكن شيئاً فشيئاً أصبحت اليمن «فيتنام» عبد الناصر. وقد كان لإسرائيل دور كبير في توريط مصر في حرب اليمن وذلك لإضعاف قدرتها الاقتصادية والعسكرية، فأصدرت أوامرها لضباط «الموساد» بمعاونة قوات الإمام بدر الملكية حتى يستعيد حكمه، كما أرسلت عسكريين إسرائيليين لتدريب قوات الإمام وللتعرف على القوات المصرية عن قرب، وهذا ما مهد لهزيمة مصر من قبل إسرائيل ١٩٦٧م بل من الممكن اعتبار المعركتين اللتين دخلهما الجندي المصري في اليمن وسيناء معركة واحدة متعددة الهزائم.

توريط العراق في الكويت

كان الأمريكيون منذ عشرات السنين قبل غزو العراق للكويت عام ١٩٩٠م، يدركون أنه لا يمكن لهم التحكم بمنطقة الخليج العربي والسيطرة عليها تماماً من دون لعبة كبرى. ورغم أنهم كانوا موجودين في المنطقة بقوة منذ زمن طويل، لكنهم كانوا يطمحون إلى ما يشبه السيطرة التامة وإخضاع المنطقة بأكملها، ليس بتكريس وجودهم فيها فقط، بل ليستخدموها أيضاً كمركز دولي للتصدي لكل خصومهم في العالم، وخاصة الصينيين والروس، وكل من يطمع بالوصول إلى أهم منطقة استراتيجية في العالم. ولذلك كان لا بد من مؤامرة كبرى في المنطقة، فوجدوا أن أفضل من يحقق لهم أهدافهم هو النظام العراقي، ولتحقيق هذا الهدف أرسلوا السفيرة الأمريكية الشهيرة ايبريل غلاسبي إلى بغداد فالتقت بالرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، وقالت له: «إن أمريكا لا تمانع أبداً في أن تقوم القوات العراقية بغزو الكويت، لأن الأمر لا يعنيها». فصدقت القيادة العراقية تصريحات غلاسبي، وقررت غزو الكويت لتكتشف لاحقاً أنه فخ استراتيجي تاريخي بامتياز، فما أن دخلت القوات العراقية إلى الكويت حتى أخذت الولايات المتحدة تؤلب القوى الدولية والعربية والإقليمية لإخراج القوات العراقية من الكويت. وقد حشدت وقتها أكثر من ثلاثين دولة لتحرير الكويت. وهذا ما حصل فعلاً، لأن النظام العراقي وقتها سقط في الفخ الأمريكي مرتين، الأولى عندما صدق كلام السفيرة، والثانية عندما أصر على عدم الخروج من الكويت، وبذلك أعطى الأمريكيين المبررات لكي يسحقوه، ويدمروا جيشه. وبعد أن حاصروه لثلاثة عشر عاماً، قرروا غزو العراق والإطاحة بالنظام، ووضع المنطقة كلها تحت تصرفهم. ولا ننسى أن الولايات المتحدة كانت قد ورطت من قبل، العراق وإيران في حرب دامية دامت لثمان سنوات، كانت تدعم فيها الطرفين بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية كي تستنزفهما.

محاولة توريط تركيا مع روسيا

لعبت الولايات المتحدة اللعبة نفسها مع دولة أخرى في المنطقة، ألا وهي تركيا، فأعطت الضوء الأخضر للأتراك كي يقوموا بإسقاط طائرة روسية على الحدود مع سوريا في عام ٢٠١٥م. وقد اعتقد الأتراك أن حلف الناتو والولايات المتحدة سيهبان لنجدة تركيا فيما لو تعرضت لهجوم روسي، أو دخلت في صراع سياسي مع الروس. وعندما بدأت روسيا تضيّق الخناق على تركيا عسكرياً وسياسياً، طلب الرئيس التركي بتفعيل المادة الخامسة من ميثاق الناتو والتي تنص على أن يقف الحلف صفاً واحداً للدفاع عن أي عضو من أعضائه عندما يتعرض لخطر خارجي، لكن الرئيس الأمريكي آنذاك باراك اوباما رفض تفعيل المادة، لا بل قام بسحب بطاريات صواريخ باتريوت من على الحدود التركية عندما تدخلت روسيا في سوريا، وبدأت تواجه الأتراك. عندئذ شعرت القيادة التركية بأنها تعرضت لخديعة كارثية، وأصبح من الواضح لها أن الأمريكيين كانوا يخططون لتوريط تركيا في صراع مع الروس لاستنزاف الطرفين، كما فعلوا من قبل مع العراق وإيران لكن القيادة التركية فهمت اللعبة وأفشلتها في مرحلتها الأولى، حيث قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة العلاقات مع القيادة الروسية دون علم الأمريكيين.وهذا ما كشفته المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية التي أكدت بعد الاتصال بين أردوغان وبوتين أن أمريكا لم تكن على علم مسبق أبداً بهذا الاتصال، وأنها اصيبت بالذهول من هذا التقارب المفاجئ بين الأتراك والروس، وكأنها تريد أن تقول إنها مصدومة من أن لعبتها لم تنجح.

توريط المملكة العربية السعودية في اليمن

قامت المملكة العربية السعودية بالتدخل العسكري في اليمن أواخر مارس ٢٠١٥م، على رأس تحالف من عشر دول. وكان الهدف الرسمي المعلن من التدخل هو إعادة حكومة الرئيس اليمني آنذاك عبد ربه منصور هادي إلى العاصمة صنعاء التي سيطر عليها الحوثيون في سبتمبر ٢٠١٤م. ولكن بعد مرور سنوات عديدة على هذا التدخل، يبدو أن المملكة العربية السعودية عالقة في مستنقع اليمن، وبينما لم يتغير الوضع على جبهات القتال كثيراً، كانت كلفة الحرب مرتفعة للغاية بالنسبة للسعودية، ليس على الصعيد العسكري والمالي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الدبلوماسي. ورغم ذلك يبدو أن الرياض تريد أن تظل منخرطة في اليمن، ولكنها في الوقت نفسه تريد خفض تكاليف هذا التدخل، إذ لا تستطيع الرياض تحمل كلفة الانسحاب التام من اليمن بالنظر إلى الأهمية الجيوستراتيجية التي تمثلها الأخيرة بالنسبة للمملكة، وبالنسبة للحدود المشتركة بينهما والتي يبلغ طولها ١٤٨٠ كيلومتر؛ وبالتالي فهي في الواقع تتطلع إلى إعادة ضبط تدخلها عوضاً عن الانسحاب التام، مما يمثل ورطة كبيرة لها.

توريط روسيا في أوكرانيا

في استجابةٍ مثاليةٍ، فيما يبدو، للاستفزاز الأميركي، انخرط الرئيس الروسي في الحرب في أوكرانيا بطريقةٍ تدريجية، توحي بالتردد من جهة، وتسمح للولايات المتحدة بتوظيف مسار الأحداث لصالحها من جهةٍ ثانية. فاتخذ بوتين قرار الحرب بالاعتراف الرسمي بالمقاطعتين الانفصاليتين دونيتسك ولوغانسك، على أمل دفع قواته إليهما والاكتفاء بإيجاد واقع جديد، كما فعل قبل سنوات في شبه جزيرة القرم. حدث هذا في حين كانت الولايات المتحدة تخشى من اندفاعةٍ قويةٍ وشاملة للجيش الروسي تصل إلى احتلال كييف والسيطرة الكاملة والسريعة على أوكرانيا، مما يضطرها للقيام برد فعل كبير لم تكن ترغب فيه. وهكذا منحتها استراتيجية بوتين المترددة الفرصة لترتيب عملية استنزاف متدرج وطويل المدى لروسيا عسكرياً ودبلوماسياً. وسرعان ما بدأت مرحلة العقوبات بشكلٍ انتقائيٍ ومدروس، ينسجم مع منطقها المذكور أعلاه في هذا التحليل. وأوقفت ألمانيا الترخيص لمشروع نوردستريم ٢ العملاق الروسي الذي كان يؤرق الولايات المتحدة إلى درجةٍ كبيرة، لأنه سيضع جزءاً كبيراً من أوروبا رهينةً للغاز الروسي في المستقبل. وتمثلت الانتقائية في العقوبات في صرف النظر عن كل ما يمكن أن يتسبب بمزيدٍ من التضخم في الولايات المتحدة، حيث تمَّ، مثلاً، استثناء صناعة الطاقة الروسية بأسرها، والتي تمثل عصب الاقتصاد الروسي، ومصدر تمويل مجهودها الحربي، من العقوبات. وحسب تقارير وزارة الخارجية الأميركية، كان هذا يهدف لمنع ارتفاع أسعار الطاقة التي تُنهك المستثمر الأميركي حالياً.

توريط دولة الإمارات العربية المتحدة في السودان

شهدت أروقة الحكم في دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرا، حالة من التخبط والارتباك الشديدة بسبب فضح تورطها في السودان بدعمها الميليشيات المسلحة لتصعيد الحرب الدائرة في البلاد وكسب المزيد من النفوذ. وفي أحدث دليل على ذلك كشفت صحيفة “تايمز أوف لندن” أن حكومة الإمارات ألغت مؤخرا اجتماعات مع وزراء بريطانيين بعد اتهامها بتمويل الجماعات شبه العسكرية في السودان. وسبق أن أدان برلمانيون أوربيون دولة الإمارات بتمويل “جرائم الحرب والاغتصاب” في السودان منذ أبريل ٢٠٢٣م، وبحسب المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، نظم مركز ستراسبورغ للسياسات، وهو منصة مشهورة لمناقشات السياسة الدولية، لقاءً حواريا بعنوان “دور الإمارات في جرائم الحرب في السودان” شارك فيه عدد من الخبراء الأوروبيين في الأوضاع المعقدة المحيطة بتورط دولة الإمارات في الحرب الحالية في السودان. وتناول المتحدثون الجوانب المختلفة لتدخل دولة الإمارات في الصراع من خلال مناقشة دقيقة وتحليل شامل. وأوضح الخبير الإيطالي جيوفاني باريتا، المتخصص في الشؤون الأوروبية أنه من المهم أن تتوقف الدول الإقليمية والقوى الدولية عن تأجيج الصراع في السودان، مشيرا إلى أن الإمارات تعمل على زعزعة استقرار السودان من خلال دعم مليشيا الدعم السريع التي تهاجم الحكومة الشرعية، مضيفا أن تعقيدات الصراع في السودان تتطلب منع تورط جهات خارجية مثل الإمارات في دعم المليشيات.من جهته أشار لوكا أنطونيو بيبي، خبير العلاقات الدولية إلى أن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع في الحرب أثار انتقادات من المراقبين باعتبار أن ذلك يؤجج نيران العنف، مضيفا أن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع لعب دورًا رئيسيًا في استمرار الحرب حتى الآن. ووفقًا لجورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة جلف ستيت أناليتيكس لاستشارات المخاطر، فإن اتخاذ الحكومة السودانية موقفاً متشدداً ضد الإمارات بما في ذلك طرد ١٥ دبلوماسياً إماراتياً في ديسمبر الماضي جاء بسبب دعمها لقوات الدعم السريع، مشيرا إلى أن لخليفة حفتر ومرتزقة مجموعة فاغنر الروسية والإمارات علاقات مع قوات الدعم السريع. وقد قام حفتر وفاغنر بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة في وقت مبكر من الصراع باستخدام طائرات فاغنر المتمركزة في جنوب ليبيا. وأضاف “ترتبط شركة فاغنر، التي أعيدت تسميتها مؤخرًا باسم “فيلق أفريقيا”، والإمارات بعلاقة طويلة مع قادة الدعم السريع من خلال استخراج وتهريب الذهب من مناجم جبل عامر في دارفور، والتي يسيطر عليها الدعم السريع، حيث يهرب معظم هذا الذهب إلى دولة الإمارات حيث يدخل السوق الدولية.ولاشك ان توريط دولة الإمارات في السودان من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل يرمي إلى نفس الأهداف وهي استنزافها وامتطاؤها إلى حين لتنفيذ مخططاتهم ومن ثم ضربها بعرض الحائط، فضلا عن بث الكراهية بين الشعبين.

تعليق

لقد لعب الأمريكيون و(حلفاؤهم) – ومازالوا يلعبون- لعبة الإيقاع بالدول وتوريطها في صراعات قاتلة منذ الحرب العالمية الثانية، حين تآمروا على حليفهم السوفياتي ستالين ضد النازية، وتركوه يستنزف قواته مع هتلر العدو المشترك في لحظة من اللحظات. والواضح أن الأمريكيين لا يخفون ألاعيبهم، فقد صرح (المفكر) الأمريكي الشهير دانيال بايبس باسباب تبني الولايات المتحدة لهذه الاستراتيجية بقوله: «اولا: إن القوى الشريرة لا تشكل خطراً كبيراً علينا عندما تتقاتل فيما بينها. وثانياً: فإن الاقتتال بين هذه القوى سيمنع الحسم العسكري وانتصار فريق على آخر. ولو انتصر أحد الفريقين، فإنه سيشكل خطراً أكبر علينا. لهذا على القوى الغربية أن تقود الأطراف المتقاتلة إلى حالة من الجمود، بحيث تقوم بدعم الطرف الخاسر كي يستمر في القتال وذلك من أجل إطالة أمد الصراع واستنزاف كل الأطراف لصالح الولايات المتحدة والغرب”.

الخلاصة

…. إن السياسة الدولية ليست كما تبدو في ظاهرها تنبني على القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية والنظام العالمي واحترام سيادة الدول وإلى ما ذلك من العبارات البراقة….

…..وإنما هي مزيج من الخدع والنفاق والمكائد والدسائس….

……فمعظم الأزمات التي مررنا ومازلنا نمر بها ما هي إلا نتيجة لانخداعنا ووقوعنا في فخ التوريط، …

…. لذلك يجب علينا ألا ننخدع وألا نصدق كل ما يقولون وأن نمحص الأمور تمحيصا دقيقا قبل أن تنطلي علينا مثل هذه الخدع والأكاذيب المكشوفة لكل ذي لب وبصيرة….

د. عبد المهيمن عثمان حسن بادي
ابوجا- نيجيريا
٢٠٢٤/٦/٢٠م

المصادر:

١- نظرية «التوريط» الأمريكي لأنقرة في سوريا تسيطر على الساسة والكُتاب والرأي العام التركي، القدس العربي، ٢٠١٥/٢/٢م

٢- اليمن.. فيتنام التى غرق فيها عبدالناصر, اليوم السابع، ٢٠٠٨/١٠/٣٠م

٣- مخاطر الاستراتيجية السعودية المرتكزة على الأمن في اليمن
Carnegie Endowment for International Peace
اكتوبر ٢٠٢٣م

٤- لعبة التوريط الأمريكية من صدام إلى أردوغان؟
TurkPress
٢٠١٦/٧/٩م

٥-فضائح الإمارات
تخبط وارتباك في الإمارات بسبب فضح تورطها في السودان
Emarates leaks
٢٠٢٤/٤/٣٠م

التعليقات مغلقة.