للحديث بقية
عبد الخالق بادى
هدنة أولمبية سودانية!
دعا أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة وبمناسبة افتتاح أولمبياد باريس ٢٠٢٤ أمس الجمعة ، إلى هدنة لوقف القتال فى عدة مناطق في العالم من بينها السودان ، وسماها بالهدنة الأولمبية تبدأ من ال٢٦ من هذا الشهر إلى الحادى عشر من أغسطس المقبل.
إن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة هى دعوة صادقة من رجل صادق فى مواقفه ، ولكنه وللاسف عاجز عن فرض رأيه أو حتى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن ، لانه لا يمتلك أى آلية لتنفيذ قراراته.
وحقيقة فإن موقف الأمم المتحدة بشكل عام من الحرب فى بلدنا،نجد أن موقفها سلبى، خصوصاً فى الجانب الانسانى والإغاثى، فما قدمته من دعم إنسانى ضئيل جدا ،لا يقارن مع تقاريرها واحصاءاتها عن حجم الكارثة الإنسانية بسبب الحرب، وإعداد السودانيين المحتاجين لمساعدات إنسانية وغذائية عاجلة،والذين قدرتهم الأمم المتحدة بعشرة ملايين سودانى، ويعضد حديثنا ما ذكره دكتور أبوبكر عمر البشرى وزير الزراعة الاتحادى فى اللقاء الذى نظمته وزارة الثقافة والإعلام مع الزملاء الإعلاميين أمس الأول ببورتسودان، حيث وجه انتقادا شديد اللهجة لدور المنظمات الأممية فى التخفيف عن الشعب السودانى، وقال: أننا لم نشاهد وجود لخيم ومساعدات الأمم المتحدة بالصورة المطلوبة، وأن ما يقدم لا يقارن مع الأرقام التي ذكرتها المنظمات عن أعداد السودانيين المحتاجين للدعم الانسانى ،والذين يقيم أغلبهم مع ذويهم بالمنازل).
وإذا قيمنا موقف الأمم المتحدة من الحرب فى بلدنا ،نجد أنها ورغم التقارير الأممية وغير الأممية والتى أثبتت بالأدلة والبينات القاطعة ارتكاب المليشيا المتمردة لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، رغم كل ذلك ،فان الأمم المتحدة لاتزال تساوى بين جيش البلاد الشرعى والقتلة والمجرمين ، فلم يصدر من مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أو مجلس الأمن أى إدانة صريحة تصنف المليشيا كجماعة إرهابية بلا هوية أو مشروع سياسى ، وحتى الأدلة الدامغة التى تثبت تورط الإمارات بصورة صريحة فى دعم الجنجويد واشتراكها فى الجرائم التى ارتكبت ضد المواطنين، تعاملت مؤسسات الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن معها بلامبالاة.
نعود ونقول إن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بهدنة أولمبية بالسودان ، من المؤكد أنها ستجد استجابة من الجيش والحكومة الشرعية، ولكن هل المليشيا المتمردة على استعداد لوقف اعتداءاتها وانتهاكاتها ضد المواطنين العزل ؟، وهل هى أصلا أهلا لأى اتفاق أو هدنة ، فكل التجارب السابقة من عدن واتفاقات، أثبتت أن هذه المليشيا لا عهد لها ولاذمة ، ويكفى فقط عدم التزامها بما وقعته مع جيش البلاد من ميثاق فى مايو٢٠٢٣ بخروجها من منازل المواطنين والمؤسسات المدنية ، فهل نتوقع أن تستجيب لهدنة الأمين العام للأمم المتحدة ؟.
ما أستغرب له هو ادعاء بعض العملاء وأعوان المليشيا المتمردة بأنهم رسل سلام ، ففجأة وبعد كل ما ارتكبوه من جرائم إبادة وذنب لايغتفر ولأكثر من عام، أصبح أمثال سلك وغيره دعاة سلام ، والأغرب والمستغرب، أن تصريحاتهم للاعلام تتناقض مع ادعاءاتهم (الكاذبة)، فقد قال أحد مستشارى المتمردين للجزيرة مباشر(اسمه تقريباً كجوك أو مجوك ): أنهم يرحبون بدعوة أمريكا للتفاوض فى جنيف وأنهم مع السلام وإيقاف الحرب ، ثم عاد وقال:( أن الدعم السريع هو الوحيد القادر على إعادة الاستقرار للسودان وأنه لايعترف بالجيش لأنه امتداد لدولة١٩٥٦) ,(طيب ماشين جنيف تعملوا شنو)، وطبعاً هذه دعوة عنصرية بحتة ،توضح حجم الحقد الدفين على بلدنا و التناقض الرهيب والنفاق العجيب لهؤلاء الناس، والذين نقول فيهم كما قال رحمه الله الطيب صالح:(من أين أتى هؤلاء).
وللحقيقة فإن اللهجة التى يتحدث بها غالبية عملاء وأعوان المليشيا المتمردة لهجة عنصرية ، وما يجب أن ندقق فيه أن من يتحدثون بهذه اللهجة ، مشكوك فى سودانيتهم ، وأن معظمهم جذورهم غير سودانية ، وعلى رأسهم قيادات معروفة ومستشارين وعملاء فى الخارج والداخل ، فعلاقتهم بسوداننا الحبيب عبارة عن مستندات ثبوتية تم استخراجها بطرق غير مشروعة ،مستغلين فوضى الإجراءات بالسجل المدنى فى بعض المكاتب هنا وهناك خلال العهد البائد وخلال الفترة الانتقالية مؤخرا.
إن كل دعوات التفاوض وإيقاف الحرب سواء من الأمم المتحدة أو امريكا أو الاتحاد الأفريقى (الذى فاق من غفوته أخيراً)، كلها مرحب بها ، ولكن يجب أن تصب جميعها فى جهود منبر جدة التفاوضى،والذى يعتبر المنبر الوحيد المؤهل لذلك، فتعدد المنابر يفسد القضية ويضيعها، ونصر الله جيشنا وثبت أقدامه ،وانعم على بلدنا بالأمن والاستقرار.
المزيد من المشاركات
التعليقات مغلقة.