للحديث بقية
عبد الخالق بادى
مقال يستحق النشر
ارسل إلينا الاستاذ والاخ عباس الفاتح المقيم بالمملكة العربية السعودية منذ سنوات وأحد أبناء الدويم وزميل دراسة مقالا مميزا عن الدور العظيم الذى قام به أبناء الوطن المغتربين فى بقاع الأرض ومساهماتهم المشهودة فى دعم أسرهم أثناء الحرب (ومازالوا)، والمقال بقلم الدكتور علاء الدين النور ، والذى قدم معلومات وإحصاءات مهمة عن هذه المساهمات التى تميز الشعب السودانى عن غيره من الشعوب، وانا شاكر للاخ عباس على هذه اللفتة الجميلة ، واترككم مع المقال الجميل:
(( بسم الله الرحمن الرحيم ))
المغترب السوداني.. صانع المعجزات ودرع الكرامة
دكتور. علاء الدين النور
في كل لحظة عصيبة من تاريخ الشعوب، تظهر معادن الأمم، هناك من ينهار تحت ضغط الأزمات، وهناك من يبيع ضميره عند أول امتحان، وهناك من يصمد شامخًا كالجبل. السودان، الذي واجه حربًا طاحنة أكلت ناره الأخضر واليابس، لم يُنقَذ بفضل الحكومات ولا المنظمات، بل بفضل معدن خاص جدًا: المغترب السوداني.
هذا البطل المجهول، الذي يعمل في المنافي والغربة، بين لهب الشمس في الخليج وزمهرير الشتاء في أوروبا، بين قسوة المناوبة في المصانع والمستشفيات وبين غربة الروح عن الأهل والوطن، هو الذي أنقذ ملايين الأسر من الضياع
15 مليار دولار.. دموع غربة تحولت إلى حياة
حين نقرأ الأرقام ندرك حجم المعجزة:
✅خلال عامين فقط من عمر هذه الحرب، أرسل المغتربون السودانيون لأهلهم ما يقدّر بأكثر من 15 مليار دولار
✅[3] مليون لاجئ سوداني فرّوا إلى مصر والسعودية وقطر والإمارات وتركيا وتشاد وإثيوبيا وأوغندا ورواندا وغيرها. هؤلاء اللاجئون، الذين يشكلون حوالي 600 ألف أسرة، تكفّل بهم المغتربون بمتوسط 500 دولار شهريًا، ما يعادل 7.2 مليار دولار خلال عامين.
أما النازحون داخليًا، وعددهم أكثر من 9 مليون، أي ما يقارب 1.8 مليون أسرة، فقد وجدوا في أقاربهم بالخارج من يسندهم بمبلغ متوسطه 200 دولار شهريًا، أي ما يقارب 7 مليار دولار
✅هذه الأرقام لا تعني مجرد تحويلات مالية عابرة، بل تعني أن المغترب السوداني صار البنك المركزي الحقيقي للشعب السوداني. فبينما خذلت الدولة مواطنيها، وتواطأت المنظمات الأممية بصمتها أو بتواطؤها، كان المغتربون هم الذين سدوا الفجوة، ومنعوا كارثة المجاعة التي كانت تتنبأ بها تقارير الأمم المتحدة.
ملحمة تكافل لا تشبه أحدًا
ما حدث لم يكن صدفة. إنه انعكاس لقيم عميقة متجذرة في وجدان السودانيين: قيمة الأسرة الممتدة.
في الوقت الذي تفككت فيه الأسرة في المجتمعات الغربية، حتى صار المصطلح نفسه شبه منقرض، ظل السودانيون يتمسكون بترابطهم العائلي.
في عالمٍ يسير بخطى سريعة نحو الفردانية والانعزال، ظل السوداني لا يرى نفسه إلا من خلال أهله وعشيرته وناسه.
لقد أثبت السودانيون أنهم ليسوا مجرد شعب من شعوب العالم الثالث، بل هم شعب متفرد في إنسانيته، مهد حضارات، ومصدر دروس للأمم التي تظن نفسها متقدمة.
إن المغترب السوداني لم يرسل المال من فائض ثروته، بل من عرق جبينه، ومن قوت يومه. هناك من اقتطع من راتبه البسيط ليدفع إيجار بيت نازح في القضارف. هناك من حرم نفسه من أبسط رفاهيات الغربة ليؤمّن رسوم مدرسة طفل في القاهرة أو عنتبي. هناك من فضّل أن يعيش بالغربة على الحد الأدنى، فقط ليبقى أهله في الداخل مرفوعي الرأس، لا يمدون يدهم في الطرقات.
*خذلان المنظمات الدولية
منظمات الأمم المتحدة التي تملأ الدنيا ضجيجًا بالشعارات والبيانات، اكتفت بالتفرج. لم يكن هناك تدخل جاد لإنقاذ السودانيين من الكارثة. بل كأن هناك خطة مدروسة لترك الشعب ينهار حتى يركع. لكن السودانيين كسروا المعادلة: لم يركعوا، لأن لهم أبناء في الخارج حملوا عبء الوطن على أكتافهم.
دروس للعالم من التجربة السودانية
إن ما حدث في السودان درس للعالم بأسره:
✅لا العرب امتلكوا هذا القدر من التكافل العائلي.
✅لا الأفارقة ولا الآسيويون قدّموا مثل هذه التضحية.
وحده الشعب السوداني، مهد الحضارات الأولى، أثبت أنه قادر على حماية نفسه بنفسه، حتى دون دولة ولا منظمات.
العالم كله مدعو لدراسة هذه التجربة الفريدة: كيف استطاع شعب أن يصمد لعامين كاملين في وجه حرب طاحنة ونزوح بالملايين، فقط بفضل تحويلات أبنائه في الخارج؟
الوفاء للمغتربين واجب وطني
المغتربون السودانيون لم يعودوا مجرد “داعم إضافي” للاقتصاد، بل صاروا العمود الفقري لبقاء المجتمع نفسه. ولهذا فإن أقل ما يجب أن نفعله هو:
1. صون أماناتهم، وألا نسمح للحكومة أو التجار الطفيليين أن يسرقوا منهم.
2. إلغاء كل الضرائب والجمارك على مدخراتهم ومقتنياتهم التي يجلبونها لأهلهم.
3. اعتبار المغترب شريكًا أساسيًا في صياغة مستقبل السودان، لأنه هو من دفع الثمن الحقيقي لبقاء الوطن.
الخاتمة: أنتم حُرّاس الكرامة
أيها المغتربون، يا من تحملتم الغربة والبعد والحرمان، أنتم لستم فقط أفرادًا يرسلون المال، أنتم خط الدفاع الأول عن كرامة السودان. أنتم الذين أثبتم أن هذا الوطن لا ينكسر، حتى لو اجتمع عليه المتآمرون في الداخل والخارج.
*ختاماً التحية لكل مغترب مد يد العون لأهله ولغير أهله ،سواء فى الحرب أو قبلها أو بعدها ، وجعل الله كل ما قدمه فى ميزان حسناته.