الايام نيوز
الايام نيوز

٢١أكتوبر…ثورة شعبية ام نخبوية؟

0

للحديث بقية
عبد الخالق بادى
هل ٢١أكتوبر ثورةشعبية؟
مرت علينا قبل يومين الذكرى (٦١) ل٢١ أكتوبر، وبهذه المناسبة فقد ظللت وليومين كاملين أبحث عن معلومات عما حدث فى ٢١أكتوبر ١٩٦٤م ، والذى تنحى فيه الرئيس الراحل ابراهيم عبود (رحمه الله)عن السلطة ، وتم تكوين حكومة انتقالية برئاسة سرالختم الخليفة رحمه الله.
معلومات شحيحة جدا وجدتها عن ٢١أكتوبر ، بل حتى المقالات التى أطلعت عليها، أما تعبر عن رأى حزب معين ، أو عبارة عن انطباعات شخصية لإشباع غرض معين وتكرار معلومات بدون تدقيق أو تحقيق، فليس هنالك معلومات كثيرة مفيدةةعنزتلك الفترة.
وكثيرا ما كنت أتساءل وربما أن أيضاً عزيزى القارىء، عن هل ما حدث فى ٢١أكتوبر ١٩٦٤م كان ثورة شعبية ؟ صحيح نحن لم نعش تلك الحقبة ولكن روى لنا آباؤنا والكثير من الذين عاصروها ، عن أن الكثير مما قيل من بخصوص أكتوبر كان مبالغا فيه ولايعبر عن الواقع الحقيقى للأحداث، بل قد يصل لدرجة التزييف فى أغلبه.
فهناك من أكد أن ٢١أكتوبر كانت ثورة نخبوية وليست ثورة شعبية، أى أن قادة أحزاب وطوائف فى تلك الفترة هم من ألبوا الشارع وبعض الطلبة للتظاهر ضد حكومة الرئيس عبود، فلم المظاهرات نابعة من الشارع وانما بإيعاز من النخبة لتحقيق مصالح سلطوية ومناصببة .
ومايرجح هذا الكلام هو أن عهد الرئيس عبود (وباعتراف حتى قادة أحزاب وسياسيين فى تلك الفترة)، أنه مثل العصر الذهبى للاقتصاد السودانى ومعاش المواطن ، فالحياة كانت رغدة والعملة السودانية كانت تعادل أضعاف العملات الأجنبية ،بما فى ذلك الجنيه الاسترليني والدولار الأمريكي والريال السعودى ، ويكفى أن المواطنين كانوا وبعد تنحى عبود كلما شاهدوه يرددون (ضيعناك وضعنا وراء).
وهناك مفارقة غريبة ، فالرئيس الراحل ابراهيم عبود لم يقم بانقلاب ضد السلطة المدنية بقيادة الراحل عبدالله خليل، بل إن خليل هو من سلم السلطة لعبود فى ١٩٥٨ والذى كان حينها القائد الأعلى للجيش، والسبب هو التناحر داخل حزب الأمة والاتحادى الديمقراطى (أكبر الأحزاب فى تلك الفترة)، والتناحر بين الأحزاب ، مما كان ينذر بفتنة لا تبقى ولاتذر، حيث حدثت اشتباكات ذات طابع حزبى راح ضحيتها العشرات من السودانيين ،فتعامل رئيس الوزراء الراحل عبد الله خليل(حزب أمة) بحكمة مع الأزمة ، واقنع عبود بتسلم السلطة حفاظا على تماسك البلد ومنعا لوقوع للفتنة.
عليه فإن الأحزاب والتى كانت سببا فى وأد الحكم المدنى بسبب الصراعات داخلها أولا ،وصراعاتها فيما بينها ثانياً، هما السبب فى سيطرة الجيش على البلد ،وهذا يؤكد أن تسلم السلطة الجيش فى ١٩٥٨م لا يمكن أن يوصف بأنه انقلاب عسكرى كما روج (وما زال) بعض الأحزاب والساسة الغير صادقين .
والأحزاب التى رحبت بتولى ابراهيم عبود للسلطة وايدته ، عادت فى ١٩٦٤م لتطالب باعادة السلطة ل(الشعب)، وهم يقصدون طبعاً إعادة السلطة إليهم ، فلم يتردد الرئيس عبود وقام بحل المجلس العسكرى وأعلن تنحيه عن السلطة، والغريب أن الأحزاب طلبت منه البقاء فى منصبه كرئيس للبلاد لحين إجراء الانتخابات ، إلا أنه رفض وآثر الخروج من القصر والذهاب الى منزله .
وهنا قد يقفز فى ذهنى وذهنك عزيزى القارئ سؤال، وهو، لماذا أصرت الأحزاب( التى سلمت السلطة للرئيس عبود طواعية وغير مكرهة فى ١٩٥٨م) على تنحيه ؟ ولماذا ادعت بأن ما حدث هو ثورة شعبية رغم أنه ليس كذلك؟.
مراقبون عزوا التناقض الذى عانت منه معظم الأحزاب فى حقبة الستينات ، إلى أمرين ، الأول هو النجاح الكبير الذى تحقق فى فترة عبود من جميع النواحى وفى جميع المجالات ، اقتصادية صحية، تعليمية وعلمية، ثقافية، رياضية وغيرها، بعكس الفترة التى حكمت فيها الأحزاب قبل عبود ، حيث لم يحدث أى تطور فى البلاد بسبب الصراعات السياسية، والصراع حول كراسى السلطة.
والسبب الثانى هو عمالة بعض الأحزاب لبعض المنظمات الكنسية فى تلك الفترة، وترويجها الأكاذيب التى روجها مجلس الكنائس فى ذلك الوقت ضد حكومة عبود باضطهاد الجنوبيين ، وعدم وضع حلول للحرب فى الجنوب وهى كما يعلم الجميع موروثة من الاستعمار، فاشتغلت بعض الأحزاب هذه الحملة الكنسية لصالح العودة للسلطة.
خلاصة القول أن ماحدث فى ٢١أكتوبر١٩٦٤م لم يكن ثورة بمعناها الحقيقي ، وإذا قارناها بثورة ديسمبر المجيدة فى ٢٠١٩م، نجد أن ثورة ديسمبر نابعة من الشعب شارك فيها الفيس من أبناء الشعب على امتداد السودان ، وذلك بسبب الفساد والظلم الذى تراكم عليه من العهد المباد ، بينما كانت اكتوبر صفوية ، دعوة باطل أريد بها باطل، فلم يعجب معظم الأحزاب السودانية النجاح الكبير الذى تحقق فى ظل حكومة عبود ، والذى لا قبله ولابعده ذاق السودانيين طعم الرخاء والاطمئنان ، فهل يعقل أن يثور الشعب ضد نظام وفر له العيش الرغيد ؟، والغريب أن الأحزاب التى حرضت الشعب ضد حكومة عبود والتى وصفتها بالدكتاتورية ، عادت ومارست ما اسميه ب(الديكتاتورية المدنية) ، وذلك بعد تسلم السلطة فى ١٩٦٥م واستأثرت بكل شىء، والأغرب أن معظم الأحزاب لم تمارس الديمقراطية (التى تطالب بها) داخل مؤسساتها من حينها إلى الآن، وبالتالى فإن تمجيدها لاكتوبر (حتى اليوم )ما هى إلا محاولة لاستعطاف الشعب وادعاء أجوف بأنها ظلت تناضل ولعقود من أجل الديمقراطية والحكم المدنى ، والذى لاتعرف عنه شيئاً، لأنها لم تمارسه طيلة عمرها ، وهنا تحضرنى تلك الطرفة التى عكست وعى المواطن السودانى بما يدور منذ عقود ، وهى أن الفنان الكبير الراحل محمد وردى(رحمه الله) والذى غنى كثيرا لاكتوبر، كان يتردد بعد أكتوبر على أحد المكتبات لشراء الصحف اليومية، وفى أحد الأيام قال له صاحب المكتبة:(والله يا أستاذ اكتوبر دى ما شفناها إلا فى خشيمك).
نصر الله جيشنا والقوات المساندة له ، ورحم الشهداء وشفى الجرحى واعاد المفقودين والمأسورين ، وأنعم علينا وعلى بلادنا بالأمن والاستقرار والرخاء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.