دولة القانون جيش السودان
*دولة القانون* *جيش السودان*
لا عاقل يتمنى الحرب أو لقاء العدو ولكن إذا نشأت المواجهة فلابد من التعامل معها بما تقتضيه من النظر للمصالح العليا التي لا تحسب بالعواطف. فحرب السودان المستعرة بين فئتين سودانيتين أكبر اختبار لموقف المواطن العادي ناهيك عن السياسي المحترف.
فعامة السودانيين والسودانيات، ورغماً عن قناعتهم الراسخة بأنها صراع سلطة بين رئيس ونائبه إلا أنها ولطالما اشتعلت فالعقلانية في إحدى جوانبها جعلتها حرب وجود لمؤسسة لا غنى عنها لأي وطن. فالجيش ليس جيش البرهان وإنما جيش السودان. والقوات التي في الميدان ورغماً عن قناعتها باستتار البرهان خلفها إلا أنها لم تنس، ولو للحظة، كرامة الوطن التي أهانها حميدتي ومن تمنوه منتصراً ولو على حساب انهيار مؤسسة تمثل العمود الفقري لأي دولة مهما كانت بها من علل. الطمع في السلطة جعل بعض دعاة الإصلاح يعتقدون أنه عملية بتر وإزالة. الصحيح أن الإصلاح برنامج علمي يتطلب إزالة الفاسد بإحلال الصالح مكانه دون أن ترتبك الأمور أو تتوقف الخدمات. خير مثال لتقريب الصورة السلطة القضائية كآخر الملاذات التي صميم عملها حسم النزاعات بين المواطنين أو منهم ضد أجهزة الدولة أو بين تلك الأجهزة. بعبارة مباشرة، القضاء هو الجهاز الوحيد الذي تبدأ عملية الإصلاح ومنه يبدأ الفساد. مع ذلك ولكون المحاماة هي ضمير الشعب فهي المرآة الحقيقية لأي نظام قضائي. من غير المتوقع أن تكون المحاماة أو النيابة أو وزارة العدل بأحسن حالاً من القضاء طالما أن الجسد أو المنظومة واحدة. فإذا عهدنا للمحاماة أن تُصلح القضاء فيجب أن تكون الأولى، أي المحاماة، أفضل حالاً وأكثر جاهزية لتتولى عملية إصلاح القضاء. معادلة الإصلاح هذه لا تنطبق على القضاء وحده بل على كل المهنيين من أساتذة جامعات وغيرهم من شاغلي الخدمة المدنية أو حتى العسكرية. لتوضيح الرؤيا دعونا نأخذ واقع المحامين الموالين للثورة. فالمحامون كأي شريحة من هذا المجتمع فيهم الصالح ومنهم الطالح. في واقعنا كمحامين، هل نجحنا في تقديم قيادة مقنعة؟ حتى إن لم ننجح في بادىء الأمر هل في أي مرحلة من مراحل الثورة استطعنا أن نغير قيادتنا التي فرضت نفسها علينا؟ بل حتى القيادة التي فُرضت، وما زالت، هل بدلت في السلوك الذي كان تتبعه من أسقطتهم الثورة؟ طوال سنوات الثورة الأربع؟ هل سمع أي محامي عن مواجهة تمت بين قواعد المحامين الذين أنجزوا الثورة ومن انبروا وقلّدوا أنفسهم متحدثين باسمها واسم المحامين؟ ما سقناه عن المحامين هل ينطبق على بقية المهنيين الذين فشل معظمهم في تكوين ولو نقابة شرعية؟ إذا كان هذا واقع الأجسام المرنة كالمحامين وأساتذة الجامعات وغيرهم من المهنيين، فكيف نتوقع أن يكون حال الأجسام الأكثر تقييداً والتي تتطلب تراتبية هرمية صارمة في ممارسة نشاطها حتى على المستوى الاجتماعي. من يتجوّل بمعظم القروبات المؤيدة للثورة يجد منشورات ومقالات تُحرّض صراحة أو ضمناً ما يجب أن يكون عليه موقف المواطن من الحرب المشتعلة وضرورة عدم الانحياز لأحد طرفيها بحجة أنها حرب لا تهمنا ولا تخصنا. صحيح أن هذه الحرب، وكما أشرنا، تجسد في أحد جوانبها صراع سلطة بين قائدين يستحقا أن تعلّق أجسادهما بالمشانق وبمكان عام. مع ذلك هل بالفعل هذه الحرب لا تخصنا أو لا تهمنا؟ وإذا لم تكن تهمنا فمن تهم؟ لماذا نغطي فشلنا في شماعة عدو تركنا له مساحة الاستثمار في خلافاتنا؟ الحقيقة التي يجب أن تقال: أن أي حرب مهما كان مكانها أو زمانها فحتماً تهم وترتبط بأي سوداني ولابد أن يتأثر بها ويتفاعل معها. فالأمور لا تحسب بالسبهللية ولا المشاعر السندسية أو الصمت المبين وإنما بما ستسفر عنه من نتائج وبمن هو الخاسر ومن الرابح. الحروب ليست نزهة أو استمتاع بنقل المقاطع والفيديوهات.
بعد أي حرب تتغيّر الظروف والمراكز الدستورية بصورة جوهرية. فحتى إن لم ندخل الحرب بالسنان فلابد أن نتعاطى معها ولو بالوجدان.
فلو لم نحسب الأضرار والمكاسب يجب، بأقل تقدير، حساب الفرضيات التي سيتعامل بها معك الرابح. بإسقاط هذه النظرية على واقعنا، هل أهداف الثورة ستتحقق بانتصار حميدتي في هذه المعركة؟ هل نتيجة الحرب الحتمية انهيار معسكر الفلول؟ أم أن فلول من نوع جديد سيظهرون على المشهد مستفيدين من حرب لعب الساسة دوراً جوهريا في خلق مناخها؟ هل يعتقد أي سوداني أن حميدتي إذا انتصر سيسلم السلطة؟ في الأساس هل يستحق حميدتي أن يكون رمزاً وثمناً للديمقراطية والسلطة المدنية؟ هل من مصلحة السودانيين أن تنهار مؤسستهم العسكرية، وعلى يد حميدتي بالذات؟ وإذا انهارت على يده هل يملك أن يبني مؤسسة عسكرية مهنية؟ هل اضطر بعض ضباط وجنود قوات الشعب المسلحة خوض هذه المعركة حباً في الفلول أم أن كرامة وشرف هذه المؤسسة تطلبت أن يتصدوا للمأزق مضطرين؟ هل من مصلحة الثورة أن تسقط المؤسسة العسكرية أم تنهار العصابة التي على رأسها ويبقى ولو هيكلها لتشغله كفاءات حقيقية تبني على أحسن ما فيها وتزيل فسادها؟ هل كان الذكاء السياسي يتطلب الانحياز ولو معنوياً للمؤسسة الأم بحيث لا بفتري الفرع على الأصل؟ بالله عليكم لا يقل لي مهني أن كل المؤسسات السودانية وعن بكرة أبيها فاسدة ومطلقاً، من يدعي ذلك فلينظر لنفسه ولكوادر حزبه أو المؤسسة التي ينتمي لها، فهل كلها فاسدة؟ أم أنه هو الوحيد المعصوم والصالح والقادر على تبني وتطبيق مشروعه الإصلاحي؟
د. عبد العظيم حسن المحامي الخرطوم
19 أبريل 2023
التعليقات مغلقة.