الوضع القانوني للعنف المسلح في السودان.بقلم فريق شرطة(حقوقي) د. الطيب عبدالجليل حسين محمود
الوضع القانوني للعنف المسلح في السودان.
—————————‐–
رحم الله إستاذي العالم بروفيسور اكولدا ماتتير، عميد كلية القانون الأسبق في جامعة الخرطوم، وأستاذ مادة القانون الدولي، وأكاد لا أنسى محاضراته بلكنتة الإنجليزية المميزة للمتكلمين بها من إخوتنا في دولة جنوب السودان الشقيق، لأنني أكاد أسمع صدى صوت محاضراته عن أشخاص القانون الدولي، وبيانه مدى إخضاعهم لأحكام القانون الدولي العام.
وعن الوضع القانوني للعنف والنزاع المسلح، استرجع للوراء ذاكرة محاضرات أصول قواعد الحرب والنزاعات وفك الاشتباك وفقاً لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1948م وبروتوكلاتها الإضافية لعام 1977م، لأستاذنا البحر الدكتور/ حيدر حسن الصديق، الشهير بلقب علي قاقارين والرمح الملتهب ولاعب نادي الهلال الأمدرماني لأيام سودان الزمن الجميل المتفرد، والدبلوماسي في وزارة الخارجيه، واستاذي في مادة اللغة الفرنسية في مدرسة محمد حسين الثانوية العليا.
والذي دعاني للكتابة، حيثييات قوية دفاعيه يقدمها الإعلامي خالد علي الإعيسر للعديد من القنوات الفضائية، ولأن الرجل، وكما تبدى لي أنه مقيم في لندن، وحيث ليس لشخصي سابق معرفه أو لقاء بالرجل، إلا أن الذي لفت إنتباهي، وطنيته نحو بلده السودان المتجدره، وقوة براهين ورصانة دفوعات حيثيياته المستميته في التوصيف لحالة النزاع، بأنه شأن داخلي بحت، وتحميله اللجنة المركزية للقوى المدنية السياسيه قحت مسئولية تمرد مليشيات قوات الدعم السريع على القوات المسلحة السودانية الوطنيه، وتسببها في إرتكاب جرائم وفظائع ضد مواطني الدولة السودانيه، الأمر الذي يخضع قيادات مليشيا قوات الدعم السريع والمحرضين لها للمساءلة والمحاسبه وفقاً لأوضاع القانون الوطني الداخلي. وإعلامياً يقف مصطفاً في الضد آخرين لقوى الحرية والتغيير كتلة اللجنة المركزية، بإعاءات تدعو للتدخل الدولي لفك اشتباك النزاع القائم، بحجة أن طبيعة النزاع سياسي، وأنه يجب وقف النزاع، وصفاً له بأنه حرب بين جنرالين، ودونما بيان وتوضيح أسانيد سبب الحرب بين الجنرالين، ومصلحتهم فيها.
وكما يظهر في الأفق فريق ينادي بوقف النزاع، وعلى خلفية أن النزاع حرب بين فريقين على السلطة، وينادي بدعوة الأطراف للتفاوض لتسوية نقاط الخلافات بين القوات المسلحة السودانيه ومليشيا قوات الدعم السريع.
وبالنظر لطبيعة النزاع وأطرافه، تساؤلات تطرح نفسها بسؤال الآتي:
- هل النزاع أو الصراع القائم في السودان، يمكننا أن نطلق عليه وصف الحرب؟
- هل مليشيا قوات الدعم السريع لها معنى وصف الدولة أو الكيانات شبه الدوله؟
التساؤلات تطرح نفسها، لطرح سؤال جوهري: هل حكومة الأمر الواقع للدولة السودانية لها سلطة الدخول في تفاوض وتسويات مع مليشيا قوات الدعم السريع؟ والسؤال، للإجابة على سؤال منّ هو المسئول الذي يتحمل عبء حالات الضرر الواقع على الناس نتيجة لعمليات النزاع؟ وكيف تكون المساءلة والمحاسبة لجبر الضرر لحالات واقعات الدماء والتلف في الأموال والممتلكات الواقع على ضحايا النزاع والصراع المسلح(وفيات، جرحى، إصابات العجز الجسدي، تلف الممتلكات الخاصة، وتلف الممتلكات العامة، الإضرار بالبنية التحتيه لمرافق الدولة).
بلا شك، بالنظر في قواعد أحكام القانون الدولي العام، مليشيا قوات الدعم السريع، لا تتوافر فيهم وصف أشخاص القانون الدولي، لإعتبارهم ليسوا من فئة الدوله بمدلولها السياسي والقانوني، أو فئة أشخاص غير الدولة كالفاتيكان، أو كرسي البابوية، أو الهيئات الدولية كالمنظمات الدولية، أو الفرد كالأشخاص الطبيعيين والأشخاص الاعتباريين، أو الكيانات الشبيهة بالدول كالثوار المتمردين المسيطرين على أراضي محررة داخل إقليم الدولة الأم.
وكما إطلاق وصف الحرب لا يتفق مع طبيعة ونوع النزاع القائم، لأن الحرب صراع طرفه القوات المسلحة الوطنية للدولة، وفيه كل الفريقين المتنازعين، يرمي إلى صيانة حقوقه ومصالحه في مواجهة الطرف الآخر. وكما أن الحرب، لا تكون إلا بين الدول بمعناها السياسي والقانوني. وأن النضال المسلح الذي يقع بين بعض الجماعات المسلحة داخل الدولة، لا يُعتبر حرباُ، ولا شأن للقانون الدولي العام به، بل هو يخضع لأحكام القانون الجنائي للدولة التي يحدث فيها، بإعتباره عملاً جنائياً معاقباً عليه. وكما لا يُعتبر حرباً بالمعنى الدولي النضال المسلح الذي يقوم به إقليم ثائر في وجه حكومة الدولة التي يتبعها، إلا إذا تطور القتال إلى إشتباك قتال منظم وإتسع نطاقه داخل إقليم الدوله المعنية، وأصبح للثوار قوات نظاميه تشرف عليها سلطة مسئوله تمارس بإسمها أعمال السياده على الإقليم الذي في حوزتها، وتسعى سلطة ذلك الإقليم الثائرة للإستئثار بالسلطة في مواجهة الحكومة الأصلية، ولكن بشرط الإعتراف لسلطة الثوار بصفة المحاربين، سواء صدر هذا الإعتراف من حكومه الدولة الأم، أو من حكومات الدول الأجنبية الإقليمية والدولية.
وإن كان الإتجاه الحديث للقانون الدولي العام يميل إلى التوسع في مدلول الحرب، بحيث يخضع لحكم الحرب الدولية كل قتال مسلح على نطاق واسع، وكان من شأنه تهديد السلم والأمن الدوليين(كأفعال الإبادة الجماعية العرقية، والحرب الأهليه)، وحتى ولو كان القتال يدور بين جماعات لا تتمتع بوصف الدولة وفقاً لقواعد القانون الدولي.
ومؤدى ما نخلص إليه، طبقاً لاحكام القانون الدولي العام، شكل النزاع والصراع الدائر في السودان، لا يُعتبر حرباً، وإنما هو شأن داخلي. وأن مليشيا قوات الدعم السريع، ومنّ دار في فلكها، جماعات محلية تخضع لأحكام القانون الوطني الداخلي.
وكما من جهة أخرى، وفقاً لأحكام القانون الدولي الإنساني، مسائل النزاعات المسلحة غير الدولية، تخضع لأحكام الإتفاقيات الدولية التي نظمت النزاعات المسلحة غير الدولية، وهي المادة الثالثة المشتركة من إتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م لحماية المدنيين والمقاتلين على السواء، وكذلك البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977م في الحالات التي تتوفر فيها شروطه، ووالوضع في الاعتبار إتفاقية جنيفا الأربعة وبروتوكولاتها موقع ومصادق عليها من حكومة السودان بتاريخ 29 /09/ 1957م، وبمقتضاه، أحكام إتفاقيات جنيفا الأربعة وبروتوكولاتها أصبحت قانون وطني داخلي،
ووفقاً لذلك، يتم تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني العرفي في الحالات التي لا يتوفر فيها قواعد إتفاقية، باللجوء لمبدأ مارتينز (فيورد فيورج مارتنيز مندوب روسيا القيصرية – مؤتمر السلام 1899م لمعالجة أوضاع المدنيين في حالات الحرب)، واللجوء لمبدأ مارتينز يكون في حال عدم توافر أحكام عرفية أو إتفاقية لمسألة معينة في النزاعات المسلحة غير الدولية، وإن كان مبدأ مارتينز ذاته نجده مرجعية منصوص عليه صراحة في ديباجة البروتوكول الإضافي لعام 1977م والمواد 1، 2 من ذات البروتوكول. ولذلك طبقاً لأحكام القانون الدولي الإنساني، أفراد الجماعات المسلحة مسئولون جنائياً عن حالات الإنتهاكات، سواء في القانون الوطني أم الدولي. ففي القانون الوطني، تكون المسئولية، أمام المحاكم الجنائيه العادية أو الخاصة أو المحاكم الاستثنائية. وأنه في القانون الدولي، تكون المسئولية أمام المحاكم الجنائية الدولية الخاصة، أو المحكمة الجنائية الدولية في روما طبقا لقواعد تأسيسها الإتفاقي.
ومن الضروري أيضاً، فهم وإدراك مسألة خضوع المليشيات أو الجماعات المسلحة لقواعد تنظيم القانون الدولي الإنساني، فيما يتعلق بمسئولياتهم عن الأشخاص المحميين من مدنيين ومقاتلين وأسرى، ومسئولياتهم عن توفير الحماية وعدم التعرض لعمليات الإغاثة الإنسانية. وأنه يُحظر عليهم التعرض للمستشفيات، بعدم إتخاذها ملاجئ وإيواءات حمائية. ويقع كذلك على المليشيات والجماعات المسلحة عبء تأمين المسارات الآمنة، للأغراض الإنسانية المدنية.
وتشير إتفاقية جنيف الأربعة وبروتوكولاتها، إلى حٍذمة من الإجراءات التي يتعين إتخاذها، منعاً وللحيلولة دون حدوث إنتهاكات، أو الحد منها، ومن آثارها، وتتضمن قواعد صارمه للتصدي لما يُعرف بالانتهاكات الجسيمه، أو الخطيرة، وبمقتضى أحكام الاتفاقية، يتعين التحقيق والتقصي في الإنتهاكات المرتكبه، لمعرفة وللوصول إلى الأشخاص المرتكبين للإنتهاكات، وتقديمهم لمحاكمة وطنيه محليه عادلة، أو تسليمهم لمحاكم إقليميه، أو دوليه، وبصرف النظر عن جنسياتهم. ولاسيما الجرائم ضد الإنسانيه، لا تسقط بالتقادم، ويمكن محاكمة تلك الجرائم ولو بعد عقود من الزمان.
وبالجمله، طبقاً لاتفاقية لاهاي 1907م وإتفاقية أسرى الحرب 1929م، إتفاقية جنيفا الأربعة وبروتوكولاتها تشمل بخلاف النزاعات المسلحة غير الدولية، حالات التمرد من مليشيات متمرده مسلحه، والجيوش النظامية كالقوات المسلحة للدول، وبما في ذلك الوحدات المتطوعة، لما يميز هذه الوحدات من خصائص محدده، تتمثل في الآتي: - الوحدات المسلحة على رأسها شخص مسئول عن أفعال وسلوك مرؤوسيه، و؛
- أن لكيان هذه الوحدات إشارة علامة مميزة يمكن بها التعرف عليها، و؛
- أن لكيان هذه الوحدات سلاحاً. والوضع في الاعتبار، المليشيات أو الوحدات المتطوعة في البلدان التي تقوم فيها بمهام الجيش(كمثال قوات الاحتياط – قوات الدفاع الشعبي سابقاً، تأدية واجب الخدمة العسكرية)، أو كيانات الوحدات التي تشكل جزءاً من الجيش النظامي للدولة(كقوات الدعم السريع)، هذه القوات تندرج في فئة الجيوش.
وبالجملة، لغائية كشف الإنتهاكات الجسيمة الواقعة علي الضحايا، والملاحقة للتحري والتحقيق والضبط الاداري والشبه القضائي والقضائي، لأجل معرفة الأشخاص والتحقق من وقائع الأفعال الجسيمه المنتهكة لأحكام القانون الوطني الداخلي الجنائي والقانون الدولي الانساني، لغاية الوصول لمرتكبي الانتهاكات والأفعال الجسيمة، وتحديد قواعد إجراءات المحاكمة العادله، فإن قواعد وأحكام إتفاقية جنيفا الأربعة وبروتوكولاتها، كلاهما، قانون وطني داخلي، وتُطبق أحكامه الموضوعية والاجرائيه على مليشيات قوات الدعم السريع ومن دار في فلكها.
فريق شرطة(حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين محمود
(المحامي إستشاري القانون المحكم والموثق)
01/ 05/ 2023م
التعليقات مغلقة.