الايام نيوز
الايام نيوز

مولانا الفقيه والعالم/ عبدالرحمن محمد عبدالرحمن شرفي(نائب رئيس القضاء الأسبق وقاضي المحكمة العليا في جمهورية السودان).

مولانا الفقيه والعالم/ عبدالرحمن محمد عبدالرحمن شرفي(نائب رئيس القضاء الأسبق وقاضي المحكمة العليا في جمهورية السودان).
سلام من الله عليك، وأتمنى أن تكون بخير وبصحة وعافية، ورداً على رسالتكم، الجامعة للروح والجسد، أرضاً ومكاناُ، وأنت تسأل عن جزيرة مقاصر. أقول، رسالتكم أعادت للشيخ، روح وزكريات أيام صباه في جزيرة مقاصر، وقد مضى حين من الدهر على الشيخ 55 سنه في بلاد أرض الخرطوم، تلك القرية المدنية كما وجدها وألفها الشيخ. والشيخ لمّا عاد مُكرهاً مُجبراً لمرتع صباه في جزيرة مقاصر، لم يكن ذاك إلا بحثاً عن ملجأ مقر آمن وسط عصبة أهله، للحماية من ويلات زخات مطر الرصاص، ومتفجرات تدمير الأعيان المدنية، ويصون ويحفظ عرض جمال قوارير حرائر ولد نسله البنات، وحقن دم ولده الذكور من الضياع.
ويا عالمنا الجليل الموقر، الشيخ، لما لجأ لمرتع صباه، إرتدت له روح الحياة، وسجد بالشكر للخالق الحافظ الحفيظ والرحمن الرحيم. وأحكي لك، بربك مولاي، ماذا أنت فاعل، عندما ترى وجوه أُناس، أنت لا تألفهم من أول نظره، أُناس غرباء الوجه واليد واللسان، أُناس بوعي ولا وعي تلفظهم طبيعة النفس المطمئنه.
ويا مولاي، لمّا الشيخ يقول أُناس لا تألفهم، فتلك، صنعته ومهنته، عقدين زمان ونيف، فقد تعلم فنيات الإستعراف على الناس من أعمال منح شهادة الجنسية السودانية لطالبيها، شهادة الجنسية الأساس والركن الشخصي للدولة السودانية. وكما أن الشيخ بطبيعة مهنته ضابط شرطة، إحترف فنون فض النزاعات، وقواعد فض الإشتباك، وحماية أرواح المدنيين والأعيان المدنية من الهلاك والضياع.
وأسمح لي مولاي العالم الفطحلل، أن نترحم على شيخي الورع المتصوف، وضابطي الأعلى العميد شرطة/ أحمد النور جابر، لمّا كان يردد على الشيخ فتى زمانه، يا الطيب ولدي، تعلم الصبر، ولا تتعجل، ولا تظلم، ولا تتجاوز، إشتم رائحة السوداني، بالتعرف عليه من أغياره، من رائحة عرق الجلد، ورائحة الفم، وتدويرة الرأس. ومن تجاعيد، ودرجة خشونة شعر الرأس. وأُم جبين الوجه، وتقاطيع ولون الأسنان، ومفردات مخرجات الكلام من اللغة واللهجة. وبنية تركيب الجسد الجسماني، العظمية، والجلدية.
وعلاوة على ذلك، تحديد إستعراف الأغيار من جغرافية ومعالم وأعيان وأشخاص المكان، ومن ملبس الثياب والحذاء، وطُرق كسب العيش وأكلات الطعام والشراب، ومن الصنعة الشائعة للأشخاص والأعيان المدنية في المكان. وخطوات المشي على الأرض، ووسيلة التنقل من مكان لآخر. ومن ترانيم وأهازيج الفرح والطرب، وعادات وطقوس الأتراح والأحزان.
وأطلب الشاهد، الكفؤ، الصادق. والتعرف على الشهود، من ما تقدم بيانه عن طالب شهادة الجنسية. فإن فعلت، تسلم من الظلم والتجاوز، وتحفظ أرض وأهل السودان.
ويا مولانا، بخصوص سؤالك عن جزيرة مقاصر الموطن المختار لأجداد الشيخ، دهر زمان، فهي ما زالت كعهدها، هبة الله في الأرض، فهي باللغة النوبية(مقا – إسي)، ولغة تحريفاً للعبارة، صارت جزيرة مقاصر. فمقطع العبارة(مقا) تعني الأرض الرملية الصالحة لزراعة القرعيات من نبات القرع والبطيخ والشمام والعجور. والمقطع(إسي)، فهى تعني الماء. وبذلك كلمة مقاصر، تعني الأرض الرملية، وسط الماء، الصالحة لزراعة القرعيات.
ونطمئنك عالمنا الجليل، جزيرة مقاصر، ما زالت، نضيرةً وخصيبة بأشجار النخيل بطلع جريدها في السماء، ونضيرة بأشجار المانجو والبرتقال والليمون والجميز والنبق والهشاب وأشجار الطرفه على ضفاف نهر النيل. ونضيرة بنبات التُشِق والحلفا والعُشر، وبأحواض البرسيم والخضروات. والجزيرة، بفروع وأغصان أشجارها، تتمايل في الهواء، تسبيحاً لله شكراً.
ونطمئنك مولانا العارف، جزيرة مقاصر ما زالت، قرآنية، وتلاوة القرءان فيها مستمرة بجهود خلف وسلف أبناء خلوة الشيخ هارون القرءانية. وبجهود أهل مقاصر وأبناء الشيخ هارون، صارت خلوة الشيخ هارون القرءانية منارة علم، لها رمزية للعديد من العارفين بالله، ويرتادها طالبي علوم القرءان من خارج أرض جزيرة مقاصر.
ونعلمك مولاي العالم، أن منازل وديار مقاصر، عامرةً بأهلها، وإن أصابها، ما أصاب، أرض السودان وأهله، من مكاره الهجرة، سعياً في أصقاع أرض الله، داخل وخارج أرض السودان.
وإن كانت الجزيرة، إتسعت رقعتها بعدد من الجٌزر، مرِن وقُصاد، ويجري بين جزائِرها، شلالات لأنهر عديده، وينساب منها ماء رقراق، ويكسوها ظلال أشجار وارفه بأغصانها.
والجميل للعين مسرة للناظرين، الجزيرة على شواطى أنهارها، لها رمال فضية اللون، وفي ليلة القمر، يرتسم وجه القمر على سطح موج النيل، ويضحك النيل بوجه القمر مع جليسه وأنيسه.
وما يسر النفس ويبهجها، ما زالت الجزيرة أليفة أنسيه بطيبة وبشاشة أهلها. وأن الطير فيها بكوراً ومساءاً صادحة، تسبح لله الواحد الأحد، وتناديك من على أغصان الأشجار، وقيلولة ظهيرة طيورها تحيك من فوق أفرع الشجر، وتُذكِر الشيخ بماضي حياة أفل زمانه.
وختاماُ، مولاي العالم الفقيه، وأنت على البعد في بلاد المهجر، لك مودتي ومحبتي، فقد هيجت فينا عهود زكريات مضت، لأيام الصبا، وخففت عني مواجع وآلام أحداث تجري على أرض السودان، وقد أفضت وتفضي، إلى، هلاك أنفس، وضياع أموال، وخراب ديار، ونسأل الله اللطف بعباده، ونرد لك الدعاء، أن يحفظكم الله بحفظٍ من عنده، فهو خير الحافظين .
أخوك/
الطيب عبدالجليل حسين محمود
22 مايو 2023م

التعليقات مغلقة.