اعترافات إسلاميين سودانيين معتقلين… حيلة أم انكسار؟
واصلت «قوات الدعم السريع» السودانية حملة اعتقالات منسقة ضد قادة الإسلاميين وأنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بعد الكشف للمرة الأولى، عن اعتقال القيادي الإسلامي المتطرف أنس عمر، وأيضاً محمد علي الجزولي المتهم بالانتماء لـ«داعش»، وحصلت على اعترافات مثيرة عن طبيعة الحرب الجارية والقوى التي أججتها وخططت لها.
وبرغم أن تلك الاعترافات ربما أخذت عنوة وتحت التهديد، فإنها وبحكم الصورة التي ظهر بها المعترفون والتفاصيل التي رووها واتساقها مع ما ظلت القوى المدنية تعلنه، تؤكد أنهم يقفون وراء الحرب ويؤججون نيرانها، للعودة إلى الحكم .
وبدا أنس عمر، الوالي السابق في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، والقيادي في «حزب المؤتمر الوطني» و«الحركة الإسلامية»، مرتاحاً ولا تبدو عليه آثار تعذيب، جالساً على كرسي وثير ويرتدي الزي العسكري، أثناء تقديمه اعترافاته التي وصفها البعض بأنها «خطيرة»، فيما وصفها آخرون بأنها «معروفة».
ولا يُعرف على وجه الدقة كيفية اعتقال الرجل ومكان اعتقاله. ففيما تزعم أسرته و«حزب المؤتمر الوطني» أن قوة من «الدعم السريع» داهمت منزله وألقت القبض عليه، تقول تسريبات إن عناصر «الدعم السريع» اعتقلته أثناء معركة مع الجيش وسط الخرطوم، وإنه كان مشاركاً في القتال، وهو ما يفسر ارتداءه الزي العسكري.
واعترف الرجل المشهور بعدائه الشديد للحكومة المدنية التي أسقطت حكم جماعته، وتهديداته وتكراره بأن أحداً لن يستطيع التغلب على الحركة الإسلامية، بأن حزبه عمل على إفشال «الاتفاق الإطاري» بكل الصور الممكنة، وأن خططهم بدأت بإسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، عن طريق «التعبئة الشعبية» التي كان يقودها، وأن خطوة الحرب تمت بالتنسيق مع قادة الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان والفريق شمس الدين كباشي والفريق ياسر العطا. وقال: «هم (يقصد الإسلاميين) من حددوا ساعة الصفر».
ولم يكتفِ «الدعم السريع» باعترافات أنس عمر، بل أتبعها باعترافات أحد أشد مناصري نظام عمر البشير تطرفاً، رئيس «حزب دولة القانون» محمد علي الجزولي، الذي اعترف فيها بانتمائه لتنظيم «داعش» الإرهابي، وأنه كان من أنصار زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي الذي قتل في سوريا قبل سنوات في قصف أميركي.
الجزولي قال إن معارضتهم لـ«الاتفاق الإطاري» تمت بين المدنيين والعسكريين، وإنهم سعوا لإسقاطه عبر تنسيق سري مع الفريق عبد الفتاح البرهان، عبر اللواء حسن البلال. وأضاف أن الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية»، علي كرتي، ضالع في الهجوم على قوات «الدعم السريع» في المدينة الرياضية، من قبل فصائل مختلفة من الجيش وكتائب الإسلاميين.
وورط الجزولي رفيقه المعتقل لدى «الدعم السريع»، أنس عمر، بقوله إن كتائب الإسلاميين التي شاركت في إشعال شرارة الحرب كانت بقيادة أنس عمر الذي شارك في التخطيط للانقلاب على «الدعم السريع» بمساعدة كل من القيادي في الحركة الإسلامية أسامة عبد الله، وأمينها العام علي كرتي، وإنهم كانوا يقفون وراء اندلاع الحرب في السودان.
ويتردد أن قوات «الدعم السريع» تعتقل أعداداً كبيرة من الإسلاميين، لم يتم الكشف عنهم. وتناقلت وسائط التواصل الاجتماعي أنباء عن اعتقال الإسلامي ونائب البشير السابق، الحاج آدم يوسف، وعدد من ضباط الجيش المتقاعدين الذين يعتقد أنهم ينتمون إلى «حزب المؤتمر الوطني»، كما راجت معلومات متطابقة عن القبض على نائب البشير والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، أحمد هارون الذي هرب من سجن «كوبر» أثناء الحرب الحالية، لكن لا «الدعم السريع» ولا «حزب المؤتمر الوطني» أكد هذه المعلومة. عناصر مسلحة في أحد أحياء الخرطوم (أ.ف.ب)
ووفقاً للمحلل السياسي عمرو شعبان، فإن خطوة اعتقال الإسلاميين وتقديم اعترافاتهم للرأي العام، عززت فكرة أن حرب «الدعم السريع» هي ضد «فلول نظام البشير»، وليست ضد الجيش، وهو ما دأب قائد «الدعم السريع»، الفريق محمد حمدان حميدتي على ترديده على الدوام، بأن الحرب بينه وبين أمين عام «الحركة الإسلامية» علي أحمد كرتي.
ويقول شعبان: «بغض النظر عن الطريقة التي أُخذت بها الاعترافات، كرهاً أم طوعاً، فإنها أكدت ما ظل يرشح طيلة الحرب وقبلها من القوى المدنية، بأن أنصار النظام البائد يخططون لإشعال الحرب».
وتابع: «بأخذه للاعترافات، حاولت (الدعم السريع) تأكيد هذه المعلومات، لكن الجوهري فيها أن الأمر ليس مجرد اعتقال لبعض رموز النظام السابق، بل أعطته ما يؤكد مزاعمه بأنها حرب الفلول ضده».
وأوضح شعبان أن حي المعمورة الثري الذي يقيم فيه أنس عمر، تعرض لقصف مكثف بعد اعتقال الرجل، ما يؤكد أن «الطرف الثالث» مسيطر على العمليات العسكرية ويوجهها. وتابع: «اعتقال أنس والجزولي، أربك حسابات الطرف الثالث في الحرب، وأسهم في تقييد حركتهم، وربما شغلهم بمحاولات تأمين عناصرهم، وهو أمر سيؤثر حتماً على الحرب، إما بتوسيع رقعتها أو بدخول الطرف الثالث مباشرة فيها».
بدوره، وصف «حزب المؤتمر الوطني» المحلول عملية الاعتقال، بأنها «اختطاف» نفذته ميليشيا متمردة، وعملية خارجة على القانون والأخلاق والقيم السودانية، وعدّها جريمة مستجدة على السياسة السودانية تستوجب الاستنكار، فيما ضجت وسائط التواصل الاجتماعي بأخبار تلك الاعترافات، واعتبرها كثير من الناشطين «انكساراً» كشف ضعف من كانوا يتظاهرون بالقوة وظلوا يهددون ويتوعدون خصومهم السياسيين بالويل والثبور.
التعليقات مغلقة.