الايام نيوز
الايام نيوز

مبدأ إعلان الشخص الغير مرغوب فيهThe Doctrine ofPersona Non Grata. ومبدأ الملكية الوطنية للحلول The Doctrine of Principium solutionum dominii nationalis

مبدأ إعلان الشخص الغير مرغوب فيه
The Doctrine of
Persona Non Grata
ومبدأ الملكية الوطنية للحلول The Doctrine of Principium solutionum dominii nationalis

(3)

الكونت فولك برنادوت، دبلوماسي سويدي الجنسيه، وخلال الحرب العالمية الثانية عمل كوسيط في أول صراع عربي مع الكيان الإسرائيلي في فلسطين. وكما عمل نائب لرئيس الصليب الأحمر السويدي، وإستطاع إنقاذ وتحرير ما لا يزيد عن ثلاثين ألف سجين من مراكز سجون الإعتقال الألمانية، وإطلاق سراح العديد من اليهود من معتقلات وسجون الألمان.
ولجهود فولك برنادوت، تنامت شهرته وسط اليهود كبطل للشعب اليهودي، إلا أن شهرته تلك، لم تدم طويلاً، لأن الأمم المتحدة عينته موظفاً أُممياً لديها، وحينها 1945م – 1948م الأمم المتحده كان قد تم تشكيلها حديثاُ، وتنامى صعودها كمنظمة دولية محوريه، مهتمة بقضايا السلم والأمن الدوليين، وقضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وقضايا حقوق الإنسان.
والحدث الأهم بشأن الموظف الأممي فولك برنادوت، أنه ومن عمله وسيطاً في الصراع العربي مع الكيان الاسرائيلي عرض خطة التقسيم الأولى لدولة فلسطين بين عرب فلسطين ودياسبورا اليهود الشتات المجمعين من أوروبا وأصقاع العالم، إلا أن خطة فولك برنادوت، أغضبت تيارات القوى الصهيونية المتطرفة، لرفضها خطة تقسيم فلسطين، وأصبح الدبلوماسي الموظف الأممي فولك برنادوت في نظر اليهود، عدو لإسرائيل، ليتم اغتياله في القدس على أيدي المجموعة اليهودية ليحي Lehi المتطرفة. وقد كان إسحق شاميير – والذي أصبح فيما بعد رئيس وزراء إسرائيل في ثمانينات القرن الماضي- عضواً في مجموعة Lehi ليحي المتطرفة.
حادثة إغتيال فولك برنادوت في فلسطين، أحدثت تطوراً وتغييراً جذرياً في قواعد القانون الدولي العام، لأنها طرحت في فضاءات القانون مبدأ الشخصية الإعتبارية الدولية لكيانات المنظمات الدولية، وذلك، لأن فولك برنادوت كان في خدمة الأمم المتحدة، لذا سعت المنظمة الدولية إلى تحسين ضمانات توفير الأمن والسلامة لموظفيها، بأن طلبت الجمعية العامة للأمم المتحده UNGA من محكمة العدل الدولية تقديم رأي استشاري حول حادثة إغتيال الدبلوماسي الأممي فولك برنادوت، بطرح سؤال: هل تمتلك الأمم المتحدة القدرة على تقديم مطالبة دولية للمطالبة بالتعويضات، عندما تكون دولة ما، مسؤولة عن الإصابات التي تلحق بأحد أتباعها أثناء أداء واجباتهم؟
تم طرح السؤال على محكمة العدل الدولية بصيغة مجردة، ولكن السؤال في جوهره، إستفسار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، عما إذا كان بوسع الأمم المتحدة، تقديم مطالبة دولية ضد إسرائيل، باعتبارها الحكومة المسئولة عن وفاة وقتل الكونت برنادوت؟
للإجابة على السؤال، محكمة العدل الدولية، طرحت بالنقاش، مقومات الحصول على الشخصية الاعتبارية. لذا، كان على محكمة العدل الدولية أن تحدد بشكل أساسي، وضع الأمم المتحدة في نظامها القانوني الدولي في عام 1948م. بطرح سؤال: هل منظمة الأمم المتحدة على نفس مستوى الدول ذات السيادة؟ هل لدى الأمم المتحدة الشخصية القانونية الدولية؟ وإذا المنظمة الدولية للأمم المتحدة، امتلكت كل ما سبق، هل يمكن للأمم المتحدة، تقديم مطالبة بالتعويض؟
وإجابة على التساؤلات المطروحة، محكمة العدل الدولية قررت أن رعايا القانون، ليسوا بالضرورة متطابقين في طبيعتهم أو في حدود حقوقهم. إلى جانب، يمكن أن تكون الكيانات الأخرى خاضعة للقانون الدولي، وأنه تتوقف حقوقهم بناءاً على طبيعة تلك الكيانات، حيث تعتمد طبيعتها على المجتمع الدولي. واضافت محكمة العدل الدولية قولها:(لقد تأثر تطور القانون الدولي طوال تاريخه بمتطلبات الحياة الدولية، كما أن الزيادة التدريجية في الأنشطة الجماعية للدول، قد أدت بالفعل إلى حالات عمل على المستوى الدولي من قبل كيانات معينة، ليست دولاً). والرأي الافتائي لمحكمة العدل نشير له بالترجمة الإنجليزية”
Throughout its history, the development of international law has been influenced by the requirements of international life, and the progressive increase in the collective activities of States has already given rise to instances of action upon the international plane by certain entities which are not States.”
ولكن ما اوضحته محكمة العدل، لم يرد على السؤال المطروح، بشأن الشخصية القانونية المستقله للمنظمة الدولية. وللوصول إلى إجابه، الخطوة التالية لمحكمة العدل كانت فحصها لطبيعة الأمم المتحدة. ولبيان ذلك، قررت محكمة العدل الدولية، أن الأمم المتحدة منظمة عامة، ولها مهام وصلاحيات واسعة.
وبالبناء عليه، محكمة العدل الدولية خلصت إلى رأيها بقولها الآتي:(في رأي المحكمة، كان المقصود من المنظمة، أن تمارس وتستمتع، وهي تمارس وتتمتع في الواقع، بالوظائف، والحقوق، التي لا يمكن تفسيرها، إلا على أساس، إمتلاكها، لقدر كبير من الشخصية الدولية، والقدرة على أن تعمل على المستوى الدولي. وأنه، يجب الإعتراف بأن أعضائها، من خلال إسناد مهام معينة إليها، إلى جانب الواجبات والمسئوليات الملحقة بها، قد كسوها بالكفاءة اللازمة، لتمكينها، من أداء مهامها بفعالية). وتوضيحاُ لما إنتهت إليه محكمة العدل، نشير للترجمة الإنجليزية لقولها الآتي:( In the opinion of the Court, the Organization was intended to exercise and enjoy, and is in fact exercising and enjoying, functions and rights which can only be explained on the basis of the possession of a large measure of international personality and the capacity to operate upon an international plane. It must be acknowledged
that its members, by entrusting certain functions to it, with the attendant duties and responsibilities, have clothed it with the competence required to enable those functions to be effectively discharged).
ولذا، لكي تكون الأمم المتحدة فعالة، يجب على مؤسسي الأمم المتحدة “إلباسها” بشخصية قانونية، وبالتالي، فإن هذه الشخصية القانونية للأمم المتحده، يمكن القول، بأن محكمة العدل كانت تعني أن الشخصية القانونية للأمم المتحده، يجب أن تُفترض، لكي تكون فعالة، أو من المفترض أن تكون فعالة، لأن الجماعة الدولية والمجتمع الدولي المؤسسين لمنظمة الأمم الدولية، وجدوا أنه من الضروري، أن تكون المنظمة الدولية فعالة.
والملاحظ في طلب التفسير الافتائي من الجمعية العامة للأمم المتحدة المقدم لمحكمة العدل الدولية، أنه لم يتم ذكر الكونت برنادوت، ولا مرة واحدة، في مذكرة طلب الرأي في التعويض عن الضرر من مقتله في فلسطين. ولكن إسرائيل عام 1950م، قامت بدفع مبلغ 19.500 جنيه إسترليني للأمم المتحدة، وأن عائلة الكونت برنادوت لم تقدم مطالبة تعويض ضد إسرائيل، ولم يتم القبض على القتلة أبداً، ومنذ ذلك الحين، أصبحت منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بشكل عام، لاعباً ثابتاً في الساحتين، القانونية والسياسية الدولية.
وإزاء ما أشرنا إليه من تفصيل، وإستهداءاً بالرأي الإفتائي لمحكمة العدل الدولية، الأمم المتحده لها شخصية قانونية مستقله، شأنها في ذلك شأنه الدول، وأن الأمم المتحدة من أشخاص القانون الدولي.
وبالتالي، من وجهة نظر القانون الدولي العام، مبدأ الشخص غير المرغوب فيه Persona Non Grata يقع في إطار مبدأ سيادة الدول على أراضيها، بأن تمتنع أي دولة ما عن السماح لأى شخص، لا ترغب فيه، بعدم الدخول في أراضيها. إنطلاقاً من مبدأ المساواة المطلق بين الدول، وواجب إحترام الدول لبعضها البعض، بعدم التدخل في الشئون الداخلية. ولذلك، وبلا شك، إعلان شخص غير مرغوب فيه من جانب دولة ما، يسري على ممثلي المنظمات الدولية. وينطبق على الدول والمنظمات الدولية على السواء.
وتقريراً لمبدأ الشخصيه القانونية للأمم المتحده، المقرر في القانون الدولي، إستناداً للتعريف الجامع للقانون الدولي ومصادره، بأنه فرع من القانون يحوي قواعد عامه مجرده تحكم الدول في علاقاتها المتبادلة، ويتضمن المبادئ المنشئة والمنظمة للمجتمع الدولي، ويحوي قواعد ومبادئ تتعامل مع سلوكيات الدول والمنظمات الدولية، إلى جانب بعض علاقاتها بالأفراد الطبيعيين والإعتباريين، ويتناول قواعد ومبادئ النظم السياسة. إستناداً على المعاهدات والإتفاقيات الدولية، والأعراف والتقاليد الدولية المشتقة من الممارسات المستمرة للدول، والقواعد العامة للقانون. إضافة إلى القرارات والأحكام القضائية لمحكمة العدل الدولية والدراسات القانونية، المقرر طبقاً لنص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، والذي يعتبر جزء لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحده، بحسب منطوق الفصل الرابع عشر من ميثاق الأمم المتحدة.
وإستناداً على جملة ما تقدم، بشأن إعتبار ممثل أو موظف أممي شخص غير مرغوب فيه، يلزم من الضروري إستقراء وتحليل نصوص إتفاقية إمتيازات الأمم المتحده وحصانتها الصادرة بتاريخ 13 فبراير 1946م، والتي تعتبر جزء لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحدة 1945م، المقرر طبقاً لنص المواد 104، 105 من الميثاق، وديباجة إتفاقية إمتيازات الأمم المتحدة وحصانتها للنص صراحة وبطريق مباشر على تمتع المنظمة الدولية في إقليم كل عضو من أعضائها، بالأهلية القانونية، التي تلزمها لممارسة وظائفها، وتحقيق مقاصدها، وتمتع ممثلو وأعضاء الأمم المتحده وموظفو المنظمة، بالامتيازات والحصانات، التي يتطلبها إستقلالهم من القيام بمهام وظائفهم التي تتصل بالمنظمة. من الإستقراءاً لاحكام اتفاقية إمتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها، ولتفصيلات ذلك، نشير لبنود المادة 4/(د)، فيما يتعلق بضوابط وقيود الهجرة المقرر لأعضاء البعثات الدبلوماسيه في إقليم الدولة العضو المستقبلة أو المضيفة لاعضاء وممثلي وموظفي الأمم المتحده، والتي من ضمنها نص المادة 9 من إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية1961م. والمواد 7/(25، 27)، 8/(29/ب)، 30، فيما يتعلق بتسوية النزاعات بأحكام تضعها الأمم المتحدة لحل المنازعات التي يكون طرفاً فيها موظف من موظفي الأمم المتحده، ويكون متمتعاً بالحصانه الأممية بحكم مركزه الرسمي لدى الأمم المتحده، أو بطريق الإحالة لمحكمة العدل الدولية المقرر طبقاً لأحكام المادة 96 من ميثاق الأمم المتحده، والمادة 65 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. بحسبان أن القواعد العامة من القانون الدولي، يقرر عدم التدخل في الشئون الداخلية، واحترام الدول لبعضها البعض. فهذه المبادئ من القانون، تعطي قدسية أكثر لمبدأ سيادة الدول على أراضيها، ليسود مبدأ سيادة الدول ويعلو على أي قاعدة أخرى تضعها الأمم المتحدة، تكون متعارضة مع مبدأ سيادة الدول في حالات السلم، وفي حالات الحلول السياسية للنزاعات، بتسوية النزاعات بالطرق السلمية. لإعتبار سلطة الدول في تحديد الأشخاص غير مرغوب فيهم، سلطة تقديرية مطلقة للدول، ويجب أن يتركها القانون للدول. وبالتالي، وكما إنتهينا لما قررته القواعد العامة للقانون الدولي، مبدأ الشخص غير المرغوب فيه، يصنّف كنتيجة طبيعية لمبدأ السيادة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول.
وفي ذات السياق، إعمال مبدأ الشخص غير المرغوب فيه، يستوجب التفرقة بين الشخص، أو المبعوث، وبين الدولة، أو المنظمة التي تبتعثه. وبالجملة، من حيثييات المقالات عن مبدأ الشخص غير مرغوب فيه، نتفق مع رأي صاحب مقالات دولة القانون، أستاذنا دكتور/ عبدالعظيم حسن (المحامي)، لتناوله مبدأ الشخص غير مرغوب فيه، بحسبما جاء في مقالته بتاريخ 12 يونيو 2023م، بأن رفض الممثل الأممي، لا يعني بالضرورة، رفض التعامل مع الدولة، أو رفض التعامل مع المنظمة التي ينتمي لها المبعوث، أو الموظف الأممي. لأن ممارسة الدوله لحقها، في منع أي شخص غير مرغوب فيه، من الدخول في أراضيها، هو التطبيق السليم، لحق الدول في سيادتها الوطنية، وعدم التدخل في شئونها، وأنه تطبيق عملي لعدم المساس بمبدأ الإحترام المتبادل بين الدول. ويعني ذلك، عدم سلامة تفسير ممثل الأمم المتحدة، لإستهدائه بنص المادة 9 من إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961م، ولإستدلاله بحالتي أو سابقتي الصومال واثيوبيا. وعطفا على ذلك، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، لا يملك سلطة تفسير القانون الدولي. وللمسألة تفصيل، نوضحها في مقال آخر.

فريق شرطة(حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين محمود (المحامي)
20/ 06/ 2023م الاسكندرية

التعليقات مغلقة.