فريق شرطة(حقوقي)د. الطيب عبدالجليل حسين محمود يكتب عمل الشرطة في حالات الظروف العادية والنزاعات والحروب(6)
عمل الشرطة في حالات الظروف العادية والنزاعات والحروب(6)
ثمّة إعتقاد شائع الآن، ومسلم به، بمدنية وظيفة الشرطة(Civilian police job) في مجتمع الدولة المدنية المعاصرة، وأنّ الشرطة هي الجهة الرئيسيّة المعنية بتقديم خدمات الأمن والحماية لأفراد المجتمع. وأن مكانة الشرطة في مجتمع الدولة يُعَدّ عنصراً رئيساً لصناعة وبناء السلام لمجتمع الدولة، والسيطرة على حالات العنف والعنفية المضادة للسلام والسلمية، وبوجه خاص الدول التي تشهد صراعات ونزاعات مسلحة وإضطربات مدنية عارمة عنفيه. وأن الأفراد في الدول التي تعاني من الصراعات والنزاعات المسلحة والإضطرابات الأمنية العارمة العنفية، ترغب في عودة الشرطة لإحلال وخدمة السلام وتعزيزه، والتصدى لحالات العنف لإعادة حالة اللاعنفية والسلمية والسلام، لإعتبار الشرطة هي الضامن الرئيسيّ للأمن العامّ الوظيفة التقليدية للشرطة. ولكن هناك تساؤل: ما هي الشرطة التي يرغب بها أفراد المجتمع؟ وإجابة مؤقته للسؤال المطروح، تبعاً للتصور الغرامشي لبناء الدولة الحديثة والمعاصرة، الشرطة هي قنطرة العبور للشأن العام والشأن الخاص، ويتلاقي عبر الشرطة والتشريع والقضاء جمهور الناس مع السلطة الفوقية لجهاز إدارة الدولة.
ودون حديث عن إصلاح الشرطة، وبلا شك هو أمر مطلوب، ولكن نترك له مساحة حديث آخر. وما يهمنا ولإعتبارات الوضع الأمني المأزوم في السودان، بسبب ونتيجة الحرب المفروضة على القوات المسلحة السودانية في مواجهة مليشيا قوات الدعم السريع، والدائرة أحداثها في ولاية الخرطوم وأجزاء من ولايات دارفور وكردفان، وسعي القوات المسلحة السودانية لإنهاء تمرد مليشيا قوات الدعم السريع على شرعية الأمر الواقع المأزوم بدوره منذ 11 أبريل 2019م – 15 أبريل 2023م، لإختلالات شغور مفاهيمي سياسي ومعرفي وآدائي نخبوي أجهض شعارات ثورة ديسمبر 2018م – 11 أبريل 2019م حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب. وللحاجة الضرورية لتوفير الأمن والحماية للأفراد في المناطق التي تشهد صراعات النزاع المسلح المدمر لمقدرات الدولة السودانية البشريه والبنى التحتية وموروثه الثقافي والتاريخي والحضاري. نحاول إلقاء إضاءات عجوله على ما ينبغي القيام به من جانب قوات الشرطة، المتواجده في داخل ولاية الخرطوم وولايات السودان الخارج نطاق النزاع المسلح.
وبداية من الأصوب النظر إلى تعريف ما يُعتبر إدارة شرطية Policing، نظراً للشرطة أنها هيئات مهمتها – من حيث المبدأ – حماية القانون والنظام العام لصناعة وبناء وحفظ وتعزيز السلام، وتحتفظ لنفسها بشرعية إستخدام القوة بناء على مكانتها من الدولة، وهي – أي الشرطة – ليست مُعسكرة كالجيش في الدول المختلفة، وإن كانت بنائياً ذات تنظيم إداري عسكري. وإزاء ذلك، الشرطة تبعاً لوظيفتها المدنية الطابع، ولإقترابها التموضعي المستمر مع المواطن طيلة حيوات اليوم الزماني والمكاني، الشرطة لتأدية وظيفتها، تعمل في إطار ونطاق المبادئ الأتية:
- إمتناع الشرطة عن العمل في حالات الفوضى المدنية العارمة العنفية، لمسئولية المجتمع تحمله، لعبء صناعة السلام وتعزيز وجوده، والعمل على إستمراريته وديموموته. وبمفهوم المخالفة، أي بمعنى آخر، إمتناع الشرطة عن العمل، لفشل المجتمع المدني، تحمله لأمانة صناعة وحفظ السلام.
- إمتناع الشرطة عن العمل في حالات النزاعات المسلحة، لإعتبار الشرطة ليست قوة عسكرية ومعسكرة كالجيش، ولأنه تشريعاً دولياً وفقاً لأحكام القانون الدولي، أفراد الشرطة لا ينطبق عليهم وصف المقاتل Fighter، وإلا عدوا أهداف عسكرية لو شارك أفراد الشرطة في النزاعات المسلحة.
- لافراد الشرطة من واقع ضمائرهم الأخلاقي والمهني، لهم حق خيار الإمتناع عن العمل في حالات الفوضى المدنية العنفية وحالات النزاع المسلح، دون أن يؤثر إمتناعهم عن العمل على مراكزهم القانونية. وأن أفراد الشرطة من واقع ضمائرهم، إذا شاركوا في حالات النزاع المسلح، عٌدوا محاربين Warier شأنهم في ذلك شأن المتطوعين الشعبويين في الخدمة العسكرية People’s Volunteers in Military Service , or, Military volunteer. وأنه في حالة إذا ما صدر قرار من سلطة مختصة بدمج أفراد الشرطة في القوات المسلحة، عُدوا مقاتلين Fighter شأنهم في ذلك أفراد القوات المسلحة. ولذلك، في كلا الحالات، أفرادا الشرطة، يصيروا ويكونوا أهداف عسكرية من جانب العدو، ومن جانب الطرف الآخر في النزاع المسلح الدائر.
ولتمكين الشرطة من تأدية وظيفتها ومهامها، في حالات الفوضى المدنية العارمة العنفية، وفي حالات النزاعات المسلحة. فإنه لتبعات مسئوليات القيادة والسيطرة على الشرطة، يقع على عاتق القيادات العليا في الشرطة في المقام الأول، العمل على إعادة الثقة في أفراد الشرطة، لتتصدى الشرطة من جديد لحالات الإضطرابات والنزاعات المدنية أو المسلحة. ويكون ذلك، بلجوء قيادات الشرطة لجماعات ورموز المجتمع المدني في حالات الفوضى المدنية العارمة، لإجراء تفاوض سلمي مع أطراف النزاع المدني، للحدً من حالات العنف والإضطرابات المدنية. واللجوء لقيادات سلطة إدارة الدولة الفوقية العليا في حالات النزاعات المسلحة، للتنسيق والترتيب مع القيادات الميدانية العسكرية في المناطق التي هي تحت سيطرة القوات المسلحة، لتمكين الشرطة من تأدية وظيفتها في صناعة وإعادة السلام، لتعزيز وجود الشرطة في مجتمع الدولة، بإنتشارها داخل المناطق والأحياء التي تحت سيطرة القوات المسلحة.
والتجارب العملية لحالات مماثله، وتطبيقها العملي الذي يمكن أن يتواءم مع مجريات الأحداث الآنية الجارية، نشير لها في الآتي: - تفعيل المفهوم الخاص بأمن الدولة The state security، بإتخاذ كافة التدابير الإجرائية الوقائية لحماية البُنية الاجتماعية في الدولة وقدراتها المادية، والحفاظ على سلامة أراضي الدولة وإستقلالها من أي نشاط أو تهديد تخريبي من جانب المخابرات الأجنبية، والأنشطة الأخرى للدول المُعادية(السفارات وهيئات المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية)، وحماية وتأمين الدولة من الأعداء من داخل الدولة. لأن الدولة وحدها هي التي تحتكر القوة المسلحة، وتمتلك إدارة الشرطة لعمليات الأمن الداخلي. وحيث تفعيل المفهوم الخاص بأمن الدولة، هو أسلوب عملي يتكون من تشكيلات الشرطة والقوات المسلحة وأجهزة الأمن المتخصصة المعنية بجمع المعلومات وتحليلها والتعامل الفوري معها، والغرض منه تحقيق النتائج الآتية:
(1) توفير قاعدة بنك معلومات واسعة عن أماكن وتحركات العناصر المنفلته والخارجه عن القانون والنظام، بتوظيف أدوات ووسائل جمع المعلومات وتحليلها، و؛
(2) رفع قدرات التعامل الإستباقي والإشتباك العملياتي مع أي تحركات عدائية بتوفير قوة ضاربة كافية فاعلة، يمكن تكوينها وتجهيزها تحت أي لحظة(سياسة النفير والفزع والإسناد mobilization, panic, and supporting). - أسلوب أو طريقة الهجين الأمني أو الهجنة الأمنية – الأمننة الـ Securitization – والتهجين هو إشراك عدة أطراف من غير الأجهزة الرسمية لقطاع الأمن التابعين للدولة، بإدماج أطراف غير تابعة للدولة بشكل أو بآخر في القطاعات الرسمية المعنية بأمن الدولة (الشرطة، القوات المسلحة، المخابرات العامة). وهو ما يعرف عليه بالإستنفار والتحشيد الشعبوي، بمشاركة قطاعات فاعلة من المجتمع في العملية الأمنية، والغرض منه تحقيق النتائج الآتية:
(1) القيام بأعمال الدوريات المتحركة الراجلة والراكبة في نطاق واسع وشامل وآمن، و؛
(2) القيام بأعمال المراقبة والتحقيق والتحقق في الأشخاص ووقائع الأحداث المشبوهة، والأنشطة ذات الصلة بعمليات حفظ النظام العام.
(3) زيادة فاعلية الإنتشار الأفقي والرأسي للشرطة في المنطقة التي تحت سيطرة القوات المسلحة.
وبوجه عام، دور الشرطة في حالات النزاعات المسلحة، مقارباته العملية، حالات الوضع المسلح في النزاع الروسي الأوكراني. إذ أنه واقعاً عملياً، لا وجود للشرطة الأوكرانية أو الروسيه في أماكن النزاع المسلح العسكري، وإن تتواجد الشرطة في الأماكن خارج نطاق العمليات الحربية. ونماذج تفعيل مفهوم أمن الدولة، والأخذ باسلوب الهجنة الأمنية (الهجين الأمني)، إسلوب تم العمل به وتطبيقه في الإحتلال الأمريكي البريطاني للعراق 1992م، ولبنان في حرب الإستنزاف الإسرائيلي لفصائل التحرير الفلسطينية الموجوده في لبنان، وسوريا واليمن وفلسطين، وفي الدول التي شهدت وتشهد نزاعات وإضطرابات مسلحة داخلية.
فريق شرطة(حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين محمود
(المحامي)
11/08/2023م
التعليقات مغلقة.