الجنجويد.. التمكين عبر إختراق الأمن القومي السودني (٣-٣) بقلم اللواء ركن (م) عثمان إسماعيل سراج
الجنجويد.. التمكين عبر إختراق الأمن القومي السودني (٣-٣)
اللواء ركن (م) عثمان إسماعيل سراج
سبتمبر 25, 2023
لوأد مشروع استيطان عرب الشتات الأفريقي في السودان يجب التخلص من محنة هذه المليشيا اولا قبل البحث عن استراتيجيات لمجابهة هذا المهدد الخارجي لأمن و سلامة السودان، وذلك بأن تجنح هذه المليشيا إلى السلم حفاظا على ما تبقى من مقدرات السودان و اهمها حفظ النفس فإن هذه الحرب قد حصدت الكثير من ابناء هذا الشعب وخاصة من منسوبي مليشيا الجنجويد و الذين قدر عددهم بعشرات الالاف من الموتى و مثلها او اضعافها من الجرحي تصعب عودتهم الي الحياة الطبيعية، فهناك فئات عمرية محددة في طور الانقراض حسب الاحصائيات و منهم القصر من بعض الاثنيات الذين زج بهم في اتون الحرب بإغوائهم بالمغنم نهبا و سلبا و تقتيلا ، و مراعاة لذلك على عقلاء هذه المليشيا اتخاذ قرار بوقف الحرب ليس استسلاما و لكن من باب المصلحة لتجنيب الشعب السوداني من ويلات الحرب و حفاظا لأرواح الاجيال المغرر بهم رحمة بهم و بأسرهم و هذا القرار قرار الشجعان، يمكنك أن تخسر الحرب دون أن تفقد الحياة كلها، فهذا سبيل الرشد، فإن الانصياع لعبارة ارضا سلاح ليس ضعفا ، اما خلاف ذلك يعني حدوث ما لا يحمد عقباه من قبل القوات المسلحة السودانية، حيث أصبحت البيئة المحلية و الإقليمية و الدولية لصالحها، فقد فقدت مليشيا الجنجويد السند الداخلي تماما بحربها على الشعب وارتكابها الفظائع بحقه، وألبت الرأي العام محليا و إقليميا و دوليا ضدها فليس هنالك أدنى قبول من الشعب السوداني لإعادتها إلى الساحة السياسية مرة أخرى، فإن اتجاهات الرأي العام السوداني تقف حائلا أمام قيادة القوات المسلحة للرضوخ الي اي مطلب من مطالب المليشيا. كما أن اتجاهات الرأي العام العالمي متوافقة تماما مع الرأي العام السوداني ( العقوبات الأمريكية على قادة مليشيا الجنجويد) ، اما في حالة تعنت قيادة هذه المليشيا و مواصلة العمليات العسكرية فيمكن للقوات المسلحة اللجوء الي استراتيجيات قاسية للتعامل مع هذه المليشيا، و هذا ما لا نود حدوثها نسبة لسمو قيم و أخلاق هذا الجيش العريق و عقيدته القتالية و هي اختيار خيار استراتيجية الفناء. فهنالك نموذجان في العهد القريب لهذه الاستراتيجية و هما :
أولا : القضاء على حركة نمور التاميل السريلانكية ، وصفت هذه الحركة بأنها الأعنف في التاريخ الحديث في أسلوب قتالها فهي تعتبر مصدر إلهام لعمليات التفجير الانتحاري للحركات الاخرى و المنظمات الإرهابية حول العالم، عانت من ويلاتها جمهورية سريلانكا حكومة و شعبا فهي الحركة المتمردة الوحيدة في العالم التي استطاعت تصفية زعيمي بلدين مختلفين بعمليات تفجير انتحارية وهما الرئيس السريلانكي و رئيس الوزراء الهندي، كادت الحركة ان تستولي على البلاد إلا ان سلوكها العنيف ادي إلي تصنيفها حركة إرهابية، فقدت بموجبه الدعم الإقليمي و الدولي، وقاد ذلك الي نهايتها المؤلمة و هو ذات الموقف الذي تقف عليه هذه المليشيا اليوم في السودان.
قدر لي زيارة سريلانكا عدة مرات بحكم عملي في الهند و معتمدا لديها فقد اتيحت لي فرصا للجلوس مع قادة القوات المسلحة السريلانكية لمعرفة أسباب القضاء على تمرد نمور التاميل دون أن تنتهي بعملية سلمية كسابقة كونية تحدث لأول مرة يقضي الجيش على التمرد ويسحقه سحقا بالكامل.
التقيت ضمن الذين التقيتهم قائد الفرقة التي خاضت اخر معركة فاصلة و التي قتل فيها زعيم الحركة (باباكهران) و أعلن النصر للشعب السريلانكي. فقد اوجز الرجل في رده على السؤال قائلا إن سريلانكا حكومة و شعبا اتخذت قرارا بتبني استراتيجية القضاء على حركة نمور التاميل نهائيا بالقضاء على عناصرها ومن يتعاون معها بإعداد الدولة لذلك. هذه الإستراتيجية دفعت بالجيش السريلانكي للقيام بعمليات عسكرية واسعة لمحاصرة التمرد من كل الجبهات و الانقضاض عليه فكان لهم ما أرادوا بقتل كل العناصر المقاتلة في الميادين و من ثم القضاء على كل من تعاون معها و الذين قدر عددهم بحوالي (١٥٠٠٠ الي٢٥٠٠٠). هؤلاء تم اختطافهم من معسكرات النزوح بعد إعلان انتهاء العمليات العسكرية، حسب إحصائيات المنظمات الاممية و التي اتهمت بدورها الاجهزة الامنية السريلانكية و حملتها مسؤلية اختفاء هذا العدد الكبير من قومية التاميل (و لكن دون جدوى) ، و بذلك انتهى فصل من فصول المعاناة، و كان عام ٢٠٠٩م عاما لميلاد سريلانكا الجديدة خالية من الرعب بعد أكثر من ثلاثين عاما و استطاع الجيش السريلانكي تقديم هذا النموذج الفريد للتعامل مع التمرد.
ثانيأ : نموذج القضاء و الفناء على داعش، فبعد تصنيفها أيضا منظمة إرهابية من جهات إقليمية و دولية، نسبة لأنشطتها الفتاكة البشعة تم اتخاذ التدابير اللازمة للفناء عليها بالقضاء على عناصرها قتلاً و هي سياسة تبنتها دول المواجهة و حلفاؤها اثبتت نجاعتها وخلصت العالم من أهوال الدواعش.
كنت مبتعثا لدي المملكة المتحدة في العام ٢٠١٥م لحضور دورة في الدراسات الدبلوماسية و الاستراتيجية في أكاديمية الدفاع بالتنسيق مع جامعة كرانفيلد، رتبت لنا زيارة عمل إلى مجلس العموم البريطاني لمعرفة إدارة العمل في دهاليز هذا المجلس العتيق بشقيه و بعد الانتهاء من زيارة المجلسين خصص لنا لقاءا مع ثلاثة من أعضاء لجنة الأمن و الدفاع في البرلمان البريطاني اثنان منهما عسكريان متقاعدان. بعد أن تلقينا تنويرا منهما عن مهام و واجبات اللجنة و علاقتها بوزارة الدفاع، سنحت لنا فرصا للأسئلة فكان سؤال أحد الدارسين و هو أردني عن معرفة اسباب عدم تدخل الحلفاء لقتال الداعش و هي منظمة إرهابية تهدد الأمن و السلم الدوليين في بلاد الرافدين و سوريا. ابتدر الإجابة على السؤال أحد العسكريين وقد استشاط غضبا و انتفخ شدقيه و قدم نفسه بأنه عاش في الأردن و انه يجيد التحدث باللغة العربية لأن والده كان سفيرا لبلاده بالأردن ذكر هذا النائب بالحرف الواحد (This Country fed up of sending troops outside, We will never send troops outside unless we see Egypt and Saudi Arabia sending their troops on the ground) بمعنى انهم سئموا من إرسال القوات الى الخارج و انهم لم يرسلوا قواتهم الي الخارج حتى يروا الجيش المصري و السعودي على الارض.
أما بخصوص التعامل مع داعش قال:- The only way to deal with Daesh is to kill them all only) يعني ان الحل الوحيد للتعامل مع الداعش هو قتلهم ، و هي الاستراتيجية التي اتبعت للتخلص من داعش بقتل عناصرها و معاونيها و تجفيف مصادرها و قضت بالفناء عليها و بتنا لا نسمع عنها إلا تأريخاً، بهذا التعامل القاسي تطبيقا لمضمون (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) تم القضاء علي هذا التنظيم الإرهابي.
نتمنى أن نسمع من قيادة و أفراد مليشياالجنجويد قرارا باصدار امر ( ارضا سلاح) لإنقاذ ما يمكن انقاذه و درءا لتكرار النموذجين السابقين او احدهما في السودان لتوفر كل الظروف الممكنة لتبني هذا الخيار الصعب في الوقت الراهن من قبل الجيش السوداني.
التعليقات مغلقة.