تفسير الآية الرابعة من آيات الصيام(تفسير الآية(١٨٦) من سورة البقرة)
تفسير الآية الرابعة من آيات الصيام(تفسير الآية(١٨٦) من سورة البقرة)
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(١٨٦))يقول ربنا تبارك وتعالى مخاطباً رسوله الكريم عليه أزكى الصلاة وأتَم التسليم(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) إذا سألك يا محمد عبادي عني فقل لهم إنِّي قريب منهم ببصري وسمعي وعلمي ، أَرى الداعي منهم وبلواه وأسمع نجواه ، وأعلم شكواه ، وَإِذا دعاني فإني مجيب لدعواه ، ولعل في حذف جملة(فقل لهم) تأكيداً لقرب الله من عباده ، إذ لم يجعل واسطة بينه وبين عباده فقال عز وجل دون ذكر فاصل بين المدعو والداعي(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ) ، وقد وردت مرويات حديثية في سبب نزول هذه الآية الكريمة ، منها أنها نـزلت في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أقريبٌ ربنا فنناجيه، أم بعيدٌ فنناديه؟ فأنـزل الله: (وإذا سألك عبادي عَني فأني قريبٌ أجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) ، ورُوي أنها نزلت في قوم قالوا: لو علمنا أيَّ ساعة نَدْعو! فنـزلت: (وإذا سَأَلكَ عِبَادي عَنّي فإني قريب) ، ولقد تواترت الآيات القرآنية في وصف ربنا تبارك وتعالى بصفة القرب ، منها قوله تعالى حكاية عن سيدنا صالح عليه السلام(إن ربي قريبٌ مجيبٌ) ، ومنها أيضا قوله تعالى(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، و الدعاء في قوله تعالى(أجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) إما أن يكون بمعنى العبادة كما ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داود بسند صحيح عن النعمان بن بشير، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الدعاء هو العبادة ، ثم قرأ: “وَقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ”) ، فيكون على ذلك تأويل الكلام : وإذا سألك عبادي عَني فإنى قريبٌ من العبد الذي أطاعني وعَمل بما أمرته به، أجيبه بالثواب على طاعته إياي إذا أطاعني ، ومن الشواهد القرآنية على الدعاء بمعنى العبادة قوله تعالى(وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) أي ومن يعبد مع الله إلهاً آخر ، أو أن يكون الدعاء فيها بمعنى السؤال ، أي طلب العبد ربه قضاء حوائجه ، وعليه فتأويلها : وَإِذَا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعاءهم إذا سألوني وأقضي حوائجهم ، وأما قوله عز وجل(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) فمعناه فليستجيبوا لأمري بطاعتي أمْنَحْ دعاءهم إجابتي ، فالإجابة مرتبطة بالاستجابة ، إي إجابة الرب مشروطة باستجابة العبد ، وقد أكَّد هذا الارتباط الوثيق قوله تعالى في دعاء سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام(وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)) ، حيث ربط الإجابة بالاستقامة أي باستقامة العبد واستجابته لأمر الله عز وجل ، (وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) أي فليستجيبوا لي وليكونوا من المؤمنين بي ، فإن فعلوا ذلك وداوموا عليه كانوا من أهل الرشاد ، واستقاموا على سبيل الهدى إلى يوم المعاد .(مسألة لغوية(١) : مدلول(الإجابة) و(الاستجابة) في القرآن)قال ابن الطيِّب(اعلم هداني الله وإياك أن الإجابة والاستجابة هما مصدران للفعلين أجاب واستجاب ، وكلاهما يدل على معنى التلبية أو الإقبال بالمطلوب ، واسم الفاعل منهما مُجيبٌ ومُستجيبٌ ، واسم المفعول منهما مُجابٌ ومُستجابٌ ، والإجابة والاستجابة لفظان مترادفان في كتاب الله عز وجل ، إذ وردا فيه بصيغة الفعل ليفيد كلاهما معنى الآخر ، ففي آية البقرة أُسندت الإجابة إلى الرب وأُسندت الاستجابة إلى العبد(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ، وفي آية غافر أُسندت الاستجابة إلى الرب(وَقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) أي أُجِبْ دعاءكم ، وكذلك في آية آل عمران أُسندت الاستجابة إلى الرب(فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍۢ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّنۢ بَعْضٍۢ) ، وفي آية الشورى أُسندت الاستجابة إلى العبيد من الإنس مرتين : الأولى في قوله تعالى(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) ، والثانية في قوله تعالى(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) ، وفي آية الأحقاف أُسندت الإجابة إلى العبيد من الجن(يا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) ، ففي هذه الشواهد القرآنية وفي غيرها من الآيات دليل على أن الإجابة والاستجابة هما لفظان مترادفان ، وأن كلا اللفظين يفيد معنى اللفظ الآخر ، والله تعالى أعلم).(مسألة لغوية(٢) : معنى(الرُّشْد) و(الرَّشَد) و(الرَّشَاد) في القرآن)الرُّشْد والرَّشَد والرَّشَاد ثلاثة أسماء مترادفة يدل معناها على الهداية أو على نقيض الغي والغواية ، وهذه الأسماء الثلاثة كلها مفردات قرآنية ، إذ ورد لفظ الرُّشْد في قوله تعالى(وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا) ، وورد لفظ الرَّشَد في قوله تعالى(وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) ، وورد لفظ الرَّشَاد في قوله تعالى(يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) ، والرَّشَدى: اسم للرشاد ، وقد يدل لفظ الرُّشْد على معنى اكتمال العقل وبلوغ التكليف(فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) ، والفعل من هذه الأسماء هو رَشَدَ يَرْشُد ، وهو فعل لازم(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ، تقول : رَشَد الإِنسان، بالفتح، يَرْشُد رُشْداً، بالضم، ورَشِد، بالكسر، يَرْشَد رَشَداً ورَشاداً ، والفعل المتعدي منها هو أرْشَدَ يُرْشِدُ إرشاداً ، تقول أرشدتُ زيداً إلى الحق ، ومن ذلك قول الشافعي:شَكَوْتُ إلى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي *** فأرْشَدَني إلى تَرْكِ المَعاصِيوأخْبَرَني بأنَّ العِلْمَ نُورٌ *** ونُورُ اللهِ لا يُهْدَى لِعاصِيوالسين في قولك : (اسْتَرْشَدَ) للطلب ، أي طلب الرُّشْد أو اسْتَهْدَى ، واسم الفاعل من الفعل(رَشَدَ) هو راشد ، قال تعالى(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) ، قال ابن منظور(في أَسماء الله تعالى الرشيدُ: هو الذي أَرْشَد الخلق إِلى مصالحهم أَي هداهم ودلَّهم عليها، فَعِيل بمعنى مُفْعِل؛ وقيل: هو الذي تنساق تدبيراته إِلى غاياتها على سبيل السداد من غير إِشارة مشير ولا تَسْديد مُسَدِّد) ، وتقول: رجلٌ رشيدٌ ، وامرأةٌ رشيدة ، وصفان للمبالغة بمعنى اسم الفاعل ، قال تعالى(فاتَّقُوا اللهَ ولا تُخْزُونِ في ضَيْفِي أليس منكم رجلٌ رشيدٌ) ، وتقول : أمرٌ رشيدٌ ، قال تعالى(فاتَّبَعُوا أمْرَ فِرْعَوْنَ وما أمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) ، واسم الفاعل من الفعل(أرشَدَ) هو مُرْشِد ، فإن وصفت بهذا الوصف عاقلاً كالمرشد السياحي مثلا فجمعه قياساً يكون بصيغة جمع المذكر السالم أي(مرشدون) ، لأن العاقل يُجمع دائماً بصيغة الجمع السالم ، وإن وصفت به كُتيباً يحوي معلومات أو بيانات كمرشد سياحي أو مرشد أداء فلا أَرَى مانعاً من جمعه بصيغة التكسير أي(مَرَاشِد) ، وإن وصفت به مؤنثاً عاقلاً أي (مرشدة) فجمعه قياسا يكون بصيغة جمع المؤنث السالم ، أي(مرشدات).و(المَراشِدُ) : مقاصد الطرق؛ وليس له واحد من لفظه ، إِنما هو من باب مَحَاسِنَ ومَلامِحَ ، و(الرِّشْدة) نقيض الزِّنْيَة ، ومن ذلك حديث أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا مساعاة في الإسلام، من ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته، ومن ادعى ولداً من غير رِشْدة فلا يرث ولا يورث) ، والمساعاة هي: الزنا، وقد كانت الأمَة في الجاهلية إذا كان عليها شيء لسيدها فإنه يرسلها لتزني وتأتي له بالخراج والضريبة أو الشيء الذي اتفق معها على أنها تأتيه به، وكانوا يُكرهونهن على ذلك، كما جاء في القرآن:(وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ).وراشِدٌ ومُرْشِد ورُشَيْد ورُشْد ورَشَاد: أَسماء.قال ابن الطيِّب(والأصل في ألفاظ (أحمد) و(رشيد) و(منذر) وأمثالها أنها صفات ، فإذا سمَّيتَ بها طائفة من البشر صارت أسماء للأعلام ، وجاز حينئذ جمعها جمعا سالماً مثل : أحمدون ورشيدون ومنذرون ، وربما جمعوها جمع تكسير ليشيروا بها إلى قبائل أو جماعات كقولهم أحامِدة ورشايدة ومناذرة ، والرَّشايدة الذين ينتسبون إلى جدهم رشيد هم قبيلة عربية تقطن شرق السودان ولها وجود في طائفة من الدول العربية ، وينتهي نسب هذه القبيلة إلى قبيلة بني عبس).(مسألة طبية : رمضان شهر الدعاء والشفاء)شهر رمضان الكريم هو شهر سُمُوّ النفوس إلى العافية الروحية من خلال مداومتها على الصيام والقيام والدعاء ، حيث تظفر فيه النفوس بالقرب الرباني والسمو الروحاني(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ، وهو أيضا شهر سمو النفوس إلى العافية الجسدية ، فبالصوم يتحسن أداء القلب والجهاز الدوري والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي ، فتصح الأجساد باطنا وظاهرا من أسقامها ، وتبرأ من آلامها ، وتتخلص من فضلاتها وأثقالها ، وتنطلق من ربقة أدوائها وأغلالها(وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ، فإذا هي أشبه بأشجار الأرض يعود إليها بعد الذبول النماء ، وترجع إليها بعد الاصفرار الخضرة والبهاء ، ولقد صدق رسولنا الكريم عليه أزكى الصلاة وأطيب التسليم إذ قال في الحديث الذي رواه النسائي(الصوم جُنَّةٌ) أي وقاية ، وقاية من المعاصي ومن العلل ومن عذاب النار ، وفي الصوم سواء كان في رمضان أو في غير رمضان فوائد جمة : دنيوية صحية ونفسية وروحية ، وفيه فوائد أخروية ، إذ جعله الله سببا في دخول الجنة الأبدية(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).(مسألة أدبية : مساجلة شعرية رمضانية مع أحمد شوقي : دعوة إلى تجديد التوبة وتأكيد الأَوْبَة في الشهر الكريم)ينبغي أن يكون رمضان موسماً روحياً لتجديد التوبة وتأكيد الأَوْبَة إلى الله سبحانه وتعالى ، ويجب على كل مسلم ومسلمة أن يواظبا على الطاعة والتقوى من بعده ، والعبد الضعيف المفرِّط هو الذي يطيع الله في رمضان ، ويعصيه في باقي شهور العام.هذه مساجلة شعرية بيني وبين الشاعر المصري أحمد شوقي-رحمه الله وغفر له- هي من قبيل شعر الإخوانيات والمذاكرات والمفاكرات ، وكلتا القصيدتين هما من بحر الكامل ، وعلى قافية القاف المضمومة:
قال أحمد شوقي :
رَمَضَانُ وَلَّى هَاتِهَا يا سَاقِي *** مُشْتَاقَةً تَسْعَى إِلى مُشْتَاقِما كانَ أَكثَرَهُ عَلى أُلَّافِهَا *** وَأَقَلَّهُ في طَاعَةِ الخَلَّاقِاللَهُ غَفَّارُ الذُّنُوبِ جَمِيعِها *** إِنْ كانَ ثَمَّ مِنَ الذُنوبِ بَوَاقِيبِالأَمْسِ قَد كُنَّا سَجِينَيْ طاعَةٍ *** وَاليَومَ مَنَّ العِيدُ بِالإِطْلاقِضَحِكَتْ إِلَيَّ مِنَ السُّرُورِ وَلَم تَزَلْ *** بِنْتُ الكُرُومِ كَرِيمَةَ الأَعْرَاقِهاتِ اِسْقِنِيها غَيرَ ذاتِ عَواقِبٍ *** حَتَّى نُرَاعَ لِصَيْحَةِ الصَّفَّاقِصِرْفاً مُسَلَّطَةَ الشُّعَاعِ كَأَنَّما *** مِنْ وَجْنَتَيْكَ تُدارُ وَالأَحْدَاقِحَمْراءَ أَو صَفْراءَ إِنَّ كَريمَها *** كَالغِيدِ كُلُّ مَليحَةٍ بِمَذَاقِوَحَذَارِ مِن دَمِها الزَّكِيِّ تُرِيقُهُ *** يَكْفِيكَ يا قاسِي دَمُ العُشَّاقِلا تَسْقِنِي إِلَّا دِهَاقاً إِنَّنِي *** أُسْقَى بِكَأسٍ في الهُمُومِ دِهَاقِفَلَعَلَّ سُلْطَانَ المُدَامَةِ مُخْرِجِي *** مِنْ عالَمٍ لَم يَحْوِ غَيرَ نِفَاقِقلت مُسَاجِلاً له :أأمِيرَ شِعْرِ العُرْبِ يا شَوْقِي النَّدَى *** هَيَّجْتَ فِينَا لَوْعَةَ الأشْوَاقِغَفَرَ الإلَهُ لَكَ الذُّنُوبَ بِعَفْوِهِ *** وسَقَاكَ سُقْيَا كَوْثَرٍ دَفَّاقِإِنْ كانَ قَدْ فَنِيَ الزَّمَانُ بِشَهْرِهِ *** فَكِتَابُ رَبِّ النَّاسِ فِينَا بَاقِإنَّا تَرَكْنَا الخَمْرَ غَوْلاً في الدُّنَا *** ولِأجْلِ كَأْسٍ في الجِنَانِ دِهَاقِخَمْرُ الجِنَانِ بِلا دِنَانِ دَنَاءَةٍ *** بَيْضَاءُ لَذَّةُ شَارِبٍ مُشْتَاقِرَمَضَانُ مَا ولَّى ، ومَا ولَّى سِوَى *** مَنْ عَاشَ فِيهِ عِيشَةَ الفُسَّاقِأَوْ ظَلَّ يَنْهَلُ مِنْ حَرَامِ حَرِيمِهِ *** مِنْ بَعْدِهِ ، ونَدِيمِهِ والسَّاقِيالشَّارِبِينَ الخَمْرَ تَذْهَبُ بِالنُّهَى *** والسَّاكِبِينَ السُّكْرَ في الأسْوَاقِشَرُّ العِبَادِ على البِلَادِ شَقَاوَةً *** مَنْ بَادَرَ التَّقْوَى بِهِ َبِطَلَاقِحُسْنَى الحِسَانِ البَاهِرَاتِ مَحَاسِنَاً *** سَارَتْ بِهَا الآيَاتُ في الآفَاقِحَاشَاكَ مَنْ خَصَّ النَّبِيَّ المُصْطَفَى *** بِسُلَافِ مَدْحٍ مُتْعَةِ الأذْوَاقِمَا قُلْتُ هَذَا النُّصْحَ نَظْمَاً سَائِرَاً *** إلَّا ابْتِغَاءَ مَثُوبَةِ الخَلَّاقِ ذِكْرَى مِنِ ابْنِ الطَّيِّبِ الدَّاعِي لَكُمْ *** يَا طَيِّبَ الأعْرَافِ والأعْرَاقِمعاني المفردات :١- (أأمِيرَ شِعْرِ العُرْبِ) : الهمزة الأولى للنداء ، أي يا أمير شِعْرِ العُرْبِ . ٢- (إنَّا تَرَكْنَا الخَمْرَ غَوْلاً في الدُّنَا) : إشارة إلى قوله تعالى في وصف خمر الجنة:(لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) أي أن خمر الجنة لا تغتال عقول شاربيها ، ولا تذهب بعقولهم إذا شربوها كما تذهب بها خمور أهل الدنيا ، وفُسِّر الغَوْل أيضا بالصُّداع ، والمعنى أن خمر الجنة لا تسبب صداعاً ولا أذىً لشاربيها.٣-(ولِأجْلِ كَأْسٍ في الجِنَانِ دِهَاقِ): إشارة إلى قوله تعالى:(وَكَأْسًا دِهَاقًا) أي كأساً ملْآى.٤-(بَيْضَاءُ لَذَّةُ شَارِبٍ مُشْتَاقِ): إشارة إلى قوله تعالى:(بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ).٥-(الشَّارِبِينَ الخَمْرَ تَذْهَبُ بِالنُّهَى *** والسَّاكِبِينَ السُّكْرَ في الأسْوَاقِ) : النُّهَى هي العقول ، والمقصود بالشطر الثاني : الساكبين السُّكْرَ في حانات الخمر وباراتها التي تُسَوَّقُ فيها الخمور.٦-(حُسْنَى الحِسَانِ البَاهِرَاتِ مَحَاسِنَاً) : هذا وصفٌ للتقوى فهي تشبه حُسْنَى الحِسَانِ .٧-(حَاشَاكَ مَنْ خَصَّ النَّبِيَّ المُصْطَفَى *** بِسُلَافِ مَدْحٍ مُتْعَةِ الأذْوَاقِ) أي حاشاك يا شوقي أن تكون من أهل الفسوق الذين أشار إليهم الشاعر ، يا مَنْ مدحتَ النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بأروع المدائح ، مدائح بليغة ممتعة مذاقها كالسُّلاف وهو أول الخمر ، وهذا كله على سبيل التشبيه والمجاز.٨- في خاتمة مساجلتي قلت مخاطبا أمير الشعراء:(ذِكْرَى مِنِ ابْنِ الطَّيِّبِ الدَّاعِي لَكُمْ *** يَا طَيِّبَ الأعْرَافِ والأعْرَاقِ) أي ما قلت هذا النصح شعراً إلا نصحاً أبتغي به مثوبة الله ، وذكرى أذكِّر به من الغفلة ، وهو من ابن الطيِّب الذي يدعو لكم يا شوقي يا طَيِّبَ الأعْرَافِ والأعْرَاقِ.
التعليقات مغلقة.