الايام نيوز
الايام نيوز

حوار ساخن جديد مع فولكر بيرتس: طرفا الصراع في السودان يدركان أن استمرار القتال لن يقود إلى النتيجة المرجوة

رغم صعوبة الوضع في السودان في أعقاب القتال العنيف الذي اندلع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، تصمم الأمم المتحدة على مساعدة السودانيين على تجاوز هذه المحنة العصيبة وتحقيق السلام وإعادة مسار الانتقال.

هذا ما أكده فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام في السودان خلال حوار حصري مع أخبار الأمم المتحدة عقب تقديمه إحاطة لمجلس الأمن في نيويورك بشأن الوضع في السودان.

وقال بيرتس إن الأمم المتحدة تبذل كل ما في وسعها على الصعيدين السياسي والإنساني لتجاوز الآثار الرهيبة التي خلفتها هذه الحرب وتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة لملايين السودانيين داخل وخارج السودان.

في بداية الحوار، سألنا السيد فولكر بيرتس عن سبب اندلاع هذه الحرب خاصة وأن الأطراف كانت قريبة جدا من التوقيع على اتفاق كان من المفترض أن يعيد السودان إلى مواصلة المرحلة الانتقالية التي توقفت بعد انقلاب الجيش في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

فولكر بيرتس: هناك أسباب تاريخية للتوترات في السودان. وهناك توتر بعد انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021. ولكن التوترات قبل 15 نيسان/أبريل كانت أصلا حول مسألة اندماج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني. كان هذا بمثابة هدف مشترك تقريبا لكل السودانيين- على الأقل بالنسبة لمن وقعوا على ما يسمى بالاتفاق الإطاري، ولكن أيضا بالنسبة لأوساط أكبر من المجتمع الذين يطالبون- ومن حقهم- بجيش واحد وموحد ذي عقيدة واحدة، وقيادة واحدة.

الاتفاق الإطاري موجود. وحسب اعتقادي، سيظل مرجعا للنقاش

شكليا، وافق كل موقعي الاتفاق الإطاري على الطلب باندماج الدعم السريع في القوات المسلحة. ولكن – كما يبدو- أن هذا الأمر خلق مخاوف لدى بعض الأوساط بفقدان جزء من السلطة في البلاد.

أخبار الأمم المتحدة: هل تعتقد أن الاتفاق الإطاري انتهى مع اندلاع هذه الحرب؟
فولكر بيرتس: الاتفاق الإطاري موجود. وحسب اعتقادي، سيظل مرجعا للنقاش، ولكن لا نستطيع أن نقول إننا سنبدأ من جديد من حيث انتهى الأمر قبل 15 نيسان/أبريل. ولكن عندما تتوقف هذه الحرب وتبدأ مناقشات سياسية جديدة فكل هذا يتطلب إعادة النظر فيما تم إنجازه قبل 15 نيسان/أبريل، وماذا يجب أن يكون من أفكار جديدة، والأهم من ذلك مشاركة وجوه جديدة كانت غير منخرطة في العملية السابقة.

سيكون للكثير من القيادات الاجتماعية والسياسية دور، ولكن المهم هو مشاركة الأوساط التي لم تشارك في العملية السياسية قبل 15 نيسان/أبريل مستقبلا.

فولكر بيرتس ممثل الأمين العام في السودان خلال حوار مع أخبار الأمم المتحدة في نيويورك.
UNITAMS/May Yaacoub فولكر بيرتس ممثل الأمين العام في السودان خلال حوار مع أخبار الأمم المتحدة في نيويورك.

أخبار الأمم المتحدة: كيف يبدو شكل التواصل بينكم وبين قيادتي الجيش والدعم السريع منذ اندلاع هذه الحرب؟ هل أبدت الأطراف تفاعلا إيجابيا؟
فولكر بيرتس: هناك تفاعل دائم بيننا في بعثة الأمم المتحدة مع الأطراف. يتعين علينا أحيانا أن نتعاطى مع ردود الأفعال غير الإيجابية من جانب أو آخر لأن الطرفين يطلبان منا أن نتخذ موقفا قريبا لها أو أن ندين الطرف الثاني. طبعا هناك أفعال ندينها.

في كثير من الأوقات نحن نعرف من قام بفعل معين، ولكن سياستنا بصفتنا مسهلين أو وسطاء- ألا ندين طرفا (على حساب الآخر) ولكن نحاول أن نتوسط بين الأطراف مثل ما فعل السعوديون والأمريكيون في جدة. لا فائدة من أن نفقد الاتصال مع طرف ولابد أن نحافظ على اتصالاتنا ووسائل للاتصال مع كلا الطرفين.

أخبار الأمم المتحدة: رحبتم بالتوقيع على إعلان جدة حول الالتزام بحماية المدنيين واتفاق وقف إطلاق النار. ما مدى فعالية هذا الإعلان خصوصا وأن معاناة المدنيين لم تنته في ظل استمرار القتال في الخرطوم ومناطق أخرى؟
فولكر بيرتس: تكمن أهمية اتفاق جدة لوقف إطلاق النار قصير الأمد في أنه أول اتفاق لوقف إطلاق النار يوقع عليه الطرفان. ويأتي مع هذا الاتفاق تفاهم حول آلية لمراقبة وقف إطلاق النار، وهذه خطوة مهمة للأمام، وسيسهل- إن شاء الله- ليس فقط مراقبة التزام الطرفين بالاتفاق، ولكن أيضا تسمية الطرف الذي لا يلتزم بالاتفاق. ولكن هذه مهمة آلية المراقبة نفسها.

في أي حرب بالعالم- دعني أعيد هذا لأنه مهم- تقف الأمم المتحدة على مسافة واحدة من الطرفين حتى لو عرفنا من الذي بدأ الحرب أو من يخرق الالتزامات بوقف إطلاق النار.

أخبار الأمم المتحدة: هل ستشارك الأمم المتحدة في محادثات جدة أم أن هناك مبادرات أخرى في الأفق ستقوم الأمم المتحدة برعايتها وتسهيلها؟
فولكر بيرتس: نحن في بعثة يونيتامس لم نشارك في محادثات جدة والتي كانت محادثات بين الطرفين بوساطة أمريكية- سعودية، وفي مرحلة متأخرة، دخل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) وهو له خبرات خاصة حول ما يجب أن يتم في سبيل تسهيل إيصال الامدادات الإنسانية إلى السودان.

وبالتالي فإن مكتب أوتشا سيكون موجودا حتى في آلية المراقبة وسيبني المساعدات الإنسانية للسودان على أساس هذه الاتفاقية.

أخبار الأمم المتحدة: تتحدث التقارير الآن عن وضع مذر وصعب للناس في السودان وخاصة في دارفور والخرطوم في ظل انعدام الغذاء والخدمات الأساسية. هناك تحذير من أن الكثير من الناس ربما يموتون جوعا إذا لم تتدخل منظمات الإغاثة لمساعدتهم. أولا، ما تعليقك على ذلك؟ وما الذي تفعله الأمم المتحدة على الصعيدين السياسي والإنساني بهذا الشأن؟
فولكر بيرتس: أولا، صحيح ما قلته حول تدهور الوضع الإنساني كثيرا نتيجة الحرب ونتيجة الاشتباكات. قبل الحرب كانت وكالات الأمم المتحدة المختصة تقول إن 15 مليون شخص في السودان يحتاجون للمساعدة الإنسانية، أما الآن فنحن نتحدث عن 18 أو 19 مليون شخص محتاجين للمساعدة. أطلقنا نداء للعالم للحصول على المساعدة المالية لهذا الغرض. على الأرض، بدأت الوكالات الإنسانية في توزيع مساعدات إنسانية منها- مثلا- المساعدات الطبية للمستشفيات، وكذلك بعض المواد الغذائية.

المشكلة أنه خلال أول أيام الحرب- أي يومي 15 أو 16 نيسان/أبريل- تم نهب أكثر المستودعات التابعة للأمم المتحدة في دارفور. كذلك تم نهب السيارات والمكاتب، وتم نهب قافلة تحمل مواد إغاثية كانت في طريقها إلى دارفور. وبالتالي فمن الصعب جدا أن نوزع المساعدات إذا كانت المستودعات منهوبة، ولكن منذ ثلاثة أسابيع تقريبا، بدأت المساعدات تصل إلى بورتسودان عن طريق البحر أو عن طريق الجو. وقد بدأ بالفعل توزيع المساعدات إلى المناطق في الشرق وفي الخرطوم وحتى دارفور.

ولكننا ندرس حاليا- بالتعاون مع السلطات السودانية- إمكانية إيصال الإمدادات إلى دارفور من دولة تشاد المجاورة.

أخبار الأمم المتحدة: نهب الممتلكات وحرق وتدمير المرافق ظل يمثل سمة مميزة للقتال في السودان. هل تعتقد أن هناك جهات أخرى تقف بشكل غير مباشر وراء هذه الأفعال لتحقيق استفادة ما على سبيل المثال؟
فولكر بيرتس: أنا لا أبحث عن مؤامرات وراء الأحداث. أنا أرى أنه تم نهب عدد كبير من السفارات والمرافق المدنية، مقرات الأمم المتحدة- بما في ذلك مقر بعثة يونيتامس ومنازل الموظفين.

حسب اعتقادي حدث هذا نتيجة للفوضى التي انتشرت في بعض مناطق الخرطوم بشكل خاص، ولكن أيضا في دارفور، وخاصة في الأيام الأولى للحرب.

حاولت بعض السلطات المحلية- مثلا في ولاية شمال دارفور بالتنسيق مع التنظيمات الموقعة على اتفاق جوبا ومع الإدارة الأهلية وغيرها أن يضبطوا الوضع هناك ويحافظوا على ممتلكات الناس وحتى ممتلكات ومقرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية. ولكن هذا الأمر يحتاج إلى سلطة تعمل بجدية لمنع هذه الأمور.

بعد أكثر من شهر على اندلاع القتال يبدو أن الأطراف غير مستعدة لوقف القتال. برأيك، ما هو المحفز أو المشجع الذي يمكن أن يدفع الأطراف إلى وقف القتال؟
فولكر بيرتس: يبدو أن الوضع هادئ نسبيا في الخرطوم. اليوم (يوم الثلاثاء) هو أول يوم يبدأ فيه تطبيق اتفاق جدة لوقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام.

صحيح أن الجانبين- خاصة في بداية الحرب- كانا يفكران أن هذه المعركة ستكون قصيرة وأنهما سينتصران خلال بضعة أيام، ولكنني أعتقد أن هناك إدراكا لدى الجانبين أن استمرار هذا القتال لن يقود إلى النتيجة المرجوة وأنه ما من مفر من الجلوس على طاولة المفاوضات لإنهاء هذه الحرب وإيجاد حلول واقعية للأمور مثار الاختلاف. لإعادة بناء الدولة وقبل ذلك تشكيل حكومة تستطيع أن تقود الدولة في هذه المرحلة الصعبة- بما في ذلك فتح حوار سياسي شامل جديد.

بعد اندلاع القتال حولت البعثة مقرها إلى مدينة بورتسودان. هل تخطط البعثة للبقاء في بورتسودان؟ أم ما هي الخطط المقبلة؟
فولكر بيرتس: الخطة طبعا هي العودة للخرطوم في أقرب وقت ممكن. المقر الرئيسي ليونيتامس لا يزال في الخرطوم.

نسبة لأن القتال مستمر وكذلك نتيجة النهب وغير ذلك من المشاكل أصبح من غير الممكن أن نعمل من هناك، ولذلك انتقلنا مؤقتا إلى بورتسودان.

ولكن أعتقد أن هدف كل السودانيين هو إنهاء هذه الحرب وعودة الهدوء والاستقرار إلى البلد. وبمجرد أن يصبح هذا ممكنا سنعود إلى الخرطوم ونواصل عملنا من هناك.

بعد اندلاع الحرب أكدت الأمم المتحدة مراراً وتكراراً أنها ستظل في السودان لمساعدة الناس هناك. ولكن برغم ذلك يشعر الكثير من الناس أن المجتمع الدولي قد تخلى عنهم. ما هي رسالتك للسودانيين؟
فولكر بيرتس: رسالتي تبقى هي نفس الرسالة. لدينا في الأمم المتحدة أولويات واضحة في هذه المرحلة.

الأولوية الأولى هي وقف القتال. وقف إطلاق النار ووقف العدائيات لفترة أطول.
ثانيا- وهذا مترابط مع الأولوية الأولى- تقديم المساعدات الإنسانية لكل السودانيين المحتاجين.
ثالثا، الامتناع عن تصعيد جديد يشمل القوى التي ظلت خارج الحرب حتى الآن- والحمد لله.
ورابعا، المساعدة وتسهيل عملية حوار سياسي جديد إذا طلب منا ذلك.
بمساعدة الأمريكيين والسعوديين، يبدو أننا توصلنا إلى إنجاز فيما يتعلق بالأولوية الأولى المتمثلة في وقف إطلاق النار. والآن، يجب أن نعمل على تمديد هذه الهدنة كي تصبح هدنة ثابتة أطول من سبعة أيام.

وهذا سيسهل إيصال المساعدات الإنسانية وسيسهل أيضا الحوار حول إنهاء دائم وثابت لهذه الحرب والأمور السياسية العالقة.

تم تكوين بعثة يونيتامس للمساعدة في العملية الانتقالية في السودان. ولكن للأسف دخلت البلد في حرب الآن ولا أحد يدري متى ستتوقف. إذن ما مستقبل البعثة في خضم هذه الظروف؟ هل سيتم تعديل تفويضها أم ماذا؟
فولكر بيرتس: يجب أن يوجه هذا السؤال إلى أعضاء مجلس الأمن. ليس على الممثل الخاص للأمين العام أن يحدد تفويض البعثة، يعود هذا لمجلس الأمن. سيصوت المجلس على مستقبل البعثة خلال الأسبوع القادم.

فيما يتعلق بمضمون سؤالك، صحيح أن البعثة أُنشئت بطلب من الدولة السودانية للمساعدة في الانتقال السياسي والاجتماعي، والانتقال من حرب داخلية إلى سلام بين الدولة والحركات المسلحة. نحن مستعدون أن نستمر في هذه الخدمة، ولكن هذا يتوقف على العودة إلى الانتقال. فإذا رأينا بعد ثلاثة أو ستة أشهر أنه ليس هناك انتقال لنساعده فالمسألة ستكون مطروحة، ما إذا كان السودان سيحتاج إلى شكل مختلف من المساعدة من المجتمع الدولي وما إذا كان سيحتاج إلى بعثة دولية ذات وظائف مختلفة.

حاليا نعمل مع إخواننا السودانيين على إعادة السلام أولا ومن ثم إعادة مسار الانتقال. نحن مستعدون لمساعدة السودانيين.

المصدرأخبار الأمم المتحدة

التعليقات مغلقة.