الايام نيوز
الايام نيوز

د.عبدالمهيمن بادى يكتب:مفهوم وممارسة اللعبة السياسية

0

بسم الله الرحمن الرحيم

(من اجل مزيد من الوعي)

مفهوم وممارسة اللعبة السياسية

…..يعتبر هذا الموضوع في غاية الاهمية لما ينطوي عليه من تداعيات كبيرة وخطيرة على مستوى العالم، ويؤثر على كل دولة ومجتمع بل وكل فرد، من كافة الجوانب السياسية و الامنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا سيما في ظل الحرب بين (إسرائيل) و(إيران) وما اعلن من وقف لإطلاق النار وتأثيرات ذلك على الدول الإسلامية والعالم بصورة عامة، والإدراك الصحيح لخلفيات وأهداف هذه الاحداث التي تدور في إطار اللعبة السياسية الدولية.

مفهوم اللعبة السياسية

اللعبة السياسية، عبارة عن مجموعة من الظروف، تتضمن فلسفة الحدث، وإعادة سياقه وفق الغايات والأهداف، للوصول إلى نتيجة، تعتمد على تصرفات صناع القرار في ” الدفاع والهجوم”، وفق الخيار الاستراتيجي وتوازناته المتعددة، حيث يتضمن هذا المفتاح المفاهيمي فكرة اللعب، والتي تؤطر بشكل عام الجوانب المتعلقة بهذه اللعبة.

ممارسات اللعبة السياسية

وحتى نلم بتفاصيل جوانب اللعبة السياسية تستعرض شرحا موجزا، لكل لعبة من الألعاب السياسية، ومضمون تعابيرها المجازية، وأساليب الممارسة لتلك الألعاب السياسية.

▪ قلب الطاولة

يعرف” قاموس أكسفورد” قلب الطاولة” بأنه تعبير مجازي يوحي بقلب موقف ما إلى صالحك بل إنه يتعدى فكرة التملص من موقف سلبي أو تجنبه بذكاء إلى الانتفاع به بأقصى درجة”.

لعبة قلب الطاولة ليس بالعنف بل بالتفكير والتخطيط والدهاء وتغيير الموقف لصالحك فأحياناً مصطلح قلب الطاولة يدل على موقف ضدك قمت بتحويله لصالحك وقلب ذات الموقف على خصمك ، ويعتمد “قلب الطاولة” على عنصر المفاجأة، حيث يتم استخدام هذا التعبير في السباق على المصلحة والقوة باعتماد عنصر المفاجأة سوف تربك الطرف المقابل، وربما توجه له ضربة موجعة لمصالحه وخططه وأهدافه وحساباته ويجب مراعاة الدقة والحكمة في لعبة قلب الطاولة لكي تؤتي ثمارها فذلك يتطلب ظروف مناسبة، وتوقعات وتقديرات محكمة ورصينة لإمكانات الطرف الآخر ولو حدث عكس ذلك فسوف تكون سياسة قلب الطاولة كارثة على منفذها. وذلك الفعل يعد نوع من الخيانة ويبقى سلوك “قلب الطاولة” سلوكا مشينا؛ وإن عبر عن ذكاء مفرط.

وأحياناً يستخدم مصطلح قلب الطاولة قلب موقف ضدك إلى صالحك وقلب ذات الموقف على خصمك، وهناك الكثير من الأمثلة على مصطلح قلب الطاولة، لكن الأكيد أن عنصر المفاجئة يجمع بينها جميعاً، فيربك الحسابات ويحولها بذكاء إلى صالحة، على أن تكون الظروف السياسية أيضاُ بجانبه ومساندة له، ولا يوجد تاريخ محدد لاستخدامه في السياسة، لكن المعنى يختلف باختلاف الأوضاع والمواقف السياسية حيث تم استخدام المصطلح في الأدب بمسرحية إنجليزية لجورج تشابمان عام ١٦١٢م، ثم طرح لروبرن ساندرسن عام ١٦٤٤م كموعظة دينية.

▪ خلط الأوراق

خلط الأوراق في السياسة حالة استعارة مجازية مشتقة من لعبة “ورق اللعب أو الكوتشينة أو الشدّة” المعروفة على مستوى العالم، وسياسة خلط الأوراق، تعد من الدلالات والمؤشرات القوية، التي تشير إلي أن الانفراج السياسي، وحالة الأخفاق التفاوضي، التي يستوجب معها تغيير الحسابات، والتفاهمات السياسية القائمة علي مبدأ “المصالح المؤقتة”.

وتمثل سياسة خلط الأوراق في اللعبة السياسية، فوضى شاملة، تختلط بها المصالح، والعداوات، بشكل سريع ومتقلب، بحيث يصعب فهم، وتحليل، ورسم، واقع ما سيحدث، وسط خريطة من التشابكات، والتحالفات، والعداوات، بين دول، وانظمة، وأحزاب، وطوائف، تتحكم في المعادلة السياسية، ولها أهدافها، مثل صرف الانتباه عن قضية ما، أو توجيه الرأي العام إلى قضية ما، أو الانشغال بشكل مفرط بقضية معينة.

وإضافة إلى ذلك، فإن خلط الأوراق، تخلق مجالاً مشوشاً في علاقات القوى، وتمارس تلك اللعبة بدقة شديدة أو بمنتهى العشوائية، ويرافقها خلط القيم، وفوضى التقييمات، والقرارات المفاجئة، ومثال ذلك قرار الحرب الروسية الأوكرانية، الذي أربك العالم وخلط الأوراق السياسية، والاقتصادية، وجعل من المشهد السياسي في أوروبا معقد وضبابي.

وكذلك ازمة خلط الأوراق، بين فرنسا، ومالي، في منطقة الساحل الأفريقي، والذي يدفع فرنسا إلى خلط أوراقها، ومراجعة استراتيجيتها العسكرية، بعد قرر المجلس العسكري الحاكم في مالي، إلغاء الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا والشركاء الأوروبيين، الذي وقع في مارس ٢٠١٣م، الذي يشكل إطارا لوجود القوة الفرنسية في مالي، إضافة إلى البروتوكول الإضافي الموقع في مارس ٢٠٢٠م، الخاص بوحدات تاكوبا الأوروبية، وهذه التطورات، والتوترات المتصاعدة، بين مالي وفرنسا، كانت نتيجة دخول روسيا، على خط المنافسة في منطقة الساحل الإفريقي، مما اوجد حالة من الارتباك الخطير، في صميم هذه التحالفات، ومن وراء ذلك قوى محركة تخلخل تلك التحالفات، مما يؤول إلى فوضى عارمة في تلك المنطقة، فما زالت الأوراق تختلط واللعبة تدار.

وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن ما فعله الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بخلط الأوراق، بتعديلات على سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب، وأصدر قرارات تلغي قرارات ترامب، تنص على إعادة بناء التحالفات، والشراكات المهمه والحساسة، والتعاون، في مواجهة قضايا المناخ، والعودة لإتفاقية باريس حول المناخ، وإعادة انخراط الولايات المتحدة مع منظمة الصحة العالمية، وتعديل قانون الهجرة، والجنسية، ورفع حظر السفر عن بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، والوقوف في مواجهة الصين، وروسيا، والسعي للعودة للاتفاق النووي مع ايران ثم جاء رئيس ترمب وخلط الاوراق مرة اخرى.

▪ لعبة القط والفار

تعرف لعبة القط والفار بالمناورة في ابسط تعريفاتها اللوجستية، ومن كان في موقع القوة، يوما، يصبح في موقع الضعف يوما آخر، ومن هناك، تختلف المواقع، باختلال القضايا المطروحة، وبحسب الانواء السياسية، وعلى وفق الصفقات والتحالفات والاوزان، لكن المهم في كل ذلك ان القط يبقى بأمس الحاجة إلى الفار، وأن الأخير لا يستغني عن صاحبه، وهذه من شروط اللعبة، كجزء من لعبة استراتيجية.

الولايات المتحدة وإيران تمارس سياسة لعبة القط والفأر ومخاطر تطابق السياسات الأمريكية – الإيرانية، للحصول على مصالح مشتركة، تضر بالكثير من دول الجوار الإيراني.

من جانب آخر فإن الحرب الروسية – الأوكرانية القائمة، تحمل في ثناياه الکثير من الاجندة الخفية والحقائق الغامضة، والتي أهمها أن هذه الحرب (حرب الظل بين روسيا وأوروبا وأمريكا)، قد إجتازت مرحلة لعبة القط والفأر، فبينما نجد وروسيا حاليا، تتعامل مع الخصوم بصورة الند للند، وتمتلك الکثير من المخالب التي يبدو أنها ترعب الکثير بشکل عام، وأوروبا بشکل خاص ضمن قوة صلبة مدمرة، وأن لعبة المراوغات، والخيارات ، والإملائات السطحية، لحرب الظل، قد وصلت إلى طريق مسدود، فليس هنالك من خيار عقلاني، ضمن لعبة القط والفار، غير الملاطفة والمهادنة، والقبول بالأمر الواقع، لتجنب الذهاب إلى ما لا يحمد عقباه.

▪ حافة الهاوية

لعبة سياسية، تهدف إلى تحقيق مكاسب معينة، من خلال تصعيد الأزمات، ودفعها إلى حافة الهاوية، تكشف الأحداث والنزاعات التي تشهدها العلاقات الدولية حالياً، من تطورات، وتفاعلات جيوسياسية، واستراتيجية، ودبلوماسية معقدة وغامضة، لا سيما في قضايا الحفاظ على مناطق النفوذ وبسط الهيمنة، وذلك في ظل تجاهل القانون الدولي.

ويعتبر وزير خارجية الولايات المتحدة السابق “جون فوستر دالاس”، أول من استخدم تعبير، “سياسة الحافة” في مقابلة أجرتها مجلة الحياة الأمريكية عام ١٩٥٦م هي سياسة يُقصد بها تحقيق مكاسب معينة عن طريق تصعيد أزمة دولية ما، ودفعها إلى حافة الحرب المدمرة.
وتتميز هذه اللعبة بخيارات سياسية صارمة، وقد تؤدي كارثة محتملة، حيث تدفع الأمور إلى الحد الذي ينذر بانفجار أزمة، مما قد يغير طريقة التفكير السياسي، في التعامل مع الأزمة، أو المشكلة، أو القضية المثارة، فهناك دول تمارس هذه اللعبة مع دول أخرى.

ولعبة الدفع باتجاه سياسة حافة الهاوية، قد لا يجعل الطرف المستهدف في مواجهة على المستوى المحلي، وربما انتقالها إلى مواجهة إقليمية، أو دولية، وإن الدفع بالأزمة إلى ذروتها قد يخلق مشاكل داخل الدولة المستهدفة، اجتماعياً أو سياسياً أو أمنياً أو اقتصادياً وربما عسكرياً. ويمكن أن يؤول الوضع إلى نتائج خطيرة، تفوق المتوقع.

ومثال على ذلك في وقتنا الحالي هو الحرب الروسية الأوكرانية ٢٠٢٢م، العمل العسكري الروسي ضد أوكرانيا، جعل من لعبة سياسة حافة الهاوية التي اتخذتها روسيا أداة، في خلق أزمة وجودية بالنسبة للأمن الغذائي العالمي، وتأثيرات بالغة، على صعيد الطاقة والغاز في الدول الأوروبية.

وعلى الرغم من عدم استقرار عددٍ من اقتصادات العالم، إلا أننا نجد روسيا، تحقق بالفعل بعض الأهداف العلنية لعبة حافة الهاوية، من إجبار الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، على الأنتباه إلى “الخط الأحمر” للأمن القومي الروسي.
وآخر مثال لذلك. هو الحرب الراهة بين إيران واسرائيل التي دفعت بها الولايات المتحدة وحلفائها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واستراتيجية، يمكن أن تفصلها في وقت لاحق إن شاء الله.

▪ رفع سقف المطالب

هي لعبة سياسية تنتهج أسلوب الضغط، لها قوانينها وأعرافها وظروفها، وتتطلب الخبرة، والتدريب، والاحتراف، في العمل السياسي، وإلى ثقافة معمقة بواقع الحدث، وبفن التفاوض وإدارة الصراع السياسي، وتتطلب معلومات دقيقة وموثقة، ومتابعة مستمرة لسير الأحداث والمتغيرات على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي، وتعد سياسة غموض، ومراوغة.

في وقت تبدو فيه، لعبة رفع سقف المطالب، ومن يمارسها أو يعتمدها أن يمتلك أوراقا تمكنه من إدارة هذه اللعبة للوصول للهداف المراد تحقيقه، ومن دون أوراق الضغط لا يمكن الولوج في هذه اللعبة، وأوراق الضغط يتم اللجوء إليها لرفع مستوى سقف المطالب، وتضع الطرف الآخر في مواقف صعبة للغاية، وتجبره على كثير من التنازلات، واستعمالها يحتاج إلى تفكير وتخطيط ودهاء سياسي ضمن فريق عمل متمكن وملم بكافة أطراف اللعبة، والهدف الأساسي من اللعبة هو الحصول على أكبر قدر ممكن من المصالح، بأسلوب الضغط المستمر في هذه اللعبة وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر، يمكن للدول الضعيفة زيادة نفوذها التفاوضي ورفع سقف مطالبها السياسية، من خلال مراحل المساومة التفاوضية، وتعتمد نتائج المساومة على المصلحة، والنفوذ العسكري، والسياسي، والاقتصادي للدولة

واتساقاً مع ما تم طرحه، نرى مثالا على ما تقوم به روسيا، من السعى لرفع سقف مطالبها، للحصول على فوائد، وضمانات، من الولايات المتحدة الأمريكية بأن العقوبات المفروضة على غزوها لأوكرانيا، لن تعرقل التجارة، والاستثمار المشترك مع إيران، مقابل مشاركتها في جهود إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وهذه المطالب تصب في مصلحة السلم، والاستقرار الدوليين، في ظل تصاعد الاضطرابات وتنوع المصالح، وبوادر ظهور نظام عالمي آخر ثنائي القطب، أو ربما متعدد الأقطاب، يقود العالم إلى حالة من الأنقسام، والريبة ومبدأ اللايقين.

▪ الضربة الموجعة

لعبة سياسية تدخل في حيز الصراع السياسي، وتتوقف على مدى معرفة نقاط القوة، والضعف للخصم، للحصول على ضربة موجعة ومربكة، وتعتمد في تنفيذها، على القيادة المحنكة، والمعلومات الدقيقة، وعنصر الزمن وآليات التنفيذ، والظروف المواتية، وعلى لغة الصفقات، والوعود، والتنازلات، وشراء الذمم.

في سياق الضربة الموجعة، وجهت أميركا لإيران، ضربة موجعة بعد تصفية للجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

وفي ظل الاضطرابات والصدمات السياسية، وتقلبات أسعار الأسواق المالية، يأتي صعود الروبل الروسي وتحقيقه مكاسب قياسية خلال التداولات مقابل الدولار الأمريكي، رغم شراسة العقوبات، نجد ضربة موجعة للدولارالأمريكي، خلال الحرب الروسية الأوكرانية، وإجبار دول الاتحاد الأوروبي لسداد مدفوعات الغاز، بالروبل، فقد أصبح الروبل، العملة الروسية الأفضل أداءً في العالم مقابل الدولار، رغم كل العقوبات الاقتصادية الأسرع، والأقسى، التي فرضت على روسيا من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، في حال استمرار ذلك، يمكن أن يكون بداية لنهاية هيمنة الدولار.

وبهذا الصدد، يعد غرق الطراد الحربي موسكفا في الأزمة الروسية – الأوكرانية ضربة موجعة لروسيا ستؤثر على الأسطول الروسي في البحر الأسود.

واتساقا مع هذا المنطق، فإن من الصعب توجيه ضربة قوية وموجعه وقاصمة لنظام وكيان قوي ومحصن بغية شله وخروجه من المعادلة، لأنه يملك أكثر من مركز قوة، وله القدرة والنفوذ على تحريك كافة القوى والأطراف لصالحة وقلب المعادلة، فمن الحكمة وبعد النظر، التعامل مع الطرف الأقوى، بصيغة الإرباك والتحجيم، وليس الشل والإقصاء.

▪ العض على الأصابع

فلسفة ومبدأ لعبة عض الأصابع، عملية حربية يلعبها او يمارسها الأعداء والأصدقاء على حد سوا، وهو تعبير مجازي، يفترض أن من يصرخ أولا هو الخاسر، فهي إرادة التحمل والصبر على الوجع، ومن يحكم لعبة عض الأصابع هو القوة والقدرة على التحمل، فأحد العوامل الأخرى الحاسمة في لعبة عض الأصابع هي القيم والمبادئ أو بالأحرى انعدام هذه القيم والمبادئ لدى أحد الطرفين، يقود لكارثة عندما تستغل نقاط الضعف ويستمر الألم، فهي سياسة كسر عظم وتصفية حسابات سياسة ابتزاز ومساومة. وقد يكون حصيلة ذلك أكثر من خاسر,

على الرغم من المد والجزر، في اشتراطات روسيا عدم قبول عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، الذي يُنظر إليه على أنه شرط ضروري ومطلب حتمي تشترطه روسيا لإنهاء حالة الحرب والتوتر المستمر، في حين أن الغرب يرفض هذا الطلب، لأهمية أوكرانيا كموقع استراتيجي بالنسبة للناتو وأوروبا، فإن إصرار روسيا على الشرط وإصرار الغرب على الرفض، يدخل الخصوم في إطار لعبة “العض على الأصابع”، وسياسة كسر العظم.

▪ الرهان على الزمن

يبدو للجميع أن الرهان على الزمن أصبح الملاذ الأخير لجميع أطراف النزاع، ولا تنفع سياسة (المماطلة) و(التسويف)، وإن المراهنة على الوقت وتغير الظروف لن يحل المشكلة، ويظل الرهان على بعض القضايا الحساسة أهم ما تراهن عليه الدول، لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية وأمنية وغيرها

ومن المؤكد، أن هناك محاولات يائسة لكسب المزيد من الوقت والرهان على بقايا أمل وخيارات حلول لتغيير الدفة لصالح أطراف عانت كثير من المشكلة وجعلت من لعبة الرهان على الزمن أداة لحل مشكلاتها، وتفاعلها سلباً أو إيجاباً إزاء التحديات.

لذلك يمكن أن يصبح الوضع عالقاً في معضلة الاختيار، ما بين التراجع في مواجهة الخطر القادم، أو الرهان على اقتراب المواجهة مع تحمل العواقب لكلا الخيارات المحتملة

ولا شك أن، في حسابات السياسي المحنك، في فهم الأحداث وإدارة الأزمات لا يكون الرهان على عامل الزمن، فهو في الغالب ما يكون رهان خاسر، ولا يراهن عليه إلا مغامر أو متهور، فنجد دائما ضمن الخيارات السياسية لمواجهة الأزمات، هو محاولة الهروب من المستقبل، وإلقاء اللوم على الماضي، أما الحلول الفورية، والمبادرات العاجلة، فهي غالبا ما تكون تقليدية، أو تبقى حبراً على ورق، ولن يتم تنفيذها.

▪ تصدير الأزمات

في بعض الدول والحكومات ممن يغيب عنهم الوعي السياسي، ويزداد لديهم حالة عدم الاستقرار السياسي، وارتفاع منسوب عدم الثقة في الاصلاح الداخلي، والتراجع الحاد في الاقتصاد، وارتفاع معدلات البطالة والكساد، تحاول تلك الدول والحكومات للهروب من واقع الحدث إلى تصدير أزماتها ومشاكلها الداخلية المتفاقمة تجاه فزاعة الخطر الخارجي. كأن ينقل النظام المأزوم أزمته أو يختلقها للهروب أو التخلص أو التحرر من أزمته.

لذا، يمكن القول إن الهدف الاساسي من لعبة تصدير الأزمات هو صرف النظر عما يعانيه النظام المأزوم من هشاشة وتفكك داخلي. بعد أن يفشل النظام بمعالجة الأزمات التي يعاني منها، سواء بالحوار أو بالقمع أو بالمعالجات الطارئة التي سرعان ما تفقد هيبتها وتعود الأزمة إلى طبيعتها وقوتها وربما بمعدل أكثر خطورة وتفاقما.

ولا شك ان حيل هذه اللعبة لا تنطلي على الشرائح المثقفة، المتسلحة بالوعي السياسي والعارفة بقوانين اللعبة السياسية، ولذا سرعان ما يعمل هؤلاء على فضح اللعبة، وبيان خلفياتها ومكامنها الداخلية.

▪ المنطقة الرمادية

المناطق الرمادية خيوط للعبة سياسية لا يراها الآخرون، ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن “المنطقة الرمادية”، هي المسافة الواقعة ما بين الحرب، والسلام، والتي تنطوي على أعمال تقع خارج المنافسة الجيوسياسية العادية بين الدول فهذه الدول تحيط أهدافها بالضبابية، واستغلال أنشطة سرية قابلة للإنكار، مما يخلق حالة من عدم اليقين ولكنها لا تصل إلى مستوى الصراع المسلح، حيث اوضح تقرير نشره (معهد جيتستون الأمريكي Gatestone Institute للكولونيل ريتشارد كيمب) القائد العسكري البريطاني السابق، أن ما يتم تنفيذه من أعمال في المنطقة الرمادية من قبل الدول في كثير من الأحيان يكون باستخدام وكلاء بما في ذلك الإرهابيين.

ضرورة فهم اللعبة السياسية في العالم

بناء على كل هذه المعطيات ، يجب ان يكون فهم اللعبة السياسية، على رأس أولويات الاهتمام والتركير. لتجنب الوقوع في افخاخ هذه اللعبة الخطيرة. وذلك على النحو الآتي :

– تقوية الوعي وتأهيل الكوادر والقيادات السياسية.

– الجمع بين الفكر السياسي وبين الممارسة السياسية.

– إدراكا القضايا الرئيسية المؤثرة على القرار والفعل السياسي.

– تحديد نوع وأطراف التنافس السياسي.

– الاستعداد والإلمام الجيد بقواعد اللعبة والإمساك بخيوط اللعبة.

– تعزيز إستغلال الفرص وتقليص نقاط الضعف على المستوى الداخلي والخارجي.

– مواجهة المخاطر والتحديات والقدرة على البناء الاستراتيجي والحضاري.

– إتقان فن المناورة وتحديد الخيارات وتقديم البدائل.

– إدارة التوقعات وتحديد عقدة الصراع باستمرار.

المصدر : عبد العزيز العمار ، مقال بعنوان ( دلالات اللعبة السياسية من المفهوم إلى الممارسة)، معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، ٢٠٢٢م.

تعليق
من خلال هذا المقال ندرك اهمية الوعي بتفاصيل ما يسمى باللعبة السياسية التي تحكم مجريات الاحداث في عالمتا اليوم ..بما في ذلك الاحداث التي شهدها ويشهدها العالم الإسلامي بما في ذلك سوداننا العزيز …
حتى نتجنب الوقوع في شباك هذه اللعبة الخبيثة، لا سيما من قبل الدول الكبرى…
وحتى نتمكن من صون بلادنا والمحافظة على هويتها وسيادتها وشعبها ووحدتها ومقدراتها بعون الله، في ظل معركة العزة والكرامة.

د. عبد المهيمن عثمان حسن بادي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.