الايام نيوز
الايام نيوز

عادل المفتي يكتب
الكتائب المسلحة للدفاع عن الخرطوم
والعودة إلي الله

الخرطوم:الايام نيوز

عادل المفتي يكتب
الكتائب المسلحة للدفاع عن الخرطوم
والعودة إلي الله

في هذا الجوء الشتائي المعتدل توسطت طاولتي الركنية المفضلة وسط الأشجار

ووميض الأنوار المتدلية من الأغصان يتلألأ .. والكل يحتفي بوجودي معهم ..

سلام وترحيب متبادل من الدواخل في هذا اليوم البهيج بوجودهم معي ووجودي

معهم لفترة وحسن ضيافتهم والشعور بالحياة المتبادلة والتمسك بالأمل الرباني في إصلاح حالنا وحال بلادنا ..
لو سمحت يا صديقي قهوة لاتي .. كنولي وكرواسو .. حاضر .. وإبتسامة متبادلة ..
مع رزاز مياه المراوح المتدفقة برفق .. أغمضت عيني ببط وبنسب متفاوتة لتتغير

فتحات الرموش وتتغير الألوان تباعاً من الرمادي إلي الأحمر الفاقع ثم الكبدي لأزيد

من قبضة العين والرموش وتتداخل الأنوار المتدلية لتتفرق ثم تصغر وتصغر حتي

إختفت الأضواء والألوان المصاحبة ليتداخل خيال الماضي بتنوعه الفريد وأنا أستمع

لرائعة الفنان الوطني الجميل سيد خليفة في العهد الجميل ..

أنا هنا شبيت يا وطني ..
زيك ما لقيت يا وطني ..
في وجودي أحبك وغيابي ..

في أثناء رحلة مميزة وممتعة بين طيات (السحب) المنخفضة والرزاز الملون الخفيف

يطرق علي مقدمة الطائرة بقوة مع إنعكاسات الأضواء الخجولة التي تنفذ من خلال سحب (المزن الركامية) المنتشرة والعابرة أمامنا .. حيث يجلس علي مقدمة الطائرة عن يميني الكابتن السبعيني العزيز تشارليز قليز الأمريكي الجنسية .. هذه الساعات والدقائق العملية الممتعة تتخللها تدخلات حميدة منسجمة من المضيفة (الفرنسية) وبخار القهوة الأمريكية الأصل .. (الفرنسية) الصنع .. يتصاعد ببط مختلطاً مع العطر (الفرنسي) الأخاذ المختار بعناية .. ليترك بصماته داخل الروح والكابينة .. ليحسسك بالوجود الرباني والأنساني وحب الحياة والجمال وكيفية خلق الإنسان بتركيباته المختلفة وتنوعه الفريد في ذوقه ولونه وطعمه ورائحته وإنسانيته ومجهوده المتطور في الإبداع ( سبحان الله ) بعد تذوق القهوة المختلطة في أول رشفه .. سبحت بحمد الله .. علي نعم التسبيح والتذوق والشم والأحساس والرضا .. أما (الرضا ) ده كمان جمال تاني (هنئياً) لمن طرق بابه ..

قال تعالي : (فأصبر علي مايقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضي ) .. سبحان الله ..
بعد توجيهات مقتضبة من الكابتن قليز وأنا في بدايات عملي كطيار أتجول حول العالم .. متجهين إلي مدينة الضباب لندن .. قال لي مبتسما يا كابتن عادل .. لو سمحت ممكن ننزل في (موتيل) صغير إسمو سكاي لاين لمرة وآحدة .. ثم ردد (فقط هذه المرة) ؟.. قلت لماذا يا كابتن .. ونحن الشركة تدفع لنا فواتير الفنادق وتجبرنا علي أن ننزل في فنادق الخمسة نجوم .. قال لي .. صاحب الموتيل صديقي وطيار سابق (ووعدته) أن أزوره في موتيله هذه المرة لنتسامر معاً ونعيد بعض من ذكريات الماضي ..

تبسمت وقلت (إنت تأمر بس) لكن علي شرط مرة وآحدة يا كابتن أنت تعلم أني أحب الفنادق الفخمة .. المرة الجاية (خلينا نتجدع ) ضحك وأشار بإبهامه علامة ( تمام) .. عندها تذكرت هذا الكابتن (الإنسان) في لوحة صورته الجميلة منعكسة في الزجاج الأمامي مع عتمة السحب البيضاء والرزاز الخفيف مازال يطرق علي مقدمة الطائرة .. فتخيلت لشهور مضت وأنا أطرق علي باب الكابتن قليز .. متقدما بثقة وبثبات عنفوان الشباب من بوابة مكتبه للقائه للمرة الثانية وهو يتوسط مكتبه الفخم ..

ولوحة رئيس الطيارين تعلو سطح المكتب .. يحمل بيده اليمني (قلمه) مستعداً للتوقيع علي (عقد) عملي مع الشركة في مدينة الرياض الجميلة في بدايات عملي الأولي .. وعلي يده اليسري (السيقار) الكوبي الفخم .. نفض رماد السقار بتأني بواسطة أصبعه السبابة ليطرق برفق علي السيقارة الفخمة ثم يضع السيقارة بصمت علي حافة مطفأة السيجار الأنيقة .. رافعاً راسه مع التحية والإبتسامة قائلاً لي إتفضل كابتن عادل ..

منحنيا مرة أخري برأسه ثم نظراته ليقرأ ويتمعن في (عقد عملي) مع الشركة وأنا أتابعه عن قرب سعيدا بهذا العمل الجديد والشركة الجديدة .. ظل متابعا بنظراته (عقد العمل) خاصتي من فوق نظارة طبية متدلية علي كتفه مربوطة بسلسل ذهبي أنيق متناسق مع لون الفريم … فجأة وضع القلم جانبا ليمسك بالعقد بيده اليسري ويرفع سماعة الهاتف الداخلية باليمني ليتصل بأحد مدراء إدارات الشركة الداخلية وأظنها شئون العاملين ..

متسائلا بصوته الأجش الجهوري مع نبرة وعلامة إستغراب تبدو علي ملامحة وصوته : المرتب المحدد لاخلاف عليه ولكن .. لماذا عقد كابتن عادل مفتي بالريال السعودي وأنا عقدي بالدولار ؟ لم أسمع الرد من الطرف الآخر ولكنه عقب قائلا أرجو تعديل العقد بالدولار الأمريكي وواصل حديثه متسائلا للمرة الثانية .. ثانيا : لماذا بدل الرحلة اليومي 650 دولار في عقد كابتن عادل وأنا أتقاضي بدل الرحلة اليومي 850 دولار ؟ .. لم أسمع الرد من الجهة الأخرى .. ولكني تعرفت علي الرد من خلال مواصلة حديثه ..

نعم أنا كابتن ورئيس الطيارين وخبرتي الطويلة تؤهلني لذلك من حيث الخبرة التراكمية وهو مساعدي ولكنه يقود الطائرة أيضاً كما أقودها أنا ويتحمل نفس الأخطار إن وجدت وأيضاً أنا وكابتن عادل ننزل في فندق وآحد ونتناول نفس الوجبات وبنفس الأسعار !! فإما أن (تخفض) بدل الرحلة (خاصتي) إلي (نفس) المبلغ أو (ترفع) مبلغ بدل الرحلة لكابتن عادل في العقد ليتساوي معي ؟ .. دار حوار من الطرف الآخر .. بعدها صمت قليلاً وطلب قائلاً مبتسماٍ إذن يجب (تعديل) العقد وطباعته من جديد .. وأبتسمت بدوري بعمق وقلت في نفسي .. فعلا الحق والعدل والإنسانية ليس لديهم وطن وموطن ودين .. فدعونا (نفرق) ما بين (الشعب) الأمريكي و الحكومات الأمريكية وأجهزتها( المختطفة) ( فرق كبير ) .. رحمك الله يا كابتن قليز – إن جازت ..
تمَّ إستقبالنا ببوابة (الموتيل) الصغير من الكابتن المتقاعد البريطاني الجنسية جيمس واني (مالك) الموتيل بترحاب شديد وهو يتغطي بمظلة تقيه رزاز المطر المتواصل ويحمل في يده الأخرى مظلتين رفع مفتاح إحداهما .. لتحدث صوتا في الإغلاق وهو يقدمها للكابتن قليز والأخري لي ليقول إنها تسع لشخصين مبتسماً وهو يصافح المضيفة الفرنسية (جيني) قبل أن تتبلل ملابسكم مع هذا الجوء البارد .. وعرفني كابتن قليز والمضيفة وهو يمسك بالمظلة لتقيه الأمطار المتدفقة .. أقدم لك كابتن عادل مفتي زميلي وإبني .. مددت يدي مصافحاً ومرحباً به .. قائلا .. لي الشرف يا كابتن جيمس سعيد بلقائك .. مواصلاً .. حدثني عنك كابتن قليز كثيرا ..ضحك بصوت مسموع وقال أتمني أن يكون ذكرني بالخير وحدثك بالأشياء الجميلة وترك الأخري .. مواصلاً ضحكاته ..
مساءاً إلتقينا وكابتن جيمس مدير الموتيل في دعوة عشاء (خاصة) وأخذنا بعدها في جولة لندنية بسيارته المارسيدس الفخمة.. وجولة داخلية عند العودة للموتيل .. قال أثناءها يا كابتن قليز أنا أعلم بأنك تحب أن تجهز فطورك بنفسك .. وقبل مواعيد الخلود للنوم أخذني كابتن قليز للمطبخ الصغير وقال يا كابتن عادل أعلم أنك (مسلم) وأنا أقدر ديانتكم لذا سنعد فطورك أولا غدا صباحا وسأريك الفرق بن لحم الضان و البقر ولحم الخنزير إن أردت أن تعرف ؟ متابعاً .. أعلم أنه محرم في ديانتكم .. فتح باب الثلاجة الضخمة فأخرج قطعة صغيرة من لحم الضان ووضعها علي منصة المطبخ خارج الثلاجة وقال لنتركها حتي صباح اليوم التالي ثم ردد .. سنري صباحاً .. وعند وقت الإفطار صباحا .. وجدنا قطعة اللحم كما كانت .. لم يتغير لونها .. أو تتغير رائحتها .. فقام سعيدا بتجهيز ستيك صغير لكلينا ..
وعاود الكرة مرة أخري .. مساء نفس اليوم .. أخرج قطعة أخري صغيرة من لحم الخنزير .. ووضعها جانباً ثم قال .. سأريك اليوم التالي ..
صباح اليوم التالي .. لم نستطيع دخول المطبخ لتغير رائحة قطعة لحم الخنزيز لتجد طريقها الي سلة القمامة .. وقال لي .. اليوم الفطور برضة ستيك خروف .. ثم ردد .. شفت إسلامكم والفرق ولماذا حرم الله عليكم لحم الخنزيز ..

وأضاف ممكن دي تكون وآحدة من الأسباب والأسباب الأخرى يعلمها الله وحده وسيجي يوم تعرفوا ونعرف أسباب هذا التحريم .. مضيفاً بس يا كابتن مفتي طعموا لذيذ قالها باسماً ثم أضاف تجرب معاي بكره ؟ .. رددت له باسما قائلاً شكراً يا كابتن أولاً علي المعلومة ثم ثانياً شكراً علي الدعوة .. مردفاً ( لكم دينكم ولي دين) .. خروف بس
بعد يومين من التتنقلات المبهجة بين المدن الأوروبية في إحداها إلتقاني الرئيس التنفيذي للشركة حيث قدم إعتذاره عن الخطأ في عقد العمل خاصتي وقال خطأ غير مقصود من الموظفين وقال مبتسماً نحن نحب السودانيين يا كابتن ولكن الكابتن الأمريكي قليز معجب بك جداً ..
مع برودة جو المدينة الفرنسية الجميلة (نيس) فتح الباب الزجاجي الفخم ليستقبلنا أحد (أفخم) الفنادق الباريسية .. والهواء الدافي في بهو الفندق والترحاب الحار من عامل الفندق متقدماً يحمل حقائبنا .. لأشعورياً أدرت رأسي للكابتن قليز والمضيفة الفرنسية الأنيقة .. تقولوا لي موتيل ؟ كده الجديع ولا بلاش .. وواصل الجميع في الضحك ..
إستيقظت صباحا لأداء صلاة الفجر التي أجرها عظيم .. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ) لأبدأ يومي وأضع نفسي في ذمة الله وحفظه قال الرسول الكريم: ( من صلي صلاة الصبح فهو في ذمة الله ) .. بعد شكر الخالق .. قمت بفتح الستارة الكهربائية لتشع الأضواء الخافته للمدينة الباريسية الجميلة والسحب المنخفضة التي تتعداني ببط والتي تحازي الطابق العاشر من الفندق .
بعد (النظر) ملياً في (المرآة) الكبيرة التي تواجه السرير الفخم قلت في نفسي (هذا أنا) ، خلقني الله بصورتي هذه وطبعي وصفاتي ..

أتعهد أمام الله (بقبولها) و(الرضاء) (عنها) كما هي تماماً بلا (رتوش) ولا رغبة في (التغيير) ، سأسعي لعمل شيء ما لنفسي بهدوء وحمدت الله علي (صورتي) ورددت في نفسي الآية القرانية وأنا أنظر في المرآة حامدا لله ( الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماءٍ مهين ..

ثم سواهُ ونفخ فيه من رُوحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون ) ورددت الحمد لله الحمد لله .. وقلت نعم أنا الآن في (نيس) هذه المدينة الجميلة وفي (أفخم) الفنادق الباريسية .. عدت من جديد وكل جزء مني علي أفضل حال .. فقلت علي بأن (أمنح) نفسي (تقديرا وحباً) غير مشروط بغض النظر عما (يفعله) الآخرون أو (شعورهم) تجاهي .. إن الموقف هو كل شيء فسأحرص علي أن (يعيش) الآخرون مع (توافقي) مع (نفسي) وإمتلاكي للمواقف (الطيبة) مع ذاتي ..
مع تمعن النظر في المرآة ممزوجة بإبتسامة حقيقة قائلاً لنفسي .. أيوه (أسود) وسط الخواجات ديل .. لكن ما أسود (مبالغة) ياخ وكمان سوداني حامداً لله ..
رن جرس الهاتف وكابتن قليز علي الخط .. كابتن مفتي إنت جاهز للافطار .. قلت له : يا كابتن قليز.. إن الإنسان (يشعر) بالسعادة بقدر ما هو (مستعد) لذلك . ولو أن اليوم هو (أفضل) أيام حياتك وأنت (لا تعرف ذلك) فإنك لن تتصرف وفقاً له ، لذا فإن الأرجح هو أن (أفضل) أيام حياتك سوف (يفوتك) .. ضحك قليز في الطرف الآخر من التليفون .. وقال ( أبراهام لينكولن ) قلت نعم ، 10 دقائق وأكون معك في المطعم .

بدأت قبضة رموش عيني بالإرتخاء تدريجياً وبدأت الألوان تتراءي لي من الداكنة إلي الحمراء مختلطة بالأنوار المتدلية في العودة لحجمها الطبيعي ففتحت عيني مرددا الحمد لله .. مع أصوت أسرتي في الحديقة الجميلة (أوزون).
لأرجع السماعة المتدلية إلي أذني .. عندها صدح سيد خليفة ب .. يالخرطوم يالعندي جمالك .. أنا هنا شبيت يا وطني .. زيك ما لقيت يا وطني ..
سرت في نفسي وروحي .. ذكريات الخرطوم وطفولة أمدرمان ..
وتذكرت القائل في لمحة (ألم) يا سبحان الله .. نخلي الخرطوم وعماراتها يعشعشوا فيها الكدايس .. حسبنا الله ونعم الوكيل .. والآخر يصرح من بعيد ليقول .. يا ناس الخرطوم حتجونا بي بقجكم .. ألم يعلم أخينا والآخر بأن كتائب الدفاع عن الخرطوم جاهزة .. وتم تكوينها وتسليحها .. من أولاد المصارين البيض ..

كما أطلق علينا ( أخينا) سابقاً .
نعم تمَّ (تكوين) كتائب الدفاع عن الخرطوم المسلحة من كل قبائل السودان شرقها وغربها وشمالها وجنوبها ووسطها .. من الشايقية والزغاوة والجعليين والنوبة والبطاحين .. والفور والدناقلة والبني هلبة .. والرزيقات والمسيرية وقبائل الشرق .. والتعايشة ومن كل قبائل السودان المختلفة .. التي إنصهرت في هذه المدينة الجميلة بي (ناسها) ومع (ناسها) .. فهل سمعت ياصديقي بأن قبيلتين تقاتلتا في الخرطوم المثلثة ..

لم تسمع ولن تسمع بإذن الله .. نعم تم تسليح كتائب الدفاع عن الخرطوم بالحب والعلم والعمل .. وتحصينها باسم الله وبهذا التنوع الجميل وبالقيم والأخلاق والأمن والأمان .. لتكون البلسم الشافي والأمل المرتجي في الوحدة والتسامح والأمن والأمان والتعايش السلمي ..

ولكن برضو نقول للعاوز يجربنا ( جوه عماراتنا) وأحياءنا .. الرهيفة التنقد ..
يالخرطوم يالعندي جمالك جنة رضوان .. أنا هنا شبيت يا وطني .. زيك مالقيت يا وطني ..
لتتداخل موسيقي الوطن والموطن والأفكار الإيجابية مع الشعور الداخلي في الزمان والمكان في لمحة (حزن) ولحظة (سعادة) في متلازمة عِبر جميلة وودودة ..

وبدأت الرؤية تعود من جديد بكل الوضوح وبلون وآحد أبيض ناصع البياض ولكنه في الواقع المعاش أبيض (داكن) ناصع (السواد) ..
تراءات لي صورته وهو يقف أمامي مبتسما ً ثم سألني يا كابتن عادل .. معليش جبت ليك طلباتك لكن لقيتك نائم .. شوف القهوة بردت ولا لسه ساخنة .. ثم بادرني بسؤال آخر ( مكرر) هل في ضوء في آخر النفق يا كابتن لي الحال المايل ده ؟ .. قلت متفائلاً نعم .. ردد سريعاً كيف ؟ قلت له .. العودة لله .. ليعود بالسؤال سريعا كيف يا كابتن ..
قلت : .. يا صديقي هذه الثورة ثورة عظيمة ولكن يجب أن لا تتكرر ( الشخصيات الرمادية ) ..
فالنزاع القائم وصل مرحلة خطيرة وهي الخلط الحقيقي بين أسباب النزاع ومظهر النزاع .. إن نزاعاً علي سرقة (بقرة) علي سبيل المثال يمكن أن يأخذ صوراً ومظاهر متعددة بالتسلسل الآتي : سب وشتائم – إعتداء وضرب بالأيدي – ثم الضرب بأدوات أخري أشد قساوةً – ثم الموت – ثم إستنصار من الجماعة أو القبيلة للأخذ بالثأر – ثم حرب بين المجوعتين أو القبيلتين .
إن (مظاهر النزاع) ما هي إلا الصورة التي يتم بها (إستهداف) مصالح أطراف النزاع ، فهي أساليب وإجراءات يتخذها الخصوم للإضرار بمصالح غرمائهم ، بما في ذلك عمليات وجهود إستقطاب (النصراء) للمساعدة في النزاع .. وأخطرها التدخل من بعض (شخصيات المنطقة الرمادية) حزبية كانت أم غيرها وبعض المخابرات الأجنبية في الصراع القائم بمبدأ الإستنصار ثم طريقة ( المديدة حرقتني ) ودي طريقة ستحرق أصابع المستنصرين .. وعلما بأن (الأصل) ما ببقي (صورة) و(الصورة) ما بتبقي (أصل) مهما كان ..
وأخيراً عندما تنتهي تداعي هذه (المظاهر) ستحدث الحرب ( لا قدر الله ) فإن مجال المصالح (المستهدفة) ستكون أوسع كما أن لكل مصلحة الطريقة المناسبة أو المظهر الخاص الذي يؤذي خاصة مع تواجد أصحاب المصلحة ( خاصتهم) من ذلك الخراب الذي سيعم ..
قال لي بصوت حزين والله يا كابتن ما فهمتك لكن طيب الحل شنو يا كابتن عادل : قلت له الحل بالعودة لله ..

وواصلت حديثي العودة لله هي العودة للقيم والأخلاق .. العودة للعدل .. وتدخل الوطنيين ..

وإبعاد مكامن السلطة من ناس المنطقة الرمادية والشخصيات الرمادية .. قال بابتسامة عريضة يعني شنو ناس الرمادية ؟ .. قلت له مبتسماً خلينا نديك من الآخر ..

تعريف المنطقة الرمادية كما يعرفها مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية المنطقة الرمادية بأنها ( الساحة المتنازع عليها ما بين الحكم الروتيني والحرب المفتوحة ) كمان أزيدك من القصيد بيت .. وزير الدفاع البريطاني بين والاس قال عن المنطقة الرمادية هي تلك الأرض المبعثرة بين السلام والحرب ) .. قال ياساتر … وواصلت حديثي ..

أما الشخصيات الرمادية .. هي طينة وعجينة جديدة طرأت علي مجتمعنا .. عُرِف مجتمعنا في الماضي بالطيبة في العموم .. (طيبة) كتيرة و(أشرار) شوية .. الآن الأشرار كُتار يهيمون في المنطقة الرمادية (بتلونو) حسب (المصالح) ما تستغرب عندما تجد شخصاً يدَّعِي المسئولية والوطنية وهو لديه إنحرافات سلوكية قد تصل بأن لايمانع أخذ الرشوة من القريب و(الغريب) وأكل الناس بالباطل ويكذب ويسرق و(يفسد العلاقات) بين الناس ..

هذه العينات خطرة جداً علي بلدنا .. لأنها تمارس في النهاية النفاق بكل ألوانه .. تظهر بوجوه متعددة يصعب التعامل معها .. ليس لها مباديء ثابته .. يبقي التعامل معها ووجودها في منصة الحل محفوف بكل الصعوبات والتحديات .. والله يستر علي وطنا من هذه الفئة الرمادية ..
طيب سؤال أخير ناس المديدة حرقتني ديل منو ؟ ضحكت وقلت له ما هم ديل زاتهم (نصهم) ناس المنطقة الرمادية و(ربعهم) ديل خليهم في سرك .. إبتسم وقال باقي ربع تاني ؟ ضحكت وقلت يا صديقي ديل أخطرهم ( أجهزة المخابرات المالية البلد دي ) ديل بقوا أسياد بلد .. فقلت له كفاية كده ما تودينا في داهية .. جيب الفاتورة .. ورد قائلا .. يا كابتن عادل تدفع كاش ولا بنكك ..
قلت بنكك .. لكن إنتظردقيقة قبل ما تمشي تجيب الفاتورة .. أدعي معاي ربنا يصلح القلوب ويوحد السودانيين الوطنيين ويمنع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .. وإن شاء الله كمان يتوب علي (ناس الرمادية) و(المديدة حرقتني) ويهديهم .. فإنه كان سبحانه للراجعين إليه في جميع الأوقات غفورا .. فإن علم الله أنه ليس في قلبهم إلا الإنابة إليه ومحبته .. فإنه يعفو عنهم ويغفر لهم مما هو من مقتضي الطبائع البشرية .. قال تعالي : (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا) صدق الله العظيم ..
رفع يديه عالياً وقال آميييييين .. ثم ذهب وتركني لأضع السماعة مرة أخري .. وتسري أغنية الثناني ( مرغني المامون وأحمد حسن جمعه ) كلمات الشاعر الكبير موسي حسن رحمهم الله بصوت الفنان الشاب في الأغنية القديمة المتجددة دائما ..
جدودنا زمان .. جدودنا زمان .. وصونا علي الوطن
علي التراب الغالي الماليو تمن ..
نحن حافظين للوصية ..
جوه في قلوبنا الوفية ..

عادل المفتي
الإثنين 6 مارس 2023م
حديقتي المفضلة ( أوزون)

التعليقات مغلقة.