دولة القانون المسؤولية السياسية [1]
*دولة القانون* *المسؤولية السياسية [1]*
تخلف الشعوب يحسب بسبهلليتها وعدم الالتزام بالقانون وذلك طبقا لمعيار أداء الحقوق والمطالبة بها.
في تلك الأمم تغيب المساءلة وتزدهر حواضن الدكتاتوريات العسكرية والمدنية، فيصبح المال سائباً والسلطة مغنماً. نهضة الأمم يصنعها من يؤسسون لمحاسبتهم وتقويم إعوجاجهم، ولو بالسنان، إن اقتضى الأمر. كثيرون يعتقدون أن مساءلة سياسي أو حزبي بإفشال مشروعه أو إسقاط حكومته مكتفين بالإدانة الأدبية لا القضائية. قانوناً يجب التأكيد على أنه ليس هناك من إعفاء مطلق من المسؤولية سواءً أكان العمل تطوعاً أو نظير مقابل. فالقاعدة العامة، أن أي شخص، بغض النظر عن موقعه، يظل مسؤولاً عن تصرفاته وما يترتب عليها من أضرار طالما أغفل الحيطة والحذر اللازمين. يجدر بالذكر أن القانون السوداني يقرر مسؤولية المتطوع أو ما يعرف بالفضولي بموجب أحكام الفضالة الواردة بالمواد من 167 – 177 من *قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة* *1984*. أما الضرر الذي يقع من موظف عام أو بالقطاع الخاص، فإن مسؤوليته تُحدد طبقاً لأحكام المسؤولية عن الضرر الوظيفي والمهني المقررة بالمواد من 160 – 163 من القانون المذكور. لا خلاف أن العمل السياسي عمل مدني يفيد من يقوم به سواء لنفسه أو لغيره. والأصل أن العمل السياسي أو أي عمل عام آخر يكون بمقابل كراتب أو نحوه. غير أن انعدام المقابل لا يعفي من المسؤولية، كما أسلفنا، وهذه هي قمة المدنية التي تتوق لتحقيقها الشعوب إعمالاً لمبدأ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. حتى عهد قريب كان من يعمل في بالمجال الطوعي يؤدي ذلك بغية ثواب الآخرة، دون أن يقلل ذلك من شأن من يطلب المقابل المادي. الاتجاهات الفقهية الحديثة ترى أن العمل الطوعي أو الاجتماعي يجب أن يُنظر إليه كنشاط اقتصادي ضروري أو كجزء من العملية التنموية. أي من الأفضل أن يكون لقاء مقابل حتى يتم إلزام المتطوعين ومساءلتهم وبالتالي ضمان التنمية المستدامة. بالطبع العمل السياسي ليس ببعيد عن العمل الطوعي حيث يندفع عضو الحزب أو غيره من منسوبي منظومات العمل المدني لتحقيق كسب مادي أو معنوي. بهذا الوصف، فالعمل السياسي لا يخرج عن الأوصاف التي أسس لها الفقه القانوني تحت أي فرع من فروع القانون العام أو الخاص. الفقه الدستوري، كأساس القانون العام، لم ينشأ إلا لدراسة ثورات الشعوب وسعيها للحرية وسيادة حكم القانون. في ضوء ذلك، ليس هناك قالب يجب أن يتقوقع فيه العمل السياسي خارج مفاهيم القانون الدستوري والنظم السياسية. ما يجدر ذكره أن محاكم العدالة، في بريطانيا مثلاً، لم تنشأ إلا لسد نقص الموضوعات التي لا يحكمها نص تشريعي، فساعدها المحامون باقتراح القاعدة الواجبة التطبيق بالرجوع للأعراف ومبادىء العدالة والإنصاف والوجدان السليم. أي أن هذه المحاكم هي التي تلقفت رغبات الشعوب وصاغتها في أحكام قضائية ومن ثم عبرت عنها البرلمانات بتشريعات مكتوبة. في ذات السياق، في الدول التي تغيب فيها الديمقراطية يجب أن يتصدى المحامون ويقيموا الدعاوى تاسيساً على المبدأ الذي يجعل من كل فعل سبب ضرر للغير بأن يُلزم مرتكبه بالتعويض حتى لو كان الفاعل غير مميز. أكثر من ذلك، كان وما زال متعيناً على المحكمة العليا أن تستلهم نص المادة (6) الفقرة (2) من *قانون الإجراءات المدنية لسنة* *1983* منشأةً دائرة دستورية لتعالج الوضع الشاذ الذي خلّفه غياب المحكمة الدستورية في أحلك الظروف لحماية الحقوق الأساسية والحريات العامة. *ونواصل*
. د. عبد العظيم حسن المحامي
الخرطوم 10 أبريل 2023
التعليقات مغلقة.