الايام نيوز
الايام نيوز

علي عسكوري يكتب :صراع الموارد وخلفيات الصراع محاولة لمخاطبة جذور المؤامرة

صراع الموارد وخلفيات الصراع
محاولة لمخاطبة جذور المؤامرة
علي عسكوري
١٩ مايو ٢٠٢٣

تمهيد

انشغل الجميع بالحرب التى اشعلها المتمرد حميدتى ومرتزقته وانغمسوا في تفاصيلها حتى العسكرية منها، ثم مضوا في خطوة ممتازة ومتوقعة- تعبر عن الشعور الوطنى الجامع – لدعم القوات المسلحة في معركتها للدفاع عن وجود الدولة وسيادتها وعزتها وكرامة الشعب وكبريائه التى حاول تتر الالفية الثالثة النيل منها.
في خضم المعركة وانصراف الغالبية لدعم وسند القوات المسلحة نسي الكثيرون اسباب التمرد ومحاولة الجنجويد ومناصريهم من المجلس المركزى الاستيلاء على السلطة وما ان كان يتصرفون من ذاتهم ام تحقيقا لمؤامرة خارجية لاخضاع بلادنا واستتباعها لقوى خارجية طامعة في مواردها.

في هذا المقال والذى يليه نحاول سبر غور اسباب التمرد ومن يقف خلفه ولماذا معتمدين على وقائع عاشها الناس ومعلومات استقيناها مباشرة من مصادرها وقراءة لما يدور في العالم، ثم نحاول في المقال الثانى تطوير بعض السناريوهات كمخرج من هذه الحرب، محاولين شرح و معرفة ماذا يريد العالم منا وماذا يريده السودانيون حتى نتجنب المؤامرات ضد بلادنا و تجنب تفكيك المجتمع ومن ثم اضمحلال الدولة وتآكلها.

أمل ان يكون المقالين مدخلا لحوار موضوعي حتى نصل لارضية وطنية جامعة تكون قاعدة لاستقرار بلادنا وهو الطريق الوحيد لنموها وازدهارها. سيلاحظ القارىء اننا نطرق مدخلا جديدا وهو مدخل الموارد الطبيعية وكيفية استغلالها، وهذا من رايي هو اس الداء وما حميدتي ورهطه من المرتزقة ونشطاء قحت الا اداة استخدمت لفتح الطريق للاستفادة من الموارد، وفي هذه القراءة اعتقد ان داعمى المؤامرة كانوا سيتخلصون من حميدتي (في حالة انتصاره على الجيش) في اقرب (ملف) فالمتأمرين جميعا وفي قرارة انفسهم يعلمون ان الرجل لا يصلح أن يكون رئيسا لدولة وستنتهي مهمته متى ما تمت (هزيمة) الجيش ودانت له السلطة، ليأتوا بعد ذلك (غالبا) برئيس الوزراء السابق كرئيس لمجلس السيادة، ثم يتم التخلص من عبد الرحيم دقلو بعد اعادة تدريب المليشيا وتحويلها لجيش نظامى كنواة لجيش جديد (راجع كلام عرمان) وفض وانهاء العلاقة بينه وبين اسرة آل دقلو. في كل ذلك ستقوم الدول الداعمة للمؤامرة بالمحافظة على نشطاء قحت كحكومة تنفيذية تتلقي سياساتها وقراراتها من الخارج وتغدق عليهم الاموال ليعملوا كواجهة لسلطة من خارج البلاد تنفذ خطة تم الاتفاق عليها مسبقا. (الجزء الثانى من المقال).

مدخل

لاحظ الجميع اختفاء المبعوثين الدوليين فجأة دون سابق اعلان! ترى اين ذهبوا..! ولماذا يمارسون الصمت المطبق على ما يدر..! هنالك ملاحظه اخرى و هي اين من يسمون أنفسهم (اصدقاء السودان) واين الترويكا..! فجأة اختفى كل هؤلاء بعد ان وقعت الحرب ولم نعد نعرف لهم اثرا…! و ما يمكن استنتاجه من هذا الموقف – ان هذه المنظومات والمسميات والجهات التى لا صفة قانونية لها وتعتمد فقط على ثقلها الدولى وقدرة تأثيرها في السياسة الدولية بما ينسجم مع ويحقق لها مصالحها القومية- كانت تعمل وتنسق مع بعضها البعض بأوراق مكشوفة لتقاسم موارد السودان، راجع Scramble for Africa. ترى من قال ان التدافع على افريقيا قد انتهي. انها نفس خطط نهاية القرن التاسع عشر يعاد اخراجها بصورة جديدة. فبدلا من الغزو العلنى بالجيوش كما كان في السابق وهو امر اصبح مكلفا ومعقدا، تتم الان السيطرة على الشعوب بواسطة عملاء من داخلها من بنى جلدتهم، وهذه بالطبع اسهل وارخص كثيرا، وقد ذكرت في مقالات سابقة القول المنسوب للزعيم السوفيتى الاسبق جوزف ستالين: ” ان اسهل طريقة للسيطرة على القلعة تكون من داخلها”. هذه حقيقة هي اساس وهدف وخلفية التمرد الذى قاده المتمرد حميدتى، ترى ماذا تستفيد الامبريالية من شخص جاهل مثل حميدتي أكثر من القيام بهذه المهمة القذرة الانتحارية..!
فمثلا قبل الحرب، ما تكاد طائرة احد المبعوثين تغادر مطار الخرطوم الا حطت أخري تحمل مبعوثا أخر ، وتكرر هذا المشهد مرات عديدة وفي اخر المطاف جاؤوا جميعا حوالى ستة منهم فى زيارة واحدة وقابلوا من قابلوا مجتمعين. لقد كان ذلك امرا لافتا جدا رفع حاجب الدهشة عند الكثيرين..! أكثر من ذلك، وأثناء تواجدهم في الخرطوم وصل وزير الخارجية الروسي لافروف وقابل بدوره قيادة الدولة.
بالطبع يثير هذا القدر من الاهتمام الدولى ببلادنا سؤال مهم: ماذا هناك، ولماذا كل هذا التدافع على بلادنا؟ وقد اسفت جدا ان الكثيرين من المحللين لم يعطوا ذلك التطور اللافت حقه من الاهتمام والتحليل. فمن الواضح ان هنالك شيىء متعفن في مملكة الدنمارك كما يقول شكسبير.
ملاحظة اخرى ذات اهمية ومغزى تصب في ذات الاتجاه، فقبل زيارة المبعوثين الغربين والوزير لافروف، زار مسؤول اممى رفيع السودان واجتمع بدوره بقيادة الدولة ثم اجتمع بما كان يعرف وقتها بالمجلس المركزى للحرية والتغيير و لكنه لم يجتمع بالكتلة الديمقراطية. كان ذلك المسؤول هو ديفيد بيزلى مدير برنامج الغذاء العالمى وهو امريكي له نفوذ كبير بعلاقاته مع الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب والكنيسة الانجلكانية وقيادات الحزب الجمهورى وله اهتمام والمام واضح بقضايا السودان، ونذكر انه قام بعدة مبادرات ايام حكومة عبد الله حمدوك لتحقيق السلام مع القائد عبد العزيز الحلو احدهما في اديس ابابا والاخرى في كاودا. وعلى كل هو شخصية نافذة ومؤثرة عالميا. الجدير بالذكر ان زيارته للسودان موضع النقاش شملت مشروع الجزيرة ايضا.
بعد بيزلى للسودان وبعد عدة أيام وبالصدفة قابلت صديق مقرب من برنامج الغذاء العالمى في السودان وله المام بنشاطاته، وسألته عن الزيارة وعبرت له عن استيائي من عدم اجتماع بيزلى بالكتلة الديمقراطية وما ان كان برنامج الغذاء العالمى قد اصبح منحازا لاحد طرفي الصراع السياسي في السودان..؟ فاجأنى الرجل ان الزيارة لا علاقة لها بالصراع السياسي وانه جاء للسودان للتحضير لقضايا الاستثمار الزراعي وتطوير القوانين المتعلقة به والشراكات الممكنة وان فترته كمدير لبرنامج الغذاء العالمى على وشك الانتهاء و سينتقل ليقيم في السودان لتطوير دور القطاع الخاص الاجنبي في الزراعة، وان هنالك خطة كبيرة للاستثمار الزراعي تم تطويرها بين شركات عالمية سيقوم هو بلاشراف عليها بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات الصلة. وختم الرجل حديثة بتهمة توحى بالكثير مما خلف الأكمة و قدمت لي تلخيصا وتفسيرا اعتقد انه يمثل كنه الصراع الحالى: ” انتم السودانيون لا تدرون بما يدور في العالم وتعيشون وكأنكم خارج الكوكب و لستم من المجتمع البشري وتضيعون وقتكم ووقت العالم في السفسطة sophistry السياسية التى لا طائل منها، لكم موارد زراعية ضخمة يحتاجها العالم بشدة لتجنب المجاعات القادمة خاصة بعد حرب اوكرانيا، و تتشاجرون فيما بينكم بلا سبب، و رغم ان لديكم من الموارد ما يكفي لاطعامكم واطعام عشرات الملايين ولكنكم تستوردون غذائكم من القليل الذى تبقي للعالم… صدقنى العالم لن ينتظركم”. انتهى الرجل من حديثه وهب واقفا ليستأذن، ثم نظر الي مليا، قبل ان يمضي وقالى لى بكثير من الجدية.
Think seriously about what I said.
ومن واقع دراستى وتخصصى في علوم الموارد، كنت اعلم ان العالم – وبالنظر لازدياد سكان الكوكب الذى قارب التسعة مليار نسمة ومع تصاعد استهلاك الفرد في الصين والهند (يمثلان ثلث سكان العالم لوحدهما) نتيجة لما حققاه من نمو اقتصادى ملحوظ سيدخل في ازمة غذاء طاحنة ستتسبب في ارتفاع اسعار الغذاء لمستويات جديدة من شأنها ان تثير الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار في كثير من البلدان، وكلما زادت الاضطرابات وعدم الاستقرار كلما تفاقمت ازمة الغذاء لان عدم الاستقرار يعيق الانتاج وهكذا تتعمق الازمة أكثر فأكثر، وكلما تعطل الانتاج في بلدان مختلفة ازدادت الاسعار اكثر ومن ثم ازدادت الاضرابات السياسية وهكذا سيدخل العالم في هذه الدائرة الشريرة التى تأخذ بتلابيب بعضها البعض.
ورغم ان الراسمالية تستفيد من الحروب وتعتمد عليها لاستمراريتها كما (زعم) كارل ماركس في تحليله لها ولازماتها المركبة، الا ان مخاوف انتقال الاضرابات السياسية الى بلدانها وقلاعها يثير قلق الامبريالية نفسها خاصة الطبقات الارستقراطية الحاكمة التى رتبت العالم على نسق يخدم مصالحها ويحافظ لها على امتيازاتها التاريخية التى حققتها منذ فترة الحقبة الاستعمارية وظلت تدافع عنها باستماتة وتحيك المؤامرات والقلاقل في مستعمراتها القديمة بما يضمن استمرار مصالحها.
لكل ذلك، فان الصمت المطبق الذى يمارسه العالم حول بربرية مليشيا الدعم السريع ضد السودانيين، واختفاء المبعوثين الدوليين واصدقاء السودان وعدم ادانتهم لهمجية وبربرية مرتزقة حميدتي يجد تبريره في انهم كانوا يسعون لتنصيب حميدتى رئيسا صوريا و معه حكومة عميلة من نشطاء المجلس المركزى تمكنهم من الاستفادة من موارد السودان وكانوا يتوقعون انتصاره ليذهبو للخطوة التالية، فكل شيىء جاهز ومرتب. الان صدمهم فشل المليشيا في السيطرة على الدولة ومن ثم تبخرت خطتهم للسيطرة، لكنهم دون شك لن يتوقفوا وسيستمر التآمر علي بلادنا لأن فيها – حسب منطق الامبريالية – ما يغرى بالتآمر عليها.
والحال كذلك، ترى ماذا علينا ان نفعل لوقف التآمر علي بلادنا وتوفير سبل الاستقرار لها…؟
سنحاول الاجابة على السؤال في المقال القادم

التعليقات مغلقة.