محمد صالح حموكي يكتب………..🖌*الخدعة الكبرى*
محمد صالح حموكي يكتب………..🖌
*الخدعة الكبرى*
المهمشين بين ورطة ديمومة العبودية
ونشوة الانتصار الزائفة
كتبت كثيراً عن افريقيا والإستعمار الحديث ومشروع عسكرة الدول الافريقية وكذا عن المركزية وصناعة التهميش في مقالات عديدة مؤرشفة بتواريخ وازمنة مختلفة.
في هذا المقال ما أود الإشارة إليه هو ان هناك بعضاً من التوجهات الخطيرة جداً والتي تكاد أن تكون كارثية إذا لم نتداركها في بواكير مهدها ونستأصلها . لذا وجب علينا لزاماً أخلاقياً درعها ما دمنا أحياء سائرين في درب النضال على الخط الثوري الوسط آملين التغيير الحقيقي بإيجاد الدولة أولاً ثم إرساء المدنية والديموقراطية والعدالة والسلام.
يعلم المدركون ماهية البنية التأسيسية التكوينية للسودان في نسخته الأخيرة على الجغرافية الموروثة وما شابها من إختلالات هيكلية جوهرية نتيجة ذاك التأسيس الخاطئ للجمع القسري للشعوب بمختلف مكوناتها القبلية دون أي دستور يأطِّر لشرعنة كيفية شكلية لتأسيس وبنا جيش وطني ذو مهام مهنية أو حزب سياسي يمارس نشاطه في فضاء الدولة ، فكانت المخرجات ولادة دويلة مشوهة عبارة عن مِرحاة (طاحونة) موت تحت سطوة وقبضة مركزية عِرقية مكانية مصنوعة و”مسستمة” متكئة على عرائك ايديولوجيات دخيلة على التراب ، لا غَرَابة في المآلات الناتجة عن آثارها من إستعباد ، إستعلاء ، إضطهاد وقهر.
إندلعت ثورات شعبية وانتفاضات عديدة منها سلمية واُخرى بالبندقية ، والثانية أسبق ، ولم ينعتق عظم البلاد بعد.
إذ لا تزال القبضة الحديدية على عنق الدويلة قائم حتي بواكير العقد الثاني من الألفية الثالثة على أعقاب ثورة ديسمبر.
إنخدع نفر كثير من الشماليون والاوسطيون (قاطني وسط وشمال السودان) بالتحديد برمزية الإنعتاق الجزئي والضمني من الإستعمار المضروب على السودان في قمة هرم القوة النارية المتمثلة في كيان ما تُسمى بالمؤسسة العسكرية إصطلاحاً بكافة أجهزتها الأمنية والتي صُممت خصيصاً لحكم وإدارة الدولة نيابة عن المورِّث الإنجليزي و وكيله الأول المصري حيث أيلولة وملكية القرار والسيادة. فسقطوا ضحايا مستسلمين طوعاً حين “بلعوا الطُعم” و “وقعوا في الفخ” بالانقياد الأرعن خلف بوليس المستعمر (قوة دفاع السودان) فصدَّقوا بأن الجيش -جيش السودان- كما تتردد على مسامعنا “العبارة الفجَّة” في هذه الايام ، فإنساقوا وراءها بعاطفة الانتماء الوجداني نسبة الإغراء والتغرير بتبعية الهيكل القيادي للمؤسسة الإفتراضية لبعضاً من أبناءهم ، بل السيطرة عليها كقادة وكبار الضباط والرتب ، ما أعطاهم الشعور بالرضاء وعلاوة على ذلك الحماية وحصول بعضهم على إمتيازات وضمانات حُرم منها بعض اخوانهم مواطنين من مكونات وجغرافيات السودان الاُخرى ، وتلك هي اُولى مراحل صناعة المركزية القابضة من الحقبة الاستعمارية الثالثة. مع خلق عدو وهمي إفتراضي بمواصفات معادلات التكوين المختلة جهوياً وإثنياً من البعد الهويوي (identity) ، بالإخذ في الاعتبار نموذج فزاعة دولة التعايشي من البعد التاريخي مثالاً.
فبات يشكل اهل هذه المناطق الحاضنة الرئيسة للغطاء الرأسي للجيش (القيادة) مما يرون وجوب مناصرتها والانحياز إليها أمراً محسوماً لا يجوز الحديث عنه ولا يقبل النقاش -الجيش خط أحمر- فهو خط الدفاع وحاجز الصد الأول والأخير لهم ويمثل العمق الوجودي الذي يهدد بقائهم مما جعلهم يحددون سقف الوطنية والانتماء للجغرافيا بموقف المواطن تجاه الجيش ، دعك ممن ينعت الجيش بالمليشيا أو ام الملايش فذاك هو الشيطان الرجيم والعدو اللدود.
في حين السخط والغضب يسود أهالي مناطق السودان الاخرى من جنوبه المُستقِل وشرقة المُستغَل والنيل الازرق وكردفان الجريحتان ودارفور النائية النازفة ، دون الإحساس بالولاء والانتماء حيث لا يراودهم أدنى شعور بالتمثيل تجاه ما تُسمى بالمؤسسة العسكرية المعطوبة سوى “مؤخرتها المعفونة” گ(بندقجية) مجرد دروع للحروب و وقودها لذا فتراهم اليوم غير ءآبهين ولا متحمسين تجاه ما يحدث لها ، بل بعضهم ممن فاقت عليهم وطأة الاستعباد ومرارة الظلم والاضطهاد وشناعة القهر ، ومن التهميش ماهو أفظع وانكأ يتمنون زوالها اليوم قبل الغد ولو على يد جلاَّدهم المصنوع بيدقاً لقمعهم جنجويداً. ذاك هو الخطأ التاريخي الوجودي العظيم والخدعة التي عمَّت كل السودان عندما إنطلت على بعض الشماليين وسكان الوسط أولاً ، فراح ضحيتها الجميع ودفع ثمنها أضعاف آخرون والكل الآن يسدد فواتيرها.
اليوم وفي خضم المعارك الجارية بين طرفي الصراع المعلومان لدينا هناك مجموعة محسوبة “لهامش غرب السودان” تحاول إيقاع “الغرَّابة” والشعب السوداني أجمع في نفس ذات الورطة التي أوقع فيها مجموعة من أهل الشمل والوسط كل الشعب السوداني بإنخداعهم لرمزية الانتعاق والتحرر الجزئ المكذوب . متخذين من النظرة الاحادية للنظير المعاكس (الشماليين) ذريعة التعامل بالمثل في الإستعانة بكفيل موازي لتغيير وقلب موازين الصراع والقوى . فاتخذوا من مليشيا الدعم السريع والتي لا تختلف كثيرا عن المؤسسليشيا العسكرواثنلوجية (الجيش) في شيء من إختلالات التكوين والبناء وأيلولة ملكية سيادتيهما وحبل الولاء ، فالاُولى تقبع لسيادة وملكية الاستعمار الامريكي و وكيله الاماراتي الحديث والثانية كانت تحت وصاية الاستعمار البريطاني و وكيله المصري القديم.
ترى هذه المجموعة بان الدعم السريع هو خط الدفاع الاول والاخير لإستعادة المظالم التاريخية وكبح جماح النخب النيلية وتعتبر الصراع الجاري حالياً صراع الوجود والبقاء (نكون أو لا نكون) ولا مواربة فيه ولا حياد ، بلغة (معانا أو ضدنا)
ومن الخطل الفكري بمكان دون الانتهازية واللا مبالاة نرى بعض المغرضين العاجزين حتى عن إقناع ذواتهم بان الدعم السريع يناصر التحول الديموقراطي… يا اُمة ضحكت على جهلها اُمم !
اعتقد جازماً ان الكل سمع بمشروع الانتقال المتحكم فيه (controlled transitional government system) والذي تديره دولة الامارات منذ صدر التغيير الشكلي الاول لثورة ديسمبر بالتعاون والتنسيق مع جنرالات عسكريين ومجموعة الهبوط الناعم في نداء السودان والتجمع الديموقراطي ورأسمالية الحركة الاسلاموية.
فكيف لعاقل محاولة خداع حتي نفسه بفرضية دعم الإمارات للتحول الديموقراطي في السودان وهي من تسعى لإعاقة أي عملية تغيير حقيقي يتطلع إليه الشعب السوداني كما ظلت تقوم بذات الدور القاهرة منذ القديم.
فغالبية المهمشين اليوم القابعين تحت لظى العبودية التاريخية وجمر المعاناة التي تجرعوها على يد العصابة المركزية الباطشة لا يرومهم سوء المصير ولا ظلامات المآل البئيس ، فقط ينظرون لكل من يرفع عنهم سياط عدوهم ولكماته فهو الصديق المنقذ والمخلص بلا منازع وإن كان شيطاناً مارداً . وهذا هو سر الالتفاف وراء الدعم السريع مهما صوروه لهم من سوء وذكروهم بسوءات ماضيه المؤلمة التي لا تساوي مثقال حبة من جرائم ما تُسمى بالمؤسسة في ميزان المقارنة ، ليس حباً فيه ولا رغبة بل مخلِّصاً منقذاً ونصيراً. وبين نشوة الانتصار الزائفة التي لا تعني لهم من انتصار الدعم السريع ولا تغني عنهم شيءاً سوى فكاكهم من قبضة المركزية وبطشها ومن حظيرة الاستعمار الانجليزي المصري الى قفص الاستعمار الامريكي الاماراتي الخليجي الحديث وتلك هي الورطة والخدعة الكبرى.
خرج الصراع عارياً بلا زينة ولا حُلي ، مهما حاولنا تجميله او إخفاء قبحه وستر عورته فلن يكون ، فقد سقط غمار الأيديولوجيات منذ اول وحلة ، حيث المفاصلة العرقية في ابهى صورها ولا مجال للخداع وتغبسش وعي الجماهير بما يسمى بصراع ومعارك الديموقراطية ضد الكيزان . فهناك كيزان حركة إسلامية (مؤتمر وطني – شعبي ) نعلمهم جيداً حق اليقين يتقدمون صفوف الدعم السريع في المعارك ميدانياً وإعلامياً واليوم يتمشدقون بالنضال والثورية والتحول المدني الديموقراطي يا له من تحول عجيب! نعم إنها حقيقة الحرب التي يحاول إنكارها الكثيرون.
أخيراً : إن إنتصار أي الفريقين على الآخر هو الدوران في فلك الاستعمار مهما كان ، ولن يتحقق الانعتاق الا بظهور الكتلة الثالثة التي تمثل الشعب وليس لديها أي وصاية خارجية إستعمارية من المحاور والاقطاب الدولية والتي كانت تتمثل في احرار ثورة ديسمبر من الثوار الحقيقيين الشرفاء الذين كانت تغتالهم بنادق المليشيتين المتصارعتين الآن قبل تضارب المصالح.
حموكي
السبت ٢٠ مايو ٢٠٢٣
التعليقات مغلقة.