د. عبد العظيم حسن يكتب دولة القانون مناهج الإصلاح [2]
دولة القانون
مناهج الإصلاح [2]
بينما الأم منشغلة بشراء مستلزماتها اليومية حبى رضيعها وكاد أن يدهسه القطار لولا أن رجلاً شهم قفز بإعجوبة حاملاً الطفل للجانب الآخر من الرصيف. عملية إنقاذ الطفل وإن أدت لكسر يده اليسري إلا أن المحكمة أعفت المنقذ من المسؤولية تأسيساً على أنه ارتكب ضرراً أصغر لتحاشي موت الطفل المحقق. هذه القاعدة الأساسية المعمول بها في كل التشريعات، كما أسلفنا، مستوحاة من قصة تاريخية قديمة أسس لها من عُرف بالصالح أو النبي الخضر. فالمولى عزوجل وفي سياق تعليم الشعوب التاعطي السياسي مع الأزمات أباح ارتكاب ضرر أصغر لتحاشي الأكبر.
العمليات السياسية وإجراء موازناتها وإن كانت ليست بالأمر العسير إلا أن عوامل كثيرة تتدخل فتتعذر الرؤية وتختلط الأمور لما يلي: العامل الأول: تصدي غير المؤهلين للقيادة، فأكبر أزمة يمكن أن تحل بأمة أنبراء جهلائها بلا حياء في ظل إحجام كفاءاتها بادعاء عدم تلويث سمعتهم. العامل الثاني: استمرار صمت الأمة على الفاشلين. فرغما عن استمرار الأزمة المفضية للانهيار إلا أن المضرورين يظلون منغمسين في غيهم وكأن الأمر لا يعنيهم حتى يقع الفأس في الرأس.العامل الثالث: تضارب المصالح: رغماً إسناد المسؤولية لمؤهلين إلا أن هشاشة النظام المعمول قد يكون مدخلاً للفساد وتضارب المصالح. فمهما كان المسؤول نزيهاً فإن النزاهة وحدها لا تكفي ما لم تحفها نظم الحوكمة والرقابة. العامل الرابع: التطوير المستمر: السرعة والتقنية أكثر ما يميز عالم اليوم. فالإيقاع السريع وما توفره التقنية من إحصائيات إذا لم تواكبه عمليات تشريعية تستجيب لتلك المتغيرات والحاجيات الحتمية فإن المصير المحتوم لعمليات الإصلاح سيكون التغريد خارج السرب. العامل الخامس: السلامة والشفافية: فحتى إذا توفر الشخص المؤهل ليشغل المكان المناسب فإن من يمارس الاختيار لا يجوز أن يشغل بنفسه ويسيطر على العمليات التنفيذية. فتبادل الأدوار وتجدد الدماء من أكثر الوسائل التي تضمن توسيع المشاركة وسلامة الإجراءات وشفافيتهما. قواعد العدالة الطبيعية لا تجعل النظام القانوني عادلاً لمجرد موضوعيته وإنما من حق الخصوم رؤية العملية العدلية ممارسة أمام أعينهم. فإذا طلب القاضي من أحد الخصوم أن يجلس دون أن يمنح ذات الحق للآخر تختل العدالة.
الأمة التي تتبنى وتمارس أحزابها وقياداتها السياسية ومنظومات مجتمعها المدني هذه المبادئ تستطيع أن تؤسس لعمليات إصلاح حقيقي. بالعدم فإن النتيجة الحتمية ليست فقط الحرب وإنما الاختلاف حتى في تحديد العدو. في المقال القادم سنتناول المؤسسات التي بإصلاحها تبدأ عمليات الإصلاح واستقرار المجتمعات. كذا سنناقش من هم الذين يمكنهم الاضطلاع بدور الإصلاح، ونواصل.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
9 يوليو 2023
التعليقات مغلقة.