د. عبد العظيم حسن دولة القانون بلاوي حمدوك [1]
دولة القانون
بلاوي حمدوك [1]
أستدرك عليّ أحد الثوار مستهجناً وصفي د. عبد الله حمدوك أحد الأسباب الرئيسة للبلاوي التي ألمت بالسودان. فالثائر المحترم طالبني بأن أورد بعض الأمثلة لبلاوي حمدوك. غير انني وقبل أن أورد الأمثلة لتلك البلاوي وددت أن أشير للثائر ومن خلفه القراء إلى أن حمدوك الذي اندفع تجمع المهنيين السودانيين لترشيحه لم يكن له أي دور في الثورة. بل حتى بعد نجاحها ودخولها أصعب مراحلها التي بلغت ذروتها في فض الاعتصام لم يكن أحد ينسب لحمدوك دور. بالطبع، وإلى مرحلة كتابة الوثيقة لم يفتح الله على حمدوك ولو بمشاركة في كتابتها أو إضاءة أو تقديم خبراته، إن وجدت. لا يفوتني أن أذكر أن اسم حمدوك لم يظهر على خارطة السياسة السودانية إلا عندما رشحه المؤتمر الوطني ليتولى حقيبة وزارة المالية في آخر حكومة للحزب البائد. كما تعالى اسم حمدوك فجأة توارى الرجل حتى دون أن يعلم أحد ما إذا كان قد رفض المنصب أو أن حزب المؤتمر الوطني عدّل عن وجهة نظره فيه. مهما يكن من أمر أعود لذكر بعض الأمثلة التي طالبني الزميل المحترم أن أوردها عن ضعفه وبلاويه، والتي ألخصها في:
أولا : كان من الواضح أن حمدوك رجل ضعيف الشخصية، ويتضح ذلك في كونه لم يستطع مواجهة حاضنته السياسية في أن تترك له حرية اختيار فريق عمله على الوجه الذي يتفق ومتطلبات المرحلة. فقبول حمدوك بالترشيحات التي قدمت له ليختار واحداً من ثلاثة دون أن يحتفظ لنفسه بحق النقض جعل من حكوماته الإثنين كل واحدة أسوأ من أختها. ولكوني قد كتبت عن أداء وزراء حكومته في مقالات أخرى، وأن معظم الوزراء كانت تنقصهم الكفاءة فلن أسترسل في هذا الصدد بغير التذكير بأنهم كانوا شباب متحمسين لا خبرة لهم كولاء البوشي، لينا الشيخ، مدني عباس، أكرم التوم، ونصر الدين حيث لم يكن التوقيت مناسباُ لتعيينهم وإسناد مسؤولية حطام ثلاثين عاماً لهم. فحمدوك ووزرائه كان الأوفق أن يكونوا في الخط الثاني أو الثالث لياخذوا الخبرة الكافية خاصة وأن هذه الفترة الانتقالية لم تكن تحتمل أي تجريب لنعود ونعلق فشلنا على شماعة الفلول.
ثانيا : نصت الوثيقة الدستورية على أن تعديلها سلطة حصرية للمجلس التشريعي الانتقالي. حمدوك، وبوصفه ممثلاً للقوى المدنية للثورة، وفي مخالفة صريحة سمح بتعديل الوثيقة بضغط وتحريض من الحاضنة السياسية وذلك حتى تتمكن من ان تستوزر عضويتها. يجدر بالذكر، أن الوثيقة الدستورية اشترطت بأن يكون الوزراء خلال الفترة الانتقالية من غير المنتمين حزبياً. الأدهى والأمر أن تعديل الوثيقة الدستورية كان بضغط من حميدتي تحت ذريعة إدراج سلام جوبا. في هذا السياق كان الخطأ التاريخي والذي لا يغتفر لحمدوك تسليمه لملف السلام لحميدتي وما إدراك ما حميدتي.
ثالثا : أشرت من قبل إلى أن أول ظهور لاسم حمدوك كان بواسطة المؤتمر الوطني المحلول ليتولى حقيبة المالية. أي أن حمدوك لم يكن بروز اسمه وتعليق كل هذه الآمال عليه إلا لدواعي خبراته الاقتصادية. فملف الاقتصاد كان وما زال أهم أسباب تدهور السودان منذ الاستقلال. الحال كذلك، فكيف لخبير في هذا المجال أن يترك ملف اللجنة الاقتصادية ليرأسها جاهل كحميدتي؟ للعلم عندما تم صدور إعلان تعيين حميدتي رئيساً للجنة الاقتصادية ومريم الصادق نائبة له دعت عدد من لجان المقاومة لمليونية، فكان أن تمت محاولات لملمته بإعلان حمدوك رئيساً مناوباً.
رابعا : لم ينجح حمدوك في أن يتبنى أو يصدر أهم الشريعات التي تتطلبها الفترة الانتقالية رغما أن معظم التشريعات تم تقديمها له وعلى رأسها قانون مجلس القضاء العالي الذي بموجبه سيتم انشاء المحكمة الدستورية وتعيين قضاتها. الأخطر من ذلك أن حمدوك لم يتخذ أي خطوات تشريعية تلغي التعديل الذي أجراه البرهان على المادة 5 من قانون قوات الدعم السريع وتبعيته الكاملة لقوات الشعب المسلحة. فإمكانية إلغاء التعديل الذي أدى لهذه الحرب كان بالوسع تحاشيه لو أن حمدوك وحكومته استغلوا أغلبية المدنيين المطلقة في الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء ومن ثم تمرير التشريعات التي تؤمّن السلطة المدنية حتى في ظل غياب المجلس التشريعي.
خامسا : حتى بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر واعتقال حمدوك بواسطة البرهان وحميدتي وبدلاً من أن يخرج حمدوك على الشعب مبيناً أن ما تم كان انقلاباً كامل الدسم آثر الرجل درب السلامة لنفسه. فلو أنه كان قد أعلن في ذلك التوقيت أن ما تم معه كان اعتقالاً وانقلاباً لزاد من لهيب الشارع الذي كان في أوج غليانه.
هذه بعض الملامح العامة والتي يحتاج كل مثال منها لكتاب لشرحه وتفصيله. أخيراً وليس آخراً أود أن أشير إلى أن حتى الانفتاح على العالم الخارجي لم يحدثه حمدوك وإنما كان نتيجة طبيعية لاندهاش كل الأمم والشعوب بسلمية أعظم ثورة في التاريخ الحديث. وخير شاهد على ذلك الزيارات المتواترة التي قام بها سفراء كل الدول لساحة اعتصام القيادة والتي مثلت بقعة طاهرة لم يجتمع خلق من البشر بمثلها أو على خير منها إلا على صعيد جبل عرفات، ونواصل.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
14 يوليو 2023
التعليقات مغلقة.