أمط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها……
أمط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها……
الوثنية الجاهلية واليهودية والنصرانية المحرفتان ثلاثية كان يدين بها أهل الجزيرة العربية ومحيطها قاطبة إلا أن ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين يمموا وجوههم شطر الدين الخاتم وغيروا وجهة التاريخ وبدلوا أغلال الكفر فتحا، وسكبوا على النمط الثلاثي للكفر في جزيرة العرب أسباب الفناء، وثقبوا بعزم أكيد حائط الجاهلية العمياء، وسقوا بداخله ومحيطه نبتا طيبا مباركا مليئا بالفطرة السليمة والحنيفية الحقة…. عصبة مؤمنة فتية جاءت سيلا عرمرما لايبقى على الباطل ولا يبدئ معه ولا يعيد… هم القوم المباركون والسابقون الأولون من الأنصار …. هم السادة الأماجد الأبرار… هم وفد المقدمة الأخيار…. هم اللحمة والعصبة والأساس في تبدل حال الصحابة من القلة إلى الكثرة، ومن الضعف إلى القوة، ومن الخوف إلى الأمن، ومن قلة الحيلة إلى صناعة التاريخ، وتأسيس الأمة وتوجيه بوصلة الحياة والتمكين للدين الخاتم، ونصرة نبيه الأمين وهيمنة الكتاب المبين….. تسلل هذا الرهط المؤمن الميمون عمن أتوا معهم من المشركين للحج بعد الثلث الأول من أواسط أيام التشريق في الشعب عند العقبة تسلل القطا مستخفين لملاقاة سيد الخلق أجمعين ونور الوجود محمد صلى الله عليه وسلم حيث تواعدوا لملاقاته….. وكان معه عليه الصلاة والسلام عمه العباس رضي الله عنه – وكان على دين قومه – إلا أنه جاء ليحضر مع ابن أخيه ويتوثق له….فتكلم هو أولا، ثم طلب الأنصار من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ لربه جل جلاله ولنفسه ما يحب من الشروط…. فبين النبي البيعة لهم – بعد تلي من القرآن ودعا إلى الله ورغب فيه – وهي البيعة الثانية في العام الثاني عشر للبعثة النبوية والتي عرفت ببيعة الحرب- –سبقتها البيعة الأولى في العام الحادي عشر للبعثة النبوية، والتي عرفت ببيعة النساء لأنها جاءت خاليةمن القتال، وهي الواردة في الآية قبل الأخيرة من سورة الممتحنة …. أما البيعة الثانية فإن قوامها منعة الدين وحماية النبي صلى الله عليه وسلم وبناء الدولة الإسلامية.. شأنها أجل والمسؤولية فيها أعظم والتضحيات فيها أعم…. انظر إلى كلماتها ومعانيها من قول النبي صلى الله عليه وسلم (تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعونني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة )…..فهي بيعة النصرة والفداء والبذل لدين الله بالنفس والمال وترك أهواء الجاهلية وإبطال الباطل … فهي جذر الدعوة وقلادتها وملامحها، وعصبتها هم كتيبة الموت والشهادة فداءا إذا رامها الأعداء بسوء …. وهي الفارقة بين الضلال والهدى، الفاصلة بين الحق والباطل…. وهي الميثاق والرباط المؤكد بين العصبة المؤمنة والنبي المؤتمن …. وهي المواجهة الحمراء مع معسكر الشرك وتجمعات الطاغوت وشياطين الإنس والجن وعلى نسقها تأتي العلاقات والاتفاقات بعد البيعة… ولخطورتها وعظم شأنها أخذ أسعد بن زرارة عندما قاموا للبيعة – وكان أصغر المبايعين – بيد النبي صلى الله عليه وسلم فقال :(رويدا يا أهل يثرب، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم جبينة، فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله) … إلا أن المبايعين من الأنصار كانوا يعلمون تبعات البيعة وما يعقبها من مهام جسام وما يليها من عقبات جمة وصعاب مؤكدة ومعارك قادمة ومكائد تشيب لها الرؤوس ودسائس سوف تقض مضاجعهم … علموا كل ذلك وتيقنوا أن البيعة هذه ستنقل قائد المسيرة إليهم فورا وأن الإسلام سينطلق مهابا محميا من عاصمته القادمة حالا وهي المدينة المنورة، وأنهم جذوتها ومهرها، وأنهم محاضن المهاجرين وإخوانهما، وأن ديارهم هي ملاذهم ودار هجرتهم ومقامهم، وأنهم أمسوا مع المهاجرين الكتلة العصية على الإنكسار والعصبة الأمينة على الدين الخاتم ونبيهم الأمين…. لذا نهضوا في وجه أسعد بن زرارة فقالوا له – رضي الله عنهم جميعا – أمط عنا يا أسعد ، فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها…. فبايعوه بيعة الحرب…إنها العبارة القوية الحاسمة التي بينت معادن الفئة المؤمنة وأسست لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقيام دولة الحق وكسر دولة الباطل…. ولاشك أن التيار الإسلامي العريض يلزمه – لكي يتأهل لحمل الأمانة ويستحق الاستخلاف في البلاد – أن يستفيد مما قاله أهل البيعة الثانية بأن يمضي إلى التمسك بأصول المسائل وقواعد الدين الكلية ويستقيم على رص الصفوف المسلمة وحشدها في صعيد واحد ضد ملل العلمانية كلها مع التجاوز الحتمي عن صغائر الأمور وفروع المسائل وقضايا الخلاف وبؤر الفرقة والتنازع… فإن هم فعلوا ذلك أدوا الأمانة وظهر الحق وعلا، وكان عزيزا ورائدا منتصرا، وزاحفا منتشرا وذل به الباطل وانكسر وانتكست راياته… وإن هم تنازعوا واختلفوا، وتعلقوا بالصغائر، وداروا معها وتلبسوا بحظوظ النفس وهواها، فشلوا وذهبت ريحهم، وغاب سلطانهم وغشيهم الباطل ومحقهم وذلهم……
أبو أنس ٢٠٢٣/٨/١٠م
التعليقات مغلقة.