د. عبد العظيم حسن المحامي يكتب دولة القانون العملية السياسية
دولة القانون
العمليةالسياسية
يدرك كل من كان جزءاً من القوى التي عملت على إسقاط نظام الثلاثين من يونيو أن اللجنة الأمنية للمخلوع لم ولن تسلّم السلطة للشعب. ما يؤكد الواقعة أن عملية انحياز الجيش أتت متأخرة، منقوصة وخجولة. فالمرسوم الدستوري الأول لم يتضمن الاعتراف بالثورة وإنما قرر ومباشرة قيام المجلس العسكري الانتقالي برئاسة عوض بن عوف وكمال عبد المعروف نأئباً. لإدراك قوى الثورة أن عوض بن عوف ونائبه كانا من المعروفين بولائهم للنظام البائد، فكان رفضهما تلقائياً. اعتصام القيادة لم يستمر إلا لأن اللجنة الأمنية للمخلوع لم تكن راغبة في تسليم السلطة ففاجأت الشعب بخلف لا يقل سوءاً عن السلف. استعانة البرهان بقائد قوات الدعم السريع ما كانت إلا جزء من مخططات وضع قوى الثورة أمام المواجهات الدموية الشرسة.
عبد الفتاح البرهان كان وما زال يدرك أن بقائه في الحكم مرهون بإجادة التلاعب بالعدد المحدود من الفاعلين في المشهد السياسي. من خلال التعامل المباشر تيقن البرهان أن معظم السياسيين السودانيين يجهلون أن الفترة الانتقالية لا تحتمل المحاصصة والتلوين. البرهان، في كل المراحل، لم يتردد ولو للحظة في أن يستغل طموح وطمع مجموعة الأحزاب المنافسة له على السلطة. صراعاتهم الأحزاب السياسية دفعت بالبرهان ليغرق المشهد ويتفنن في الأفعال التي تخالف الأقوال ليصبح أفضل ما يجيده ألا يصدق إلا في الكذب.
من الثوابت أن أي ثورة لن تنجح إلا بتوحد واستمساك قواعدها ببرنامج الحد الأدنى واختيارها لقيادتها توافقياً أو ديمقراطياً. ثورة ديسمبر المجيدة لم تتوقف فتنتها عند هذا الحد وإنما تعرضت للفتن حتى بلغت الفتنة الكبرى المتمثلة في حرب الخامس عشر من أبريل. الحروب ليست مجرد فتنة في مادية آثارها وإنما في المعنوية من تلك الآثار. الخلافات الناجمة عن الحروب لا تضرب من يؤيدون الحرب وحدهم وإنما تمتد لتشمل حتى من يعارضون فيتمسك كل منهم بتأويلاته وتبريراته بما يخدم أجندته.
الحرب بحد ذاتها أعلى أو بالأحرى أسوأ نماذج الممارسات والعمليات السياسية. فهدف أو غاية تلك السياسيات ألا تندلع الحرب. التمسك بالمشروع السياسي الذي كان بين أطراف تلك العملية التي انتجت الحرب لا يمكن أن يوقفها بل يزيدها اشتعالاً. زبدة القول، فكما تنشأ الحروب كنتيجة طبيعية لعدم الوحدة فإنها لا تتوقف إلا على ذات الأساس الذي كان قد التقي عليه المؤمنون بالتغيير بلا استعلاء أو وصاية أو تخوين أو اختطاف أو تجيير للمواقف.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
9 سبتمبر 2023
التعليقات مغلقة.