الحرب السائلة إبراهيم عثمان
الحرب السائلة
إبراهيم عثمان
( إن من يموتون من الطرفين ليسوا مجرمين، هم ضحايا لاستغلال سياسي واستغلال لأجندة ) – طه عثمان اسحاق
▪️ تكشف السردية الرئيسية لقحت المركزي بخصوص الحرب عن حرب صلبة، واضحة المعالم، بين الجيش والدعم السريع، فيها بادٍ بالعدوان ومدافع عن نفسه، انقلابيون وديمقراطيون، محرَّضون مستجيبون للتحريض وغير محرَّضين، وفيها حق يستحق الدعم والدفاع وباطل يستحق المناوأة .. إلخ .. على أن يكون نصيب الجيش هو السلبي من كل هذا .
▪️ وأحياناً يتحدثون عن حرب أخرى تذكِّرنا بعالم ما بعد حداثي، سائل بتعبير المفكر البولندي الراحل زيجمونت باومان، حرب بلا ملامح، تذوب فيها الفواصل، وتتداخل الحدود، ويلتقي الضدان، ويتميع نصاب الحق والباطل، ويتقاسم الطرفان المظلومية، ووضع الضحية، والشرف، والشهادة، وعدم الإجرام !
▪️وعلى ما يبدو من تناقض بين الحربين إلا أنهما تتسقان مع مصالح قحت المركزي، فمصلحتها الأكبر مع الدعم السريع تفرض عليها الانحياز له في مقابل الجيش، ومصلحتها مع الجيش تفرض عليها تطييب خاطره بتوصيفات مجاملة وتوجيه الإدانة إلى طرف ثالث .
▪️ وجود الطرف الثالث شرط ضروري وكافٍ لتحقيق التسييل، ليلتقي الجيش والدعم السريع في المظلومية وفي الشهادة وفي كونهما ضحية، ولينتح عن ذلك التقاء آخر على طاولة التفاوض، تكون نتيجته الأهم الاتفاق على عداوة الطرف الثالث المزعوم ومعاقبته !
▪️ والسيولة تنتقل أيضاً إلى توصيف علاقة الطرف الثالث المزعوم بالجيش، فتارةً يلصقونه بالجيش إلى درجة التطابق و”التآمر” المسترك، ويفصلونه تارةً أخرى إلى درجة الحديث عن عداوته للجيش وتآمره ضده !
▪️التمعن في حديثهم عن الحرب السائلة يكشف أيضاً عن انحياز قوي للدعم السريع، فهم يعلمون أن الرأي العام معبأ ضده بسبب حربه على المدنيين، ويعلمون أنه المتهوم بالإجرام وبالتالي هو المستفيد الوحيد من هذا التمييع وهذه المساواة، والمساوة تحمل من التحامل على الجيش أكثر مما تحمل من المجاملة .
▪️ لا يتوقف تسييل الحرب عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى تسييل آخر يشكل أحد الأخطاء القاتلة لقحت المركزي، فالحدود في خطابها مفتوحة والفواصل ذائبة بين الإسلاميين وعامة المواطنين، وهذا التسييل نتج من قوة عداوتها للإسلاميين، وشدة تعلقها بالدعم السريع، ومن تطابق موقف الإسلاميين مع الموقف الشعبي الغالب، ومن حقيقة أن عدو الإسلاميين في هذه الحرب هو ذاته عدو المواطنين الواضح الذي لمسوا عداوته مباشرةً . هذا الوضع عطَّل قدرتهم على انتاج خطابين أحدهما لعامة المواطنين، فالإسلامي عندهم عدو لا يستحق التعاطف الإنساني، وهذا انسحب، بدرجة ما، على عامة المواطنين، فبدوا وكأنهم يرضون لهم من الأذى ما يرضونه للكيزان، وينحازون إلى عدوهم كما ينحازون إلى عدو الكيزان، وما موقفهم من احتلال المنازل إلا واحد من الأمثلة الكثيرة .
▪️ تسييل الحرب وتوصيف طرفيها بالضحايا غير المجرمين يصطدم بكثرة وتنوع جرائم الدعم السريع، وبالطريقة التي يتعامل بها حلفاء الدعم السريع مع هذه المشكلة، فمعالجتهم الأساسية لها تقوم على حشد أكبر عدد من الجرائم للجيش، وتحويل بعض جرائم المتمردين إليه كاتهام الطيران بالتسبب في احتلال البيوت، ليحدث نوع من التساوي الإجرامي الذي يجعل الحرب حرباً إجرامية بامتياز لا تحتمل سردية الضحيتين الخيرتين !
▪️ هذا التساوي الإجرامي لا يعني للمواطنين شيئاً سوى أن حلفاء التمرد يقولون لهم ما لا يمكن أن يقبلوا به : أنتم الآن بين العصابة الإجرامية التي ترون، والعصابة الإجرامية الأخرى التي نرى، ولا حل إلا بتفاوض “العصابتين”، بشرط أن تتفقا على مكافأتي بالسلطة وعلى حراسة سلطتي بعد إبعاد غير الشرفاء من إحدى العصابتين !
التعليقات مغلقة.