تحويل الجريمة .. أو الاحتلال بضمير مرتاح ! بقلم إبراهيم عثمان
تحويل الجريمة .. أو الاحتلال بضمير مرتاح !
إبراهيم عثمان
▪️ في مقابلة تلفزيونية في بداية تمرد الدعم السريع قال مستشار التمرد عمران حسن في هجاء محتلي المنازل وناهبيها : ( ليس لهم أخلاق، وليست لهم خطوط حمراء، يرتكبون أسوأ الأفعال التي لا تمت للشعب السوداني بصلة ) . كان يلزمنا أن نقول لقد صدق المتمرد في توصيف بشاعة الجريمة وشر المجرمين لولا أنه كان يكذب ويحول الجريمة إلى الجيش : ( من يحتلون المنازل وينهبونها هم ميليشيات تتتحل شخصية الدعم السريع أتى بها الجيش من الجغرافيا التي ينحدر منها الدعم السريع )، وكان هذا التحويل “الكاذب” هو سبب “صدقه” في هجاء الجريمة والمجرمين !
▪️بعد مدة اقتنع المتمردون بأن الجريمة أظهر من أن تُحوَّل، وبدأوا يتحدثون عن وجود متفلتين من قواتهم وأنهم كونوا لجنة للتعامل معهم، وهذا الإبطال لعملية تحويل الجريمة إلى الجيش أدى إلى التراجع عن وصف الجريمة بالبشاعة وعن وصف القائمين بها بعدم الأخلاق وانعدام الخطوط الحمراء، وكان التهوين من بشاعة الجريمة على لسان يوسف عزت في تصريح تلفزيوني ( هناك تصخيم، فمن يحتلون البيوت لن يأخذوها معهم ) !
▪️أما حلفاء التمرد الذين يعلمون أن طريقة التحويل التي قام بها المتمردون بدائية وفاشلة، وأن الجريمة ممنهجة وليست مجرد تفلتات، فقد رأوا أن تحويل الجربمة بطريقة جديدة تحمل في جوفها تبريراً لها هو الأجدى، ولهذا اختاروا تحويل الجريمة إلى الطيران كمتسبب فيها، مع التسليم بتواجد المتمردين بالمنازل، ولهذا لم يتحدثوا عن بشاعة جريمة الاحتلال والجرائم المصاحبة ولم يهاجموا القائمين بها بعبارات قاسية من نوع تلك التي قال بها عمران فهم بطريقة التحويل التي فضلوها، قد ألغوا الطبيعة الإجرامية لفعل الاحتلال، أو خففوها بالاضطرار !
▪️هذا يذكرنا ببيان ( زعمت ) الذي أصدره حزب الأمة القومي عندما احتل المتمردون داره، ويكشف لنا عن التطور في التطبيع مع الإجرام مع تطور الجرائم كماً ونوعاً، ويلفت نظرنا إلى ما أنتجه هذا التطبيع من التحول في النظر إلى المعتدي، وفي طريقة التعامل معه : من جلاد إلى ضحية للطيران .. من الاحتجاج الخجول إلى التبرير .. من اخرجوا، لو كنتم أنتم المحتلين، إلى ابقوا طالما استمر سبب تواجدكم .. من ندين على استحياء إلى نتفهَّم .. من “احتلت” إلى “احتمت” … من “زعمت “إلى “اضطرت” !
▪️ تبرير احتلال المنازل، والتعايش، بل التحالف، مع من نهبوا المواطنين وأفقروهم تماماً، ومحاولة إقناع المواطنين بأن هذا المحتل النهاب سيحقق – في المحصلة النهائية – الرفاه والديمقراطية والعدالة بالتعاون مع حلفائه، كل هذا ليس أمراً مفاجئاً تماماً، ببساطة لأنه يأتي من نسل المواقف التي دافع أصحابها عن العقوبات الاقتصادية وطالبوا بتشديدها، وحاولوا إفهام المواطنين بأنها، في المحصلة النهائية، تحقق مصلحتهم !
▪️ رهن إخلاء منازل المواطنين بتوقف الطيران أو الاتفاق الشامل يحول قضية المنازل إلى ابتزاز في منتهى الانحطاط ، وإن كان ثمة فرق بين المتمردين وحلفاءهم في هذا الابتزاز، فهو أن المتمردين يستحون من التصريح به، أما الحلفاء فهم يمارسون هذا الابتزاز المنحط الرخيص علناً وبصراحة تامة وبلا أدنى مراعاة للمواطنين المستخدمين في هذا الابتزاز !
▪️في أثناء حديثهم عن أكبر عملية سرقة ونهب واحتلال للمنازل في تاريخ السودان وإفريقيا يستحضر الناس الحقيقة المؤكدة وهي عدم صحة ما يريد الدعم السريع أن يشيعه بخصوص تبعية بعض القبائل له بالكامل، ويرددون المقولة الصحيحة ( ليس للمجرم قبيلة )، وبمفهوم المخالفة، وباستصحاب حقيقة تحالف كل أحزاب المركزي مع الدعم السريع، يمكن أن يقال ( للمجرم تحالف سياسي ) !
▪️ إذا وضع أحدهم عنواناً لهذه الحرب ذي صلة بـ ( المدنية ) ، فإن المعنى الذي سيصل للمواطنين المدنيين هو : إنها الحرب التي شنها ضدهم أسوأ العسكريين، ما عدا لميليشيا وحلفاءها الذين يريدون توصيل معنى آخر هو ؛ إنها حرب الدفاع عن المدنية وحقوق المدنيين !
التعليقات مغلقة.