الايام نيوز
الايام نيوز

الحد الفاصل بين العمليات القتالية والاعمال الإرهابية لتنظيم الدعم السريع في سياق النزاع المسلح

0

الحد الفاصل بين العمليات القتالية والاعمال الإرهابية لتنظيم الدعم السريع في سياق النزاع المسلح

يعاني السودان جحيم حرب طاحنة امتدت لما يزيد عن العام قضت على الاخضر واليابس وقعت خلالها إنتهاكات جسيمة من إغتصاب وتعذيب وإنتقام جماعي ،مُورست فيه أساليب أكثر بشاعة ومازل القتال مستمراً بوحشية لا هوادة فيها تسببت في مقتل الملاين من المدنيين ،فضلاً عن تشريد وحرق وإتلاف ممتلكات عشرات اللالاف من المواطنيين الامر الذي خلق مأساة إنسانية لم يسبق لها مثيل بمنطقة الساحل الافريقي.

وقد وضع القانون الدولي الانساني قيوداً تنظم اساليب القتال وتُلزم الاطراف المتحاربة العمل بها أثناء سير العمليات العدائية لتجعل الحرب أكثر إنسانية وتخفف من مخاطرها على المدنيين،وعند مخالفة أي من طرفي النزاع تلك الضوابط يشكل ذلك إنتهاكاً جسيماً يُعرض مرتكبيها للمساءلة الجنائية.

تضمن القانون الدولي الانساني أحكاماً تحظر القيام باعمال إرهابية في مواجهة الاشخاص المحميين ،أو الاشخاص الذين لا يشتركون بصورة مباشرة في العمليات العدائية ،حيث ورد في المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف  والبروتوكول الإضافي الثاني  ابرز المواد التي  تشمل أحكاماً تحظر  الاعمال الارهابية دون إستخدام مصطلح الإرهاب  بصورة مباشرة في سياق النزاع المسلح غير الدولي،منها منع الإعتداء على الحياة والسلامة البدنية للاشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الاعمال العدائية وبخاصة القتل بجميع اشكاله، والتشويه ،والمعاملة القاسية والتعذيب، اخذ الرهائن ،المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة واصدار احكام وتنفيذ عقوبات دون اجراء محاكمات سابقة امام محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا تكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة. 

واضاف البروتوكول الثاني لإتفاقيات جنيف أحكاماً تحظر القيام باعمال تبث الرعب بين السكان المدنيين، ومنع الهجمات ضد الاهداف المدنية ،والاشخاص الذين لا يشتركون بصورة مباشرة في العمليات العدائية أو الذين كفوا عن الاشتراك في العدائيات ،والاشخاص المحمين الذين كفلت حمايتهم إتفاقية جنيف الرابعة حيث حظرت جميع تدابير التهديد والإرهاب في مواجهة الاشخاص المحميين.

ويمكن تحديد مفهوم الارهاب بالرجوع للقرار الصادر من الجمعية العامة للامم المتحدة 49/60لسنة 1995، بشأن التدابير الرامية للقضاء على الارهاب الدولي،حيث عرف “االاعمال الارهابية ” بانها الاعمال الإجرامية التي يقصد منها او يراد بها إشاعة حالة من الرعب بين عامة الجمهور أوجماعة من الاشخاص أو أشخاص معينين،والتي لا يمكن تبريرهما بأي حال من الاحوال أيا كان طابعها سواء” سياسي او فلسفي او عقائدي أو عنصري أو إثني أو ديني أو أي طابع آخر للإعتبارات التي يُحتج بها لتبرير تلك الاعمال.
وبالرجوع للسوابق القضائية الخاصة بالارهاب ،قضية حمدان ضد رامسفيلد بالولايات المتحدةالتي تتحصل وقائعها في أن حمدان كان يعمل سائقاً وحارساً شخصياً لاسامة بن لادن، وتم الحجز عليه في خليج جوانتنامو بكوبا في أعقاب الاعمال العدائية بين الولايات المتحدة وجماعة طالبان وبعد مرور ما يزيد عن سنة، أصدرت اللجنة العسكرية التي أنشئها الرئيس قراراً بإتهام حمدان لارتكابه جريمة المؤامرة،طعن حمدان في القرار الصادر من اللجنة العسكرية ،امام المحكمة العليا الامريكية رأت المحكمة أن الجريمة التي تم إتهامه بها هي المؤامرة ، وهي لا تشكل جريمة من جرائم الحرب. وقد أعلنت الادارة الامريكية منذ أحداث سبتمبر بانها مشتبكة في حرب عالمية على الارهاب تتطبق فيها قواعد قانون النزاعات المسلحة،وإعتبرت مقاتلي القاعدة هم مقاتلين غير شرعيين ،لا يحق لهم التمتع بالحماية الواردة في اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة باسرى الحرب وتنفذه بموجب القانون الجنائي الامريكى بشأن التعامل مع الارهاب.

وفي حكم صادر من المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة تم توجيه إتهام للجنرال “راديسلاف كرستيتش” لتنفيذه مشروع إجرامي يهدف الى الإبادة الجماعية والإرهاب لمسلمي البوسنة بإرتكابه جريمة التطهير العرقي لمسلمي البوسنة عن طريق قتل الرجال البالغين لسن التجنيد العسكري وترويع ونقل النساء والاطفال وكبار السن قسرياً في اعقاب هجوم القوات الصربية على مدينة تقع شرقي البوسنة المسلمة و إجبار السكان المدنيين المذعورين على الفرار الى مكان لا تتوافر فيه وسائل للحصول على الغذاء والمأوى والخدمات الضرورية مما ادى الى مفاقمة خوفهم وذعرهم ،وإصابتهم بأضرار بدنية ونفسية جسيمة وتعد هذه الجرائم من اكثر الاعمال الحربية بشاعة ،والتخطيط لاعدام مسلمي البوسنة الذكور

وعلى مستوى التشريعات الوطنية صدر قانون مكافحة الارهاب لسنة 2001،عرف الارهاب بانه كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى القاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاموال العامة أو الخاصة أو باحد المرافق أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو إحتلالها أو الإستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الاستراتيجية القومية للخطر.
أما قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الإرهاب لسنة “2014”، عرف العمل الإرهابي بانه العمل الذي يشكل جريمة حسب التعريف الوارد في الاتفاقيات الدولية.

بناءً على مراجعة دقيقة للحقائق وضح أن قوات الدعم السريع المتمردة والميليشيات المتحالفة معها مارست اثناء سير العمليات العدائية وسائل وأساليب وحشية للقتال مشوبة بالقسوة ومتنافية مع الشرف والاخلاق ،وعلى وجه الخصوص شهدنا أعمال عنف ضد المدنيين على أسس عرقية في ولاية غرب دارفور، فضلاً عن قيام القوات المتمردة بشن الحرب على أجساد النساء والفتيات اللاتي تعرضن للترهيب من خلال العنف الجنسي المتعمد والمنهجي ،وقيامهم بهجمات ضد الاهداف المدنية.
ومن خلال التحليل القانوني للوقائع توصلت الى توصيف السلوك الصادر من أفراد الدعم السريع بانه يعد كافياً بشكل فعلي لتصنيف هذه القوات بالتنظيم الإرهابي ،مع ضرورة أستمرار توثيق الإنتهاكات الجسيمة التي ترتكبها لارساء أسس للمساءلة وعدم الافلات من العقاب.

6/مايو/2024
د.رجاء عبدالله الزبير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.