تأملات في حرب السودان
١
●بعد عام ونيف من التأمل والاستقراء نثرت بعض اوراقي وعمدت إلى قلم ظل يقاوم فضولي وميولي نحو الكتابة عن هذه الحرب أو محاولة قراءتها من أبعادها وزواياها المتداخلة حد الدهشة و الإرباك لعلي أفك بعض طلاسمها واساهم في حل بعض عقدها المحبوكة بعناية ودقة .
●لم يك أسوأ المتشائمين يتصور أن تتدحرج حرب أسرة ضد الدولة إلى هذا المنحدر السحيق من الإنحطاط القيمي والأخلاقي الذي تجاوز كل حدود المنطق والمعقول في بلد كان إنسانها مضربا للمثل في قيم المرؤة والنخوة والشهامة والكرم .
●هذه الحرب وبلا شك انحدرت فيها قيمة الإنسان السوداني وتهاوت كرامته إلى درجة لم يسبق لها مثيل مذ وجد السودان في هذا الكون المترامي غض النظر عن شكل وأسماء الممالك السودانية التي حكمت هذه الأرض وتعاقبت عليها عبر اآلاف السنين.
● يرى بعض المراقبين للمشهد وأنا واحد منهم أن هذه الحرب أعمق من مجرد اختزالها في كونها حرب بين جنرالين أو حرب بين مشروعين ليبرالي وآخر إسلامي .
● إن المدخل الصحيح لتحليل هذه الحرب يبدأ من التوصيف الصحيح لها ،وأجدني ميالا لتوصيف هذه الحرب على أنها حرب بين مشروعين أحدهما استعماري استيطاني له قرنين إقليميين وأذرع قارية أخطبوطية وظهير عالمي له أدوات يحركها بفاعلية لمساندة مشروعه إعلاميا وماليا وعسكريا وسياسيا ويوظف في سبيل ذلك هيئات ومنظمات إقليمية ودولية متخيرا في ذات الوقت كل خفيف العقل سطحي النظر جاهل بطرائق وأنماط تفكير النخب الغربية من أبناء هذا الوطن للاصطفاف معه خدمة لمشروعه الاستعماري السلطوي الذي يضرب بجذوره عميقا في التاريخ الذي ربما يعود إلى حقبة مقتل الجنرال تشارلز غردون في العام 1885 .
●وعلى الضفة الأخرى من المشهد يقف بعزة وشموخ مشروع وطني سوداني يقاوم منفردا كما يقول الشاعر صلاح أحمد إبراهيم – لما جلوك على الملأ وتخيروا الخطاب بعدي ..هرعوا إليك جماعة وبقيت مثل السيف وحدي- فبقي وحده بلا ظهير أو سند له شأو يذكر حتى الآن على المستوى الإقليمي والدولي، هذا إذا استثنينا المحاولة الأخيرة للدب الروسي وهو يتحرك على بساط دافع من المصالح الممتدة والقدرات المعطلة عن عمد أو جهل لدولة بحجم وإمكانيات السودان.
●على أن هذه الحرب تبقى واحدة من أقذر الحروب في التاريخ الحديث بكل بشاعتها ووحشيتها والتي صنعتها العقلية الغربية الموغلة في الوحشية والأنانية وغذتها ومولتها ونفخت في نيرانها للأسف دول إقليمية فاحشة الثراء مستخدمة بندقية وسواعد مرتزقة اشترتهم بأثمان بخسة وإن حسبوها ذات قيمة لقاء عشرات وربما مئات الألوف من أرواحهم التي أزهقت في هذه البقعة من الأرض دونما مقابل مادي أو أخلاقي إلا من بضع دولارات و بعضا من أطروحات كاذبة كنحو محاربة الفلول تارة أو دولة ٥٦ تارة أخرى أو جلب الديمقراطية المفترى عليها و التي تهدف في كلياتها إلى نماء الانسان ورفاهه لا إلى قتله وسحله وتدمير مقومات حياته كنحو ما نشهده في هذه الحرب الدائرة الآن …والتي تنادى لها مرتزقتها للتجنيد والتحشيد فزعا من بقاع شتى تخطت جغرافية الدولة السودانية بحدودها المعروفة رغبة فيما عند أثرياء هذا المشروع من مال وحظوة أو طمعا في ما ينهبونه من ثروات سكان البلاد وأهلها.
● وقد راهن أصحاب هذا المشروع على أن تدين لهم هذه الأرض بالسيطرة والولاء…فتجبى إلى بلادهم البعيدة ثمراتها من كل شكل وطعم و لون ولكن….نواصل.
د.معتز فضل فضل الله
مستشار قانوني وباحث
السودان في يوم الأربعاء الثامن من مايو ٢٠٢٤م
السابق بوست
التعليقات مغلقة.