الايام نيوز
الايام نيوز

بين النموذجين الليبي والمصري…الشعب السودان يترقب بشغف؟؟


بقلم: رمضان أحمد
نهاية الأسبوع الأول من شهر يناير الجاري شهدت تطورات خطيرة في المشهد السياسي السوداني وكلها مع الأسف تتجه نحو الأسوأ. تصريحات البرهان وسط أهلة في الشمالية بأن الجيش ملتزم بتطبيق الاتفاق الإطاري وفق “رؤيته” فكك طلاسمها الفريق الكباشي أثناء مخاطبته لأهله في جبال النوبة أن الجيش لا يحمي دستوراً غير متوافق عليه. وعلى عكس ما ذهب إليه الجنرالان أكد قائد الدعم السريع أنه لا تراجع عن الاتفاق الإطاري!! وفي الوقت الذي انهمكت قحت المجلس المركزي في اجتماعاتها الرامية إلى إنزال الإطاري على أرض الواقع، اجتمعت قحت الكتلة الديمقراطية في القاهرة لتحيي الوثيقة الدستورية بعد إجراء تعديلات عليها. وفي خضم هذا الحراك كان التدخل الخارجي حاضراً إذ شهد نهاية الأسبوع وصول مبعوثين يمثلون الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى الخرطوم.
هناك أسئلة تطرح نفسها بقوة إزاء هذا المشهد المعقد. هل يستطيع قائد الدعم السريع إنفاذ الإطاري إذا تنصل عنه قادة الجيش، وما هو مصير الدعم السريع ؟ وإذا جاءت الكتلة الديمقراطية بوثيقتها هل سيتبنى الجيش هذه الوثيقة المحمية مصرياً؟ والسؤال الأهم هو: من سيشكل الحكومة القادمة، قحت المركزي أم الكتلة الديمقراطية؟ ما هو أفضل السيناريوهات لتجنب أي من النموذجين المصري والليبي؟
سنحاول أن نجيب على هذه الأسئلة في السطور التالية على أمل أن نفكك طلاسم المشهد السياسي الذي يتدحرج بسرعة نحو المجهول.
بالنسبة لمواقف المؤسسة العسكرية حيال الاتفاق الإطاري يتضح أن هناك ضغوطاً خارجية مورست على المؤسسة العسكرية لقبوله وقد عبر السيد حميدتي بوضوح أنهم وقعوا “ورجلهم في رقبتهم” تعبيراً عن أنهم وقعوا مجبورين. ومع أن الفريق البرهان حاول أن يمسك العصى من المنتصف بحيث يؤكد التزامهم بالإطاري وفق “رؤيتهم” على أمل أن يحدث تطور ما في المشهد يمكنهم من تفسير “رؤيتهم”، لم ينتظر الفريق الكباشي ذلك التطور (ما يجري في القاهرة) حيث أوضح بجلاء أن من وقعوا على الاتفاق الإطاري عددهم قليل لا يمثلون القوى السياسية في المشهد. ما ذهب إليه قائد الدعم السريع لا يعبر بالضرورة عن قناعته الشخصية بقدر ما يعبر عن أنِفه بدوية إذ يجد صعوبة في التنصل عن وثيقة وقع عليها. ذلك لأن قناعة حميدتي التي عبر عنها إبان ما يسمى “انقلاب 25 أكتوبر” هي أن قحت المجلس المركزي (التي كانت موحدة حينها) مجموعة صغيرة لا يمكن أن تتولى أمر الحكم بدون انتخابات. وقد عبر عن ذلك بأقوى مما قاله الكباشي في جبال النوبة. وإذا افترضنا أن حميدتي غير رأيه بعد أن وقع على الاطاري (ورِجله في رقبته) هل يستطيع أن يحمي الإطاري، بينما قيادة الجيش يعارضه كما هو واضح؟ والسيناريو المرعب الذي نرجو أن لا يحصل هو احتدام الاختلاف بين الجيش وبين قائد الدعم السريع لدرجة المواجهة العسكرية، إذ إن هذا السيناريو سيجعل النموذج الليبي نزهة.
وأما ما يجري في القاهرة فمن الواضح أن الحكومة المصرية تدعمه بقوة، وهناك تلميع للحسن الميرغني ابن السيد عثمان الميرغني ليتصدر المشهد، ليس عن حزب الاتحادي الديمقراطي الأصل فحسب وإنما أيضاً عن كل الكتلة الديمقراطية. وفي ذلك ضمان للمصالح المصرية، علماً بأن مصر تدعم المؤسسة العسكرية وتتمنى لو تتولى السلطة بدلاً عن المدنيين، وبغضها واضح للدعم السريع باعتبارها مليشيات لا يمكن أن تحل محل الجيش وقد أوضحوا ذلك لحميدتي صراحة وهو ما يفسر عدم وجود أي صلة لحميدتي بمصر. ويبدو في هذه الناحية أن مصالح الإمارات والسعودية من ناحية ومصالح مصر من ناحية أخرى تقاطعت بصورة واضحة في السودان بالنظر إلى العلاقات القوية التي تربط الإمارات والسعودية مع الدعم السريع وقائده حميدتي. وقد أدى ذلك مؤخراً إلى توتر العلاقات بين مصر وهذه الدول انعكس في التلاسن الإعلامي بين هذه الدول. ما يهمنا في هذا السياق هو لقاء قحت الكتلة الديمقراطية في مصر ومصير الوثيقة التي ستتمخض عن ذلك اللقاء. فهل ستتبنى المؤسسة العسكرية هذه الوثيقة وتتخلى عن الإطاري؟ علماً بأن الإطاري يحظى بدعم إقليمي ودولي بدليل وصول مبعوثين يمثلون الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى الخرطوم فضلاً عن المواقف المعلنة من الاتحاد الأفريقي والإيغاد !
من سيشكل الحكومة ؟ إذا قامت قحت المركزي بتشكل الحكومة ستحظى هذه الحكومة بدعم دولي وإقليمي، ولكنها ستجد نفسها مشغولة بمعارك جانبية لن تتركها تتقدم شبراً. قحت الكتلة الديمقراطية ستقف لها بالمرصاد، فضلاً عن الحزب الشيوعي وحزب البعث ولجان المقاومة التي عبرت عن رفضها للاتفاق الإطاري بوضوح. ومقابل هؤلاء جميعاً هناك كتلة نداء أهل السودان التي تضم ما يسمى بالتيار الإسلامي العريض وهي الكتلة الأكثر تنظيماً وترتيباً. فهل تستطيع قحت المركزي الوقوف في وجه هؤلاء جميعاً والمضي قدماً في تشكيل الحكومة وفق رويتها؟ علماً بأن رؤيتها تقوم على أن تشكيل الحكومة يستند إلى المؤمنين بالاتفاق الإطاري فقط، على غرار ما حصل في الوثيقة الدستورية. أرجو أن لا ننسى أن هناك حركات مسلحة ما زالت محتفظة بأسلحتها وهي ضد الإطاري! الإجابة متروكة لحصافة القارئ.
أما إذا قامت قحت الكتلة الديمقراطية بتشكيل الحكومة، فإنها كما يبدو ستنال رضا مصر ورضا المؤسسة العسكرية. وقد يكون هناك رد فعل سلبي من الدول الإقليمية والتي دخلت مؤخراً في سجال مع مصر. وقد نشهد امتعاضاً من الأوروبيين والأمريكيين. هذا ناهيك عن أن كل الوعود التي قطعتها الوفود الزائرة لن تتحقق.
تشكيل الحكومة يمثل قمة الإثارة في مسلسل المرحلة الانتقالية في السودان، وتعتمد المآلات على كيفية تصرف الفرقاء. إذا استمر الخطاب المتطرف الحالي فإن أسوأ السيناريهات أننا سنشهد سيولاً من الدماء لأول مرة في شوارع الخرطوم بدلاً من الهامش! وفي هذه الحالة سيعم الفوضى وقد تكون المآلات خطيرة للغاية: السيناريو الليبي!
من السيناريوهات المدعومة مصرياً أن تتولى المؤسسة العسكرية زمام الأمر وتفرض حكومة عسكرية ليعود السودان القهقرى. هذا السيناريو قد يتلقاها البرهان بترحاب وربما الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أن القوى السياسية عجزت عن تحمل المسؤولية. غير أن الوعي الشعبي سيجعل هذا السيناريو صعب التنفيذ، وأعتقد أن العسكريين أنفسهم يدركون ذلك، وربما هذا هو السبب الذي جعلهم “يمرمطون” القوى السياسية ليبثبتوا للشعب أنهم الخيار الأفضل. والشعب يدرك ضعف القوى السياسية ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن العساكر هم البديل، وإنما البديل الأفضل موجود لأن “حواء السودانية والدة”.

تحاشياً للنموذين المصري والليبي، يتحتم على المؤسسة العسكرية تشكيل لجنة من الخبراء لدمج الاتفاق الإطاري والوثيقة الصادرة من لقاء القاهرة في ورقة واحدة وعلى أساسها تتولى المؤسسة العسكرية بنفسها باعتبارها الحاكم بالأمر الواقع تشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المشهود لها بالنزاهة والخبرة والولاء للمهنة لتقوم بالترتيب للانتخابات في أسرع وقت ممكن. هذا يعني أن المواطن هو الذي سيحسم أمر المشهد السياسي عبر صندوق الاقتراع.

هذا السيناريو على الرغم من وجاهته وسهولة تطبيقه، فضلاً عن كونه يشرك المواطن في تحديد مصير البلاد، إلا أنه لن يجد القبول المطلوب خارجياً. لماذا؟ لأنه ببساطة يخدم مصلحة البلد وليس مصلحة الخارج، لأن الشعب يختار من يمثل إرادته وليس من يمثل إرادة الخارج. هل فهمتم اللعبة؟ breima_ramadan@hotmail.com

التعليقات مغلقة.