الإسهام الإفريقي في تطور القانون الدولي للحدود و محاولات التنصل الأثيوبي عن ” مبدأ إحترام الوضع الإقليمي الراهن Status Quo ” الإدعاءات الإثيوبية بشأن منطقة الفشقة و تبعيتها __(1___2)
الايام نيوز
- لقد حظى موضوع الحدود بإهتمام بالغ و خصوصاً فيما يتعلق بمبدأ توارث الحدود و قدسيتها (باللاتينية Uti possidetis) و كان مثأر جدل واسع بين الدول الإفريقية عند إستقلالها حيث سادت ثلاثة توجهات في هذا الشأن:-
1/ يرى أصحاب الإتجاه الأول بضرورة التخلص من الحدود الإستعمارية عن طريق تحقيق وحدة إفريقية شاملة بإعتبار إن إفريقيا هي كتلة إجتماعية واحدة قام المستعمر بتفريغها.
2/ وذهب أصحاب الإتجاه الثاني إلي ضرورة التدرج في عملية الوحدة و بالتالي ضرورة الحفاظ علي الحدود الموروثة عن الإستعمار كمرحلة إنتقالية ومن ثم التقرير بما ستكون عليه القارة الأفريقية .
3/ بينما ذهب أصحاب الإتجاه الثالث إلى ضرورة تجنيب محاولات تفتيت القارة الأفريقية و دولها ، الأمر الذي يقتضي الإقرار النهائي و الدائم للحدود الموروثة من الإستعمار The borders inherited from colonialism كما هي و الإقرار بالوضع الإقليمي الراهن.
كانت الغلبة لإصحاب الإتجاه الأخير هذا حيث أكدت العديد من الدول الإفريقية حرصها على سيادتها و رفضها فكرة الوحدة الإفريقية الشاملة التي دافع عنها طويلاً الرئيس الغاني الأسبق/كوامي نكروما.
و تكشف عن ذلك الواقع تصريحات و خطب رؤساء الدول الإفريقية في إطار مؤتمر أديس أبابا التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية في العام 1963م حيث ساد في المؤتمر تيار يرمي إلى الحفاظ على الحدود القائمة دون المساس بها و قد عبر عن ذلك أكثر من رئيس إفريقي حيث أشار(موديبو كيتا/رئيس جمهورية مالي في ذلك الوقت إلي أنه ” إذا كنا فعلاً متحركين بإرادة قوية لإستعادة الوحدة الإفريقية فيجب أن نأخذ أفريقيا كما هي و يجب أن نتنازل عن أي مطالب إقليمية…….. و الوحدة الإفريقية تتطلب من كل منا الإحترام المطلق للتراث الذى ورثناه من الإستعمار و هذا يعني المحافظة على الحدود الحالية لدولنا ).
و أكد على ذلك رئيس وزراء نيجيريا آنذاك/أبوبكر تفالوا بالبوا ، في خطبته في ذات المؤتمر قائلاً : (رغم إعترافنا بمساوي الحدود الإستعمارية إلا أن الدول الإفريقية ليست مسؤولة عن تلك المساوي التي وجدت و أن أية محاولة من قبل أي دولة للتمرد على هذا الواقع يمكن أن تؤدي إلى إضطرابات على مستوى القارة) ……و سعياً لتقديم النموذج العملي للتغلب على هذه المشكلات أعلن ” بالبوا ” إعتراف بلاده بجميع الحدود القائمة في أفريقيا و إعترافها كذلك بوجود جميع الدول الإفريقية.
لقد كشف المؤتمر عن تبلور إتجاه عام بين غالبية الدول الإفريقية مؤاده القبول بالحدود الموروثة عن الإستعمار _ الأمر الذي سرعان ما عبر عن نفسه رسمياً في صورة مشروع تقدمت به تنزانيا إلي مؤتمر رؤساء الدول الإفريقية المنعقد بالقاهرة في 17_21/ 1964 بهدف إقرار الحدود الموروثة عن الإستعمار كسبيل للحد من المنازعات بين الدول الإفريقية و هو المشروع الذي لاقى قبول غالبية الدول الإفريقية و وافقت عليه كل دول حوض النيل بما فيها إثيوبيا. أسفر مؤتمر القاهرة هذا عن صدور القرار 16\1 الذي يحض الدول في منظمة الوحدة الإفريقية علي إحترام الحدود الموروثة عن الإستعمار تحقيقاً للسلامة الإقليمية و كركيزة أساسية في دعم إستقرار و ثبات الحدود الإفريقية إنطلاقاً من الموافقة شبه الإجماعية عليه. و لقد جاء في ديباجة ذلك القرار ، من بين أمور أخرى ، أن حدود الدول في يوم دخولها مرحلة الإستقلال تشكل(حقيقة مادية) ومن ثم أوردت جوهر قرارها على النحو الآتي :- (تتعهد كل الدول الإفريقية على نفسها بإحترام الحدود القائمة عند تحقيقها إستقلالها الوطني) و بهذا ورد مبدأ جديد في القانون الدولي للحدود هو مبدأ قبول الأمر الواقع Status Quo . (1)
تجدر الإشارة إلى أنه لم يعترض فعلياً علي صدور هذا القرار سوى دولتين هما المغرب و الصومال.
لقد أدى إعلان القاهرة هذا إلي تطوير ممارسة دولية في إحترام و إستدامة الوضع الإقليمي الذي تحقق عند الإستقلال و تطورت إثرها قاعدة( الوضع الراهن Status quo ) التي تستديم الترتيب الحدودي الذي خلفه الإستعمار _ نتيجة لذلك نشأ في إفريقيا نظام عرفي للإقليم تميز كثيراً عن الكيفية التي ينطبق بها القانون الدولي على إفريقيا ، وبشكل خاص شدد ذلك النظام علي منع ترسيم الحدود الإفريقية و حظر الإنفصال ، جاعلاً من هذين الشرطيّن العرفيّن مبدأيّن قانونيين آمرين لا يجوز للدول مخالفتها أو الإتفاق على ما عداهما Jus Cogens(2) .
،،،،،،، نواصل……
✍🏾صبري الحاج حماد سالم “المحامي ___عضو الجمعية السودانية للقانون الدولي”____ sabrialhaj2179@gmail.com
(1) _ تداعيات خلافة الدولة في القانون الدولي- البروفيسور/ بخاري عبدالله الجعلي_ الطبعة الأولى 2010 ص ١٥١ .
(2) الحدود الأفريقية و الإنفصال في القانون الدولي _ الدكتور / الدرديري محمد أحمد _ مركز دراسات الجزيرة _ مايو 2017.
التعليقات مغلقة.