الخرطو:الايام نيوز
لم يكن بيتا عاديا كبيتنا أو كالبيوت التي أعرفها في الحي ، كان أشبه بالمغارة ، مغارة (علي بابا) التي يحكي عنها
، داخل البيت خلق كثير من الناس ، أسر تأتي وأخري تغادر ، ويظل بابه مفتوحاً على الدوام
لكن ما لا يغادر البيت حسب ظني الطفولي هو الشيطان
الكل يأتي و يبقى زمانا في هذا البيت ثم يمضي من الحي ليأتي آخرون إلا الشيطان وتلك (السيدة البيضاء )
عندما دخلته لأول مرة كنت أبحث عن صديقنا (عنتر) أو (أنتر) كما كانت تناديه والدته بتلك العجمة على لسانها النوبي
كان (أنتر) أبنها الوحيد ، تخشى عليه دوماً
وتظل تناديه أنتر،،،،،،، أنتر ،،،، أنتر ، كلما غاب عنها طويلاً وهو يلعب معنا في الشارع
عندما غادروا الحي علمنا أن (عنتر) غادر الدنيا صبيا، وترك أمه وحيده تكابد وحشة الفراق
البيت يحوي بيوتاً بداخله فإذا دخلته لأول مرة تتوه فيه
ربما يفسر ذلك لماذا اختار عنتر نافذة غرفة والدته للخروج والدخول عبرها
وكنت أسأل نفسي كيف يسكن عنتر مع شيطان هذا البيت الذي لا يغادره أبدا
ولعل( السيدة البيضاء) هي الوحيدة التي تعمل على استرضاء الشيطان في كل مرة فتقيم له احتفالاً في بيتها
فإذا تسللت رائحة البخور في الصباح من نافذة صالتها المطلة على الشارع في مواجهة بيتنا وتسربت خيوط الدخان الأبيض من خلالها ، أدركنا أن حفلاً للزار سيقام اليوم لطرد الأرواح الشريرة من جسد( السيدة البيضاء )وسيدات أخريات
وعند أول ضربة على الطبل نندفع إلي النافذة الواسعة ليحجز كل منا مساحة كافية تمكنه من المشاهدة
كانت ضربات الطبل مع صوت (الكشكوش) والكلمات المبهمة وطبيعة الأداء الذي يؤدى به الغناء تثير في نفسي إحساس ما بالخوف والغموض
ولكن أكثر ما كان يخيفني تلك الحالة التي تعتري( السيدة البيضاء )وهي بداخل الدائرة وكأنها حالة من الجنون ، تضرب على الأرض بأرجلها وتميل بجسدها الضخم يميناً ويساراً وهي تترنح دون أن تسقط على الأرض
وتنتاب الأخريات ذات الحالة من الجنون ، وقد اختلطت رائحة البخور مع رائحة التبغ
مع رائحة العرق و رائحة عرق البلح
فكل إمرأة منهن تحمل سيجارة أو كأسا من عرق البلح ، بينما يحمل رجل المبخرة ويطوف داخل الدائرة مع مجموعة النساء الغائبات عن الوعي
لماذا يصيبني صوت الطبل وأصوات النسوة
وهن يرددن كلمات غامضة ورائحة هذا النوع من البخور
لماذا يصيبني كل هذا بالحزن
وأحياناً بالخوف ؟
وهل يسكن الشيطان فعلاً بيت (علي مسمار) ؟
أم أن الشيطان يسكن جسد السيدة البيضاء ؟
لذلك فهي ترتجف ويذهب سواد عينيها ويبقي بياضها ويتحول لون وجهها إلي اللون الأحمر
كنت أحس بأنها تنظر إلينا عبر النافذة نظرات غريبة ومخيفة بتلك العيون التي غاب سوادها
وكأنني أراها اليوم أمامي وهي تنظر إلي هذه النظرة الغامضة
، وكأن صوت الطبل لا يزال يخترق أذني ،
وكأن هذا الإحتفال أشبه بإحتفال جنائزي
أما ذلك البخور ، فلا زال كلما شممته تذكرت
ذلك البخور وهو يتسلل من خلال نافذة السيدة البيضاء إلي الشارع من ذلك البيت الغامض ثم يتلاشى في الفضاء
وتذكرت صديقي (عنتر) وهو يتسلل من خلال نافذة غرفة والدته إلي الشارع ، ويعود عبرها كلما نادته أمه يا أنتر يا أنتر
ثم تلاشى عنتر في الفراغ العريض وترك والدته تغالب أحزانها
هل لا زال الغموض يلف بيت علي مسمار ؟
هل لا زال يسكنه الشيطان ؟
أم أن الشيطان كان يسكن جسد السيدة البيضاء
هل لا زال هؤلاء الناس على قيد الحياة ؟
أم تلاشوا في الفراغ العريض ؟
علي خليفه حسن
التعليقات مغلقة.