مليح يعقوب حماد الثروة الحيوانيةالمشاكل والحلول
الخرطوم :الايام نيوز
يعاني قطاع الثروة الحيوانية من مشاكل جمه، تراكمت فوق بعضها البعض،واصبحت
مع مرور الوقت، عبئا ثقيلا علي الدولة،وتأثرت الثروة الحيوانية، بالظروف القاسية
المحيطة ببيئة العمل، كالتغيرات البيئية والمناخيةو السياسية والامنية والثقافية والفنية والإدارية.
تضرر النشاط الرعوي من الحروب و النزاعات الأهلية. مع وجود بعض العادات والتقاليد المحلية المضرة بالإنتاج.وتعتبر مصطلحات البقارة و الابالة، والغنامة،و السيارة،والرحل وخلافه.
عبارة عن ألقاب شعبية محلية قديمة،ومتوارثة، يطلقها المواطنين، على كل من يزاول المهنة، وعلى سبيل التعميم. ونلاحظ أن تدني الوعي خلق أزمة حول تفسير المصطلح ، وصار الرعاة من أكبر ضحايا صراع المركز والهامش.
و يعتبر السودان من خيرة الدول المنتجة للثروة الحيوانية، يتمتع بطبيعة جاذبة للانتاج،
ويحتل مكانة متقدمة بين الدول من حيث الانتاج و الكم والنوع ،
ويواجه القطاع الحيواني السوداني نقصا حادا في الخدمات البيطرية والطبية، مع ضعف إمكانيات الدولة المادية. وقد تلجأ الحكومة إلى فرض رسوم عالية علي الرعاة والتجار،دون توفير بيئة مناسبة للعمل.
و يشتكي الجميع من نقصان الأمن، وشح المياة و الأدوية ،وقلة الأمصال اللازمة لمكافحة الاوبئة والأمراض.
وقد تدهورت البيئة بالقطع الجائر للأشجار و الغابات ، وانحسرت كميات الاعشاب.
وضاقت المراعي وعلى حساب التوسع الزراعي، وازدادت المخاطر في المسارات والمراحيل،وغابت الحماية في المصايف والمخارف البعيدة من عيون الشرطة .
و تعاني الثروة الحيوانية من مشاكل في التسويق والتوزيع والاستهلاك.
ولم يكن السودان مواكبا لاغلب التكنلوجيات الحديثة التي تعتمد على التصنيع. وليس علي تصدير الحيوان وهو حي او في شكل لحوم خام اوجلود طبيعية.
كما ربحت الشركات الاجنبية اكثر من مايربحه السودان لنفسه، لفشله في تطوير التصنيع
الحيواني الموازي لحجم إنتاجه، و لم يصل لمرحلة الاكتفاء الذاتي رغم تعدد موارده الحيوانية .
وقد ارتفعت الاسعار وتراجع سقف الانتاج مع ضعف التقنية وقلة مصانع اللحوم والصوف
والجلود ومخلفات الحيوان، كالاحذية والبطاطين والملابس الصوفية والزراير و الزبادي والجبنة والسمن والروب والذبدة واللبن والاسمدة الطبيعية والخ.
مع تكدس الشركات في العاصمة القومية بعيدا عن مراكز الانتاج و بتركيزها علي السلالات المستوردة و المهجنة اكثر من المحلية.
و قامت الحكومة السودانية في مطلع التسعينات بطرد المنظمات الاجنبية العاملة
في مجال التنمية الزراعية والحيوانية ، ولم تأتي بالبديل المناسب مما زاد الطين بلة.
وتعتبر فترة الثلاثين عاما الماضية هي الاكثر تدميرا للبيئة، حيث ازدهرت تجارة الفحم
والحطب علي نحو مخيف وتم ازالة الاشجار و الغابات وهي خضراء من قبل تجار الفحم والحطب
والمزارعين بالتأثير سلبا علي الغطاء النباتي الداعم لقطاع الثروة الحيوانية.
وقد تم تدمير كل خطوط السكة حديد التي تربط مناطق الانتاج بالمدن، كما فشلت معظم
التجارب السابقة كمصنع البان بابنوسة لمشاكل في التوليد و الكهرباء و الادارة والتخطيط
و التسويق و التخزين وعدم مواكبة الحكومة لطبيعة الالبان السودانية والتي تزداد كمياتها في الخريف وتقل في الصيف، كما نجد ان معظم الابقار السودانية لاحمه وقد لا تغطي من حوجة المصانع للالبان في الصيف.
و توقفت خدمة البيطرة المتجولة والمصانع المتحركة التي كانت تستهدف تجمعات الرحل. ويعزي عزوفها عن العمل لاسباب امنية، و تجاهلت الحكومة عددا مهولا من البحوث والاوراق العلمية بوضعها في الرف.
ورغما عن الاهمال الكبير الذي تعرضت له الثروة الحيوانية الا انها حافظت علي سمعتها
الدولية لان رعاة الماشية السودانيين ظلوا وعلي مر العصور لصيقين بحيواناتهم، ولهم خبرات متوارثة ومعارف متراكمة تفوق اهتمام الدولة.
وقد سعي بعض ملاك المواشي لتطوير المهنة وتحسين النسل اما بالتهجين او الاستبدال.
وقد استبدل بعضهم الضان القصير (القرج) بالحمري والماعز (التكر) بالحر و الابقار
اللاحمة باللابنة وهكذا دون مساندة من الحكومة السودانية و التي تدهور ناتجها القومي من الجمال والابقار والاغنام والحيوانات البرية والطيور.
بعد هروب اعدادا كبيرة منها الي دول الجوار و نفوق بعضها نتيجة للتصحر والجفاف
والتلوث البيئي كما انخفضت مستويات دخول الرعاة و ترك بعضهم المهنة لارتفاع كلفتها
و نقص الامن خاصة في مناطق التماس وبؤر النزاع مثل كردفان ودارفور والنيل الازرق
لانتشار السلاح بأيدي المتفلتين و معتادي الاجرام و النهب المسلح وقطاع الطرق مع ضعف الوازع الديني و غياب سلطان الدولة وهيبة القانون.
وعجزت الحكومة السودانية في توفير الرقابة الامنية الكافية علي المراعي والمراحيل ،
حيث تنتشر المواشي احيانا في مناطق خلوية بعيدة خارجة عن عيون الشرطة والجيش و ربما تخلو من اي مظاهر للحياة ،مما يخلق منها بيئة خصبة محفزة للسرقة.
وغالبا ما يتمكن اللصوص من سحب اعداد كبيرة من المواشي لبيعها بأبخص الاثمان بعد قتل رعاتها او اطلاق صراحهم دونها .
ومن اولي واجبات الدولة الشروع في التوسع الامني الافقي والراسئ علي مستوي الولايات
الغنية بالمواشي والمشاريع الزراعية بزيادة اقسام الشرطة والمحاكم وتوفير الدوريات الخلوية وطائرات الهليكوبتر لمراقبة الاوضاع عن قرب اسوة بالدول الاخري. ونجد ان اتساع الرقعة الجغرافية انتج فراغا امنيا كبيرا لم تتمكن الحكومة من سده لضعف امكانياتها.
وقد لعبت الادارات الاهلية ادوارا ايجابية لسد الفراغ الامني عن طريق تطبيق اللوائح والاعراف والمواثيق والاحلاف والجوديات. كما لجأت بعض المحتمعات الريفية لتطوير عمليات الفزع.
وهو تقليد قديم متوارث وقد يتم بمرافقه الشرطة او الشيخ او العمده لمنع الاشتباك غير القانوني مع اللصوص . وقد برزت في الأونة الاخيرة بعض الظواهر المجتمعية السالبة، والتي تشكّل مهددا امنيا ونفسيا علي الثروة الحيوانية وملاكها. كأغلاق المراحيل وقفل المسارات القومية وحجز الحفائر و ردم الابار و تسميم المياه و زرع الالغام في خط سير. الضعاين لاسباب واهية دوافعها مجهولة كالغيرة والحسد او التشفي والانتقام.
وقد عجزت الدولة عن توفير العناية البيطرية اللازمة مع نقصان العشب والاشجار و المياة
في فترة الصيف، ونلاحظ ان هنالك توسعا زراعيا و سكانيا كثيفا و علي حساب الرعي حيث يضطر بعض الرعاة الي عبور الحدود تحاشيا للصراع البيني و يبدو ان ظهور الذهب قد رفع من قيمة الارض وخلق حولها تنافسا مفتعلا، ويعتير ذلك مؤشرا خطيرا قد ينبئ بنزاعات مؤجلة حول الاراضي و الحواكير ترمي بظلالها السالبة علي مستقبل النشاط الرعوي في السودان.
وربما تضيق الارض بمواشيها ورعاتها وبحيوانتها البرية وصيدها وطيورها و تفقد الطبيعة
كثيرا من محاسنها وجمالها . واتمني ان تسعي الحكومة لخلق توافق بين الرعاة والمزارعين لان وتيرة الاحتكاكات بينهما صارت متصاعدة وقد تصل احيانا لمرحلة التناصر القبلي ويمكن تقنين العلاقة بينهما وفق اسس ولوائح وقوانين جديدة تضبط حركة الرعي وتنظم عملية الزراعة بتعزيز المصالح المشتركة و العلائق التاريخية القديمة بوصفها تكاملية ولا تنفصل عن بعضها البعض مع تنشيط الاعراف المحلية ولجان الصلح والجوديات و ترسيم المراحيل (وضع العلامات) و العمل بنظام العقوبات (زريبة المواشي) وتحديد مواقيت الزراعة (رفع العصا)والطليق (انتهاء الموسم) مع صيانة المواثيق الدولية التي تكفل للرعاة حقهم في المواطنة و حرية الحركة والتنقل دون تضييق او خنق من اي جهة .
وعلي الدولة ان تسعي لمعالجة العادات والتقاليد الضارة المعيقة بانتاج الثروة الحيوانية،
خاصة تلك المعتقدات المرتبطة بالثقافة والسلوك، لان بعض المجتمعات ترعي الماشية بغرض العز والشهرة ولا تبيعها الا عند الضرورة القصوي وقد تصل لاعداد مهولة دون استثمارها في مشاريع جانبية.
ويمكن تخليصهم من تلك المفاهيم الخاطئة بحثهم علي الزراعة وشراء العربات والعقارات
وفتح حسابات في البنوك او بتعليمهم كيفية استخدام الحيوان في النقل و الزراعة ،
لتجنيبهم الفقر المباغت اوالصدمة النفسية الناتجة عن نهب مواشيهم اوتعرضها للانقراض نتيجة الاصابة بالأوبئة والأمراض .
كما ان تحريك اموالهم يساعدهم علي زيادة دخولهم ودعم الاقتصاد الوطني القومي والمحلي.
وعلي الدولة ان تسعي جاهدة لتوطين الرحل بتوفير مقومات الاستقرار من اجل ادخالهم
في منظومة التعليم لتطوير افكارهم ،كما عليها العمل علي حماية القطاء النباتي وضمان
سلامة البيئة بالشروع في التشجير و الشتل ومنع القطع الجائر للاشجار و الغابات و ضبط
تجارة الفحم والحطب ومنع الصيد البري.
ومن الضروري بمكان ان تجد وزارة الثروة الحيوانية التعريفات المناسبة للمصطلحات الشعبية
المرتبطة بالمهنة كالبقارة والابالة والسيارة والرعاة والرحل والمزارعين وخلافه، حتي لاتصّطدم
في المستقبل البعيد بالآثار السالبة التي تفرزها التفسيرات الخاطئة التي يروج لها بعض الكتاب
والمؤرخين ،حيث سعوا بطريقة او بأخري لتفريغ المصطلع الرعوي من مضمونه الاصلي
الذي يرتبط بمزاولة المهنة دون سواها عندما صوّرت لهم مخيلتهم ان البقارة والابالة والرعاة
والرحل ينتسبون الي مجموعات معينة، بينما المزارعين الي مجموعات اخري. وهذا التفسير خاطئ و مجافي للحقيقة وغير منصف لان الجميع شركاء في الرعي والزراعة.
فطالما ان الغرض من التسّمية هو المهنة فلا يجوز اختزالها في مجموعة دون الاخري.
وعلي الدولة ان لا تستجيب لتلك التفسيرات ، بل عليها العمل علي تأسيس واقع قومي معافي
سليم يشمل الكل، لان البقارة هم كل من يرعي البقر و الابالة هم كل من يرعي الابل و الغنامة
هم كل من يرعي الغنم و المزارعين هم كل من يمارس الزراعة وهكذا وبهذه الكيفية يمكننا
الخروج من دوائر التصنيف القبلي والسياسي. مليح يعقوب حماد محمد
التعليقات مغلقة.