دولة القانون دور القوى السياسية [1] بقلم د. عبد العظيم حسن المحامي
دولة القانون
دور القوى السياسية [1]
لا تنجح الثورة أو يتحقق التغيير بسقوط رأس النظام وإنما بتفكيك مؤسساته التي أوجدها وتدريجياً. التشريعات والخطط الصادرة عن سلطة منتخبة هي وحدها التي تستطيع أن تهزم أركان الحرس القديم وتلقي بهم في مزبلة التاريخ. وقف الحرب والوصول للانتقال والعبور به للانتخابات هو عين المقصود بالعملية السياسية. ولأن وقف الحروب أو نجاح الانتقال عمليات غاية في التعقيد فإن مناولتها لا تتأتي لمجموعة أو مجموعات محدودة من قوى الثورة وإنما لأغلبيتها المجتمعة على برنامج حد أدنى.
منظومات المجتمع المدني كالأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الطوعية وما في حكمها هي أساس التغيير المؤسسي. حتى وإن لم يوجد دستور فإن وسائل التغيير لا تنشأ إلا بلوائح أساسية وهياكل تنظيمية صارمة هدفها الوطن والمواطن وليس الحزب أو التنظيم في حد ذاته. من الثوابت أن الأنظمة الدكتاتورية تدرك أن بقاءها في زوال دولة القانون. بالمقابل، وعلى الكيف تختلف الأحزاب السياسية من حيث البرامج والاليات ولكنها، أي الأحزاب، لا يجوز أن تتنازل عن المؤسسية أو تتنازع على الوطن أو أمن وسلامة المواطن. الحروب، وما في حكمها من كوارث، هي التي توحّد القوى السياسية وتجبرها على تناسى خلافاتها مؤقتاً. أي نقاشات أو محاولات للحصول على المكاسب السياسية لا يجوز أن تتطفو أو تظهر للعلن إلا بعد وقف الحروب وجلاء الكوارث. الصراعات المستمرة أثناء الأزمات لا تفسير لها سوى أن لحزب أو بعضها مصلحة ذاتية من الحرب.
بالأمس اجتمعت بالقاهرة قوى الحرية الكتلة الديمقراطية ونهاية الشهر الجاري سبق وأعلن مركزي الحرية والتغيير تحت مسماه الجديد “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” (تقدم) بأنهم سيعقدون اجتماعهم العام بأديس أبابا. نفس هاتين القوتين (الكتلة الديمقراطية والمجلس المركزي) هم شركاء الانقلاب المدني على الوثيقة الدستورية مفرزين سلام جوبا. ذات الشركاء سرعان ما تصارعوا فاتخذهم البرهان وحميدتي ذريعة لإنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر. بعد حوالي العام من الشد والجذب تقاربت ذات القوى وكادت أن توقّع الاتفاق الإطاري. بسبب الخلاف على طريقة اقتسام الكيكة اندلعت حرب الخامس عشر من أبريل.
بعد أكثر من عام على الدمار الشامل، يجوز القول بأن ليس هناك من بوادر لوقف الصراع وأن سياسة كسر العظم عين ما يرمي إليه الشركاء المتشاكسون. فالكتلة الديمقراطية ومنذ اعتصام الموز اختارت أن تكون الظهير لقيادة القوات المسلحة وحاضنتهم السياسية وآلتهم الإعلامية. على الصعيد الآخر تجلت ملامح التحالف بين المجلس المركزي والمجتمع الإقليمي والدولي. قوات الدعم السريع سواءً طوعاً أو بإغراء محلي ودولي اختارت أن تتخندق مع المجلس المركزي. إزاء هذا المشهد المعقد أخذت الأمور تزداد وطأة والمواطن حائر بين أن يكون فريسة للجغم أو التصنيف بين الفلول أو قحت أو الموز أو التيار الجذري. هذا الواقع هل سيفرز مسار ثالث يخرج عن النمط التقليدي؟ ونواصل.
عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
10 مايو 2024
التعليقات مغلقة.