*دولة القانون* *الأحكام الانقلابية*
الخرطوم:الايام نيوز
في 20 أكتوبر 2020 صادقت السلطة التشريعية الانتقالية على اتفاقية حرية التنظيم النقابي وهي الاتفاقية رقم 87 لسنة 1948. في 15 فبراير 2021 تم نشر المصادقة بالقانون رقم 1 لسنة 2021 بالجريدة الرسمية بحيث لم تعد بنود الاتفاقية مجرد نصوصاً ملزمة احتراماً للاتفاقية الدولية وحسب، وإنما بوصفها جزءاً لا يتجزأ من التشريعات الوطنية لتسود وتعلو على أي تشريع يتعارض ونصوصها. من أهم مقررات اتفاقية حرية التنظيم النقابي أن إنشاء النقابات والانضمام لها لا يتطلب الترخيص أو الموافقة المسبقة من أجهزة الدولة الرسمية. كذا حق اكتساب النقابة لشخصيتها الاعتبارية لا يجوز أن يكون معلقاً على اعتراف رسمي من السلطة العامة وإنما من تاريخ إجازة الجمعية العمومية لدستور النقابة ونظامها الأساسي. فالسلطة العامة بموجب الاتفاقية الدولية ملزمة بدور إيجابي يدعم تكوين النقابات ولا يجوز للسلطة العامة، بأي وجه، أن تتلكأ في أن تعتمد مقررات الجمعية العمومية وتسليم النقابة شهادة التسجيل.
من أهم الضمانات التي قررتها اتفاقية حرية التنظيم النقابي امتناع أي سلطة عامة، بما فيها المحاكم، من أن تمارس أي سلوك ينطوي على التعطيل أو التدخل أو التجميد أو الحل أو حتى إصدار أي قرار وقتي أو دائم أو مرسوم أو منشور يقيّد أو يعيق أي نقابة أو منظمة من منظمات العمال أو منظمات أصحاب العمل.
بالحكم الصادر في قضية علي الخضر ضد الخطوط الجوية التونسية التزمت المحاكم السودانية بمبدأ تغليب نصوص الاتفاقية الدولية متى تصادمت مع نصوص قانون وطني.
تبرير محاكمنا للقاعدة اعتمد على أن الانضمام لاتفاق دولي تتعارض
نصوصه مع قانون سابق يعني أن السلطة التشريعية رأت أن تتجاوز السابق باللاحق.
يساند هذا النظر ويقرره قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974 والذي يقرر مبدأ علو القانون اللاحق على السابق.
من المعلوم أن المصادقة على الاتفاقيات الدولية تقع في خانة التشريعات، وإصدار التشريعات في ظل الوثيقة الدستورية لسنة 2019
يجب أن يكون بواسطة المجلس التشريعي الانتقالي أو عبر الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء.
بانقلابه على الوثيقة الدستورية وادعاء تجميده لبعض نصوصها لم يعد البرهان أو أي جهة تنفيذية أو قضائية
قادرة على إصدار مراسيم أو قوانين أو قرارات تخالف المبادىء المقررة بموجب القوانين السارية أو الاتفاقيات الدولية.
مما لا جدال حوله أن المادة 62 من الوثيقة الدستورية لسنة 2019 ألقت على عاتق المحكمة الدستورية
وكافة المحاكم واجب تطبيق الدستور والقانون وكفالة الحريات والحقوق والحرمات المقررة في وثيقة الحقوق بما فيها حرية التنظيم النقابي.
فإذا كانت المحكمة الدستورية التي تأسست إبان فترة العهد البائد ظلت فاشلة في أن تصدر ولو حكم واحد قضى ببطلان
وعدم دستورية الاعتقالات التحفظية التي كان يمارسها جهاز أمن المخلوع، فما الجدوى من قيام محكمة دستورية؟
وإذا كانت المحكمة العليا تؤيد حظر النقابات بموجب مرسوم صادر عن البرهان، بلا سند أو شرعية، فما فائدة
وجود محكمة عليا أو بالأصح ما فائدة وجود سلطة قضائية؟
على ذات الخط ما فائدة وجود وزارة العدل إذا كان وزيرها يكتفي بالتصريح بالوسائط معترضاً على مضمون التعديلات
في بعض القوانين في حين أن اعتراض وزارته كان من المفترض
أن يوجه صراحة لعدم وجود السلطة التي تملك حق التشريع.
إذا كان رأس الانقلاب ونائبه أقروا بأنهم انقلبوا على الدستورية فهل يجوز لأجهزة العدالة أن تساند الحالة الانقلابية وتوطدها؟ أم عليها، ولو لمرة، أن تنبري لتعيد الأمور إلى نصابها رافضة للانقلاب ومستعيدة للشرعية بحكم القانون؟
د. عبد العظيم حسن المحامي الخرطوم 3 مارس 2023
التعليقات مغلقة.