الايام نيوز
الايام نيوز

حيدر المكاشفي ✍️ جن الانقاذ المعروف

جن الانقاذ المعروف

من أمثالنا الشعبية السودانية التي أراها سالبة وانهزامية، المثل الذي يقول (جنا تعرفو ولا جنا ما بتعرفو)، ومنها أيضاً (أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة، اسأل مجرب ولا تسأل طبيب، اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب..الخ، وهي كما ترون أمثلة محبطة ومثبطة للهمم، تناهض التغيير وتدعو للتآلف والتعايش مع الحال الماثل والوضع المعيش رغم سوئه ورفضهم له، وفي معنى هذا المثل تقول الطرفة إن أحد إخوتنا الجنوبيين (قبل الانفصال طبعا)، كان يمالئ الإنقاذ ويؤيدها بحكم العادة والتعود، حاول مرة بعض أقطاب المعارضة استقطابه إلى جانبهم، ولكنهم عبثا حاولوا نزعه من صف موالاة الإنقاذ وضمه إلى جانبهم، لم يتركوا سيئة ولا خسيسة أو دسيسة إنقاذية إلا أحصوها له، ورغم ذلك ظل مستمسكا بإنقاذيته، لجأوا لحيلة أخيرة علها تنجح معه فعرضوا عليه مبلغ مائة ألف جنيه، حيث لا قبل للمعارضة المفلسة بالملايين.. على طريقة أكلوا توركم وأدوا زولكم.. قبض صاحبنا مبلغ (الكرية)  وأدخله في جيبه ثم (تبنه) بكلتا يديه، بعد أن اطمأن إلى أنه قد أحكم قبضته على المبلغ، أشاح بوجهه بعيدا وقال لأقطاب المعارضة (إنقاذ دا ااااي ما كويس وبجي كرانج خالس خالس لاكين بس نحنا إتعودنا عليهو)، وللمعلومية كرانج بلغة الدينكا تعني تعيس وبائس، وكأني بهذا الأخ الجنوبي الفاضل أراد أن يقول (جنا تعرفو ولا جنا ما بتعرفو)..

الشاهد هنا أن البعض منا باتوا يلوكون مؤدى هذا المثل المحبط والمثبط وهم من كانوا استبد بهم الغضب من عمايل وفعايل الإنقاذ وأمطرونها بسياط الشتم ورمونها بوابل من عبارات السب، الى ان هبوا واسقطوها في ثورة ديسمبر المجيدة، ولكنهم رغم كل ذلك ظل حالهم معها كحال صاحبنا الجنوبي (لا بريدك ولا بحمل بلاك)، بمعنى أنها بالنسبة لهم بمثابة الجن الذي عرفوه وألفوه وفضلوه على ما عداه من (مجانين) بابداء الحنين اليها بقولهم (حليل الانقاذ وحليل عمر البشير)، وهو ذات القول الذي رددته من قبل هذه الشاكلة من البشر للفريق عبود الذي أطاحته ثورة اكتوبر (ضيعناك وضعنا وراك).. وقد بدا لي من يرددون هذه العبارات العاجزة وكأنما يصفون الشعب السوداني بالعجز والاستكانة والمسكنة، ذلك لاستشهادهم بذلك المثل السالب الذي يغيب العلم ويلغي تفسيراته ويبرر للعجز عند مواجهة الصعاب، ويعمد للإبقاء على السيء خوفا من أن يكون البديل أسوأ، وهذا مما يناقض المبادئ الديمقراطية ويتقاطع مع مفهوم الحرية ويصادم العدالة، علاوة على أنه يدعو للتخذيل والاستسلام والتسليم بالأمر الواقع ويكرس للتقاعس، وأن لا يتطلع الإنسان لأبعد من موقع قدميه، وأن لا ينظر لأبعد من أرنبة أنفه، ويظل حبيسا بين ماضيه الآفل وحاضره المعيش فقط، بلا نظرة للأمام وللغد والمستقبل.. وأخيرا بقي أن أذكر أن المبدع سعد الدين إبراهيم الشاعر والصحفي رحمه الله، كان قد(نجر) في إحدى تجلياته مثلا مضادا مؤداه (جنا تعرفو ولا ما تعرفو حقو تختا).. وكفانا الله شر الجن والجنون والمجانين.

التعليقات مغلقة.