*دولة القانون* *صفقة الدعم السريع*
بسبب الجرائم والفظاعات التي ارتكبت بدارفور أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بأن يحاكم المخلوع عمر البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية. فبدلاً عن مواجهة التهمة بالقانون، تدثر أسد أفريقيا خلف شعبه المكلوم. استجابة قوات الشعب المسلحة لثورة الشعب لم تتوج بسلطة مدنية أو حتى حماية المعتصمين وإنما ارتكاب جرائم وفظاعات أدت في خاتمة المطاف لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر. على التقصير والإهمال المهني الفاحش لائحة الاتهام عن كل تلك الجرائم يجب أن تُوجه للمجلس العسكري الانتقالي. على سنة البشير وخوفاً عن المساءلة اختبأ المجلس العسكري خلف الكرسى متحججاً ورافضاً تسليم السلطة. تاريخياً، وبتحريض من علي عثمان طه كان البشير قد نفض يده عن حسن الترابي في مفاصلة مشهودة أفضت لبيع رمز الحركة الإسلامية بثمن السلطة والثروة. بشهية العسكريين المعلومة لم يتوان البشير في الاستعانة بخبرات تلامذة الترابي النجباء علي عثمان، نافع والجاز. الأخيرون، وبما اكتسبوا من قدرة فائقة على المؤامرات، مضوا قدماً في سنة تمكين القوات الرديفة كالدفاع الشعبي والأمن الشعبي والشرطة الشعبية. ولأن الحركة الإسلامية، منذ منتصف السبعينات، نجحت في اختراق كل المؤسسات المدنية والعسكرية، فقواتها الرديفة مع كتائب الظل كانت وسيلة السيطرة الفعلية على القيادة وحصرها على العضوية الملتزمة أو بمن لا يجرؤوا على مخالفة التعليمات. لم يقف الأمر عند حد وجود القوات الموازية بل مُنح كل منها ميزانية مفتوحة للاضطلاع بالعمليات القتالية في إهمال واضح لقوات الشعب المسلحة وما تتطلبه من تطوير. قمع المطالب المشروعة لمواطني دارفور ومواجهة الحركات المسلحة قابلها نظام المخلوع بتغذية الفتن القبلية بجرثومة المجموعات العشائرية وتزويدها بالأسلحة الثقيلة. تزايد الضغطين الشعبي والدولي على البشير كان السبب الرئيس لأن يصادق برلمانه على قانون قوات الدعم السريع وصعود نجم محمد حمدان دقلو المشهور بحميدتي قائداً لها. لتوريط كل من حوله أتّبع المخلوع سياسية خلط الأوراق مانحاً كافة الأجهزة النظامية وغيرها امتيازات واستثمارات مالية جعلتها حكومات خارج ولاية المالية الاتحادية بحيث تمضي في خطوط متوازية لا تلتقي إلا عنده بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة والدعم السريع والشرطة وجهاز الأمن. بسقوط البشير ورغبة البرهان في عدم المواجهة المنفردة قبل الأخير اشتراط حميدتي ليكون النائب الأول وأن يُعدّل له قانون الدعم السريع بحيث يُعفى وقواته من الخضوع لأحكام قانون القوات المسلحة. بموجب التعديل أصبح الدعم السريع بلا رقابة أو قيود في اختيار عضويته أو تسليحها. ذات الصفقة خولت لحميدتي، بضربة معلم، أن يستمر الرجل الثاني على كافة مستويات أجهزة الحكم. السؤال الذي يطرح نفسه: هل ما زال حميدتي كرت الرهان الرابح ليجد ذات مساحات الحركة في المرحلة القادمة؟ أم أن العد التنازلي وبروز الخلاف بينه والبرهان سيُعجّل من الطلاق البائن بين الرجلين؟
د. عبد العظيم حسن المحامي الخرطوم 6 أبريل 2023
التعليقات مغلقة.