الحقيقه المره رقم(٦).
الحقيقه المره رقم(٦).
*فجأة وجدت أنني في الأربعين.. الخامسة والأربعين.. ثم سن الخمسين!.. هذه أرقام لم أسمع عنها من قبل ولم أتخيل أنها ممكنة لانى اصغر اخوانى وحظيت بهتمام الام والاب والاخوان والاخوات ومازلت ….
*بدأت أشعر بالذعر عندما لاحظت ان الباعة يقولون لي «يا حاج».. والمراهقون يقولون لي «يا عمو» واصدقاء الطريق.ثم وصول ابنائى وبناتى المرحله الثانويه والمتوسطه. ثم يسالنى الشعب السوداني يا دكتور اين تتجه البلاد كواحد من المسؤلين عنها ومن كبار مفكريها والذين يتحدثون عنها وابدى الكثيرين الاعجاب بطرحى وشجاعتى فى مقابلاتى الفضائية .ثم ازداد الأمر سوءًا عندما صار الأولاد المهذبون يقفون لي في وسائل الموصلات كي أجلس مكانهم. أمس الأول رأيت امراة مسنة تحمل اغراض ثقيلة وتمشي في الطريق، فهرعت في شهامة لحمل اغراضها عنها، ثم فطنت إلى أنني في الخمسين ومريض بمرض ضغط الدم والقولون والجيوب الانفيه وبعض الام الركب شهامتي هذه ستبدو أقرب للسخف أو تجلب علي السخرية.
مسن بعنف. مسن جدًا.. من المستحيل أن أجد أي شخص أكبر سنًا مني. أجلس في مجلس كبير فأكتشف ان كل الجالسين بين ثلاثين وأربعين عامًا.. الشيخ فيهم في التاسعة والأربعين!.. الحلاق الأشيب المسن الذي أحلق عنده سألني عن علاج النسيان، فقلت له إنه لابد أن يتوقع تصلب شرايين المخ في سنه هذه. قال في اتعاظ وأسى:
ـ«بالفعل.. بعد 45 عامًا يجب ان يقبل الإنسان تداعي حواسه!» خصوصا النظر والذاكره
ـ«هل أنت في الخامسة والأربعين؟»
ـ «نعم.. وأنت يا حاج ؟»
ابتلعت لساني.. وفضلت الصمت. مع الوقت صرت أشعر كأن كل من في الخامسة والأربعين طفل كان يرضع البارحة ويبدلون له البامبرس.
لهذا أحب جدًا صداقة اثنين أو ثلاثة ممن يكبرونني سنًا. الاستاذ عم طه بالمعاش كم هو شخصية رائعة ذكية والاخ العزيز الشاب معتز ادم شلته إنه الصديق الأمثل. هؤلاء الذين ارتاح معهم .. أين هم ؟.. لماذا صاروا نادرين امثالهم؟
- أما ابشع اللحظات فهي حين ترى فتاة حسناء تروق لك، فتتودد لها ليكون أول لقب تناديك به هو «يا عمو». هذه أقرب لصفعة على وجهي بلا شك.
ليس هذا أسوأ من صديقي طبيب الأطفال الذي قابل في إحدى الحفلات فتاة بارعة الجمال. كان مطلقاً يبحث عن عروس جديدة، وبدت له هذه الفتاة مناسبة جداً. وجد أنها تحدثه في حرارة وحب حقيقيين، وأعطاه هذا انطباعاً بأن الطريق ممهد لقلبها. قال لها:
ـ «أشعر أننا التقينا في زمن ما في مكان ما»..
قالت في مرح:
ـ «بالفعل .. أنت كنت الطبيب الذي يتابعني وأنا في الحضّانة بعد ولادتي!.. لقد ولدت قبل موعدي كما تعلم»!
طبعا يمكنني أن أتخيل ما حدث بعد ذلك.. لقد تبدل وجهه إلى اللون الأحمر واعتذر لها وانسحب..
اللحظة التي تتحول فيها من «يا وجيه كما كان ينادينى بها الشاب الراحل رحمه الله عليه الريح على درنكى» إلى أستاذ إلى «عمو».. هذه لحظة قاسية ومروعة.. دكتور عصام دكين مقال منقول اعجبتنى فكرته وطرحه مع المعالجات الخاصه جدا ..الا ليت الشباب يعود يوما لاخبره بما فعل المشيب. لقد عالجنا الشيب بالصبغ ولكننا لم نعالج اشياء اخرى التى تجلب تعبيرات ياخال ياعمو ياحاج …اليوم ارتدى الجلابيه مع العمه والصديرى الشرقاوى الضبيانى واعتلى به خطوط الطيران لتاكيد سنى بلغت الخمسين وسودانيتى….كل عام وانتم بخير …. - دكتور عصام دكين
التعليقات مغلقة.