مشاهد محمد الطيب عابدين معركة بدر الكبرى*قراءة جديدة
بسم الله الرحمن الرحيم
مشاهد محمد الطيب عابدين
*قراءة جديدة* “””””””””””””””””””””””””” على بعد ١٦٠ ميلاً من يثرب ( المدينة المنورة ) وقعت معركة بدر الكبرى ، و سيراً على الأقدام قطع جيش الإسلام بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسافة . كل مؤشرات الإعداد و القوة تشير إلى الهزيمة .*كيف كان الجيشان ؟* تكون جيش المسلمين من ٣١٤ جندي ، منهم ٨٣ مهاجراً ، و ٦١ من الأوس ، و ١٧٠ من الخزرج . في القوة الناقلة ( اللوجستية ) كان لديهم حصانين و ٧٠ من الأبل فقط ، بمن فيهم من أهل المدينة الذين غلبت عليهم حالة الاستقرار الحضرية في المزارع ، لم تفتل المعارك الصحراوية عضلاتهم ، ولم تجفف صحراء طباعهم خلا حروب قليلة داخل يثرب قامت فيما بينهم . في المقابل كان جيش الكفر القادم من مكة يتكون من ٩٥٠ مقاتلاً من المحاربين المحترفين المنحدرين من أصلاب مكة بجفاف صحرائها و قسوة جبالها ، و نشئة الجند على صهوات الخيل و مصارعات البرية و رمي النبل و بريق السيوف . جاء رجال مكة الاشداء يعتلون صهوات ٢٠٠ من الخيول المدربة على القتال ، و ٣٥٠ من الأبل الصابرة على شح الماء و قسوة الصحراء في مكة . و كما أسلفت كانت كل حسابات الواقع و الطبيعة و معطيات المعركة تنبئ بهزيمة جيش الاسلام الضعيف . كان *” سعد بن معاذ “* الأكثر قلقاً و تحسباً لما بعد الهزيمة ، فنجده يشرع في الإعداد قبل المعركة لإجراءات الإخلاء العسكري و الإنسحاب بعد الهزيمة التي كان يتوقعها ، شرع في بناء عريشاً للرسول في الجزء الشمالي الشرقي لميدان القتال، يتلاءم و حالة الانسحاب السريعة نحو المدينة ، و ضرب حول النبي نطاقاً من فتيان الأنصار لتأمين رسول الاسلام . كان الرسول صلى الله عليه وسلم *يترقب التدخل الإلهي المباشر الفوري* فهو يدرك إمكانياته الموضوعية و يدرك جسارة قبائل مكة التي نشأ ضمنها، و التي أتت زاحفة عليه تريد هلاك عصبة الاسلام و فناء الدين من بعدهم . دعا النبي *( اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصبة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض”* . ببصيرته الثاقبة ، كان *أبوبكر* يراقب دعاء الرسول اللحيح ، و أبل قريش و جيادها تزحف نحوهم ، فيهيب برسول الله : *” كفاك يا نبي الله – بأبي انت و أمي – مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك “*.*و التهبت المعركة ..* دارت المعركة ، و يتخلى الرسول عن كل الترتيبات التي فرضها *” سعد بن معاذ “*، و يقتحم المعركة يتبعه فتيان الأنصار و هو يردد : *{ سيهزم الجمع ويولون الدبر “٤٥” بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر “٤٦” }* . سورة القمر الآية ٤٥ – ٤٦ كان النبي رجل سيف وقتها و كانوا يلوذون به حين يشتد الخطب ، و قد قالها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : *( كنا إذا اشتد الخطب و أحمرت الحدق إتقينا برسول الله ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ، و قد رأيتني يوم بدر و نحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو )* . *و انتهت بدر ..* انجلت معركة بدر الكبرى . *هلك للكفار ٧٠ قتيلاً ، و ٧٠ أسيراً ؛ و أستشهد من المسلمين ١٤ رجلاً*. وقف أبو سفيان آمراً قومه بالارتحال : *( .. يا معشر قريش: إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع و الخف و أخلفتنا بنو قريظة و بلغنا عنهم الذي نكره و لقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قِدر ، ولا تقوم لنا نار ، ولا يستمسك لنا خباء ، فارتحلوا إني مرتحل .. )* . كانت معركة بدر الكبرى في حجمها أكبر بكثير من طاقة المسلمين، ولكن الله تولاهم ولياً و نصيرا . *{ ولقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون }* سورة ال عمران الآية ١٢٣ العماد *” مصطفى طلاس “* وزير الدفاع السوري و القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي ( *العلماني* ) يعدد الأسباب الموضوعية للإنتصار من وجهة نظره : ١ – *ارتفاع الروح المعنوية* لدى جنود الثورة الإسلامية لأنهم كانوا يقاتلون عن إيمان و عقيدة من أجل رفع راية الإسلام . ٢ – *انضباط المسلمين الشديد* و تمسكهم بتعليمات الرسول العربي و تنفيذ أوامره و توجيهاته . ٣ – *قيادة الرسول* العربي الحكيمة و مساهمته في المسير أولاً ، و في الإستطلاع ثانياً ، ثم في *خوض المعركة ثالثاً جنباً إلى جنب معهم* و في مواجهة الأعداء مباشرة .٤ – *الإستماع إلى أهل الرأي و المشورة من رجاله* و الأخذ بآرائهم إذا رآها مفيدة للمعركة .٥ – *إتباع اسلوب جديد في المسير و تشكيل الأرتال* لا يختلف عما هو متبع الآن . ٦ – *إن التاريخ العسكري يحدثنا بأن سر إنتصار القادة العظماء هو أنهم طبقوا أساليب جديدة في القتال غير معروفة من قبل* . ( راجع : مصطفى طلاس ، الرسول العربي وفن الحرب) و برغم صحة كل ما ساقه ( طلاس ) فقد غاب عنه عنصر هام من أسباب النصر في معركة بدر الكبرى، وهو *علاقة الغيب بالحركة الموضوعية في الأرض* ، و التدخل الإلهي المباشر في المعركة : *{ فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى و ليبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً إن الله سميع عليم }* سورة الأنفال الآية ١٧ أراد وزير الدفاع السوري ( طلاس ) أن يكتب تاريخ الرسول العربي بروح العصر و بلغة القرن العشرين ، *بعيداً عن إرادة الله و فعله الكامن في حركة الحياة دون حلولية و لكن بمراقبة و مشيئة قادرة و باطشة، فعلاً إلهياً هو فوق كل الشروط الموضوعية للزمان و المكان . كتب ( طلاس ) : ” كما حاولت مجتهداً تفسير أعمال الرسول العربي الحربية و السياسية تفسيراً موضوعياً علمياً “* . قد غاب الله عن مسرح العمليات القتالية تبعاً لتحليل ( طلاس ) العصري ، و فات عليه أن يرجع إلى القرآن إذ يقول : *{ يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً و جنوداً لم تروها و كان الله بما تعملون بصيراً }* سورة الأحزاب الآية ٩ الريح التي شكا منها أبو سفيان و أرتحل بسببها و أمر قومه بالرحيل ، لم تكن ريحاً موسمية عادية ، بل كانت فعلاً إلهياً صحبته جند من الملائكة تقاتل مع الرسول و جيشه ، إن العجز عن تفسير الظاهرة لا يعطينا الحق بتجاهلها . فلو رجع ( طلاس ) البعثي للقرآن لوجد : *{ بلى إن تصبروا و تتقوا و يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة ألاف من الملائكة مسومين }* سورة ال عمران الآية ٤ *كانت معركة بدر هي معركة الوجود الإلهي في الفعل البشري و الطبيعي دون إلغاء أو نفي له* ، فليس غرض هذه الدراسة نفي الفعل البشري في مسير الرسول و ترتيب الأرتال ، و مشاورة أصحابه ، و التخطيط و التنفيذ للمعركة بأساليب جديدة لم تكن متبعة أنئذ ، ولكن الهدف من هذه الدراسة هو إثبات و تأكيد الفعل الإلهي الذي غفل عنه محلل عسكري بقامة العماد ( مصطفى طلاس ) وزير الدفاع السوري، لا لعدم قدرة أو معرفة بالتحليل العسكري ، ولكن لأن *الفكر البعثي العلماني* جعل في قلبه و عينيه غشاوة حجبت عنه مدلولات الفعل الإلهي الكامن في الفعل البشري و الطبيعي دون إلغاء أو نفي له، *فليس وراداً في فهمنا أن ننفي المادية بالغيب أو ننفي الغيب بالمادية ، فهذا أمر يصدر عن خلط في العقل البشري*؛ ذلك أن كيفية الفعل الإلهي لا تحكمها بالضرورة ما يحكم الفعل الإنساني من تقيد بشروط الزمان والمكان . ( راجع الإقتباسات من محمد أبو القاسم حاج حمد – العالمية الإسلامية الثانية المجلد الثاني من الصفحة ٧١ و ما بعدها ) ما أنفك الوزير ( مصطفى طلاس ) في كتابه [ الرسول العربي و فن الحرب ] يكرر و بتركيز شديد عبارة *( النبي العربي )*- و إن كان ذلك كذلك – فإن ( طلاس ) قد عمد بها ممجداً فكر البعث العربي الاشتراكي ، وليس تمجيد الإسلام أو رسوله . فمبدأ البعث العتيق *( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة )* . لم يكن العرب أمةً واحدة في يوم من الأيام ، ولم يكن لهم رسالة خالدة أو غير خالدة ؛ إنما *هو الإسلام الرسالة الكونية الخالدة* ، و أن النبي ( محمد ) رسول أممي لكافة الأمم من أنس و جن و حيوان و نبات و حتى الحجر ، أولم يؤمن ملايين من الهند و السند و الفرس و أفريقيا ، ألم يستمع نفر من الجن إلى القرآن فأمنوا به ، أولم تكن الوحوش في بادية بني سعد تأتي لتتشمم ريح النبي الطيب وهو صبي و تتمسح به، ألم يشتكي له البعير كثرة الكُلف و قلة العلف، أولم يبكي جزع النخلة لفراقه ، ألم يكن في المدينة حجر يسلم على رسول الله ؛ تلك الأمم التي بعث لها رسول الإسلام . ليست العربية بنسب و لا قبيلة و لا جنس إنما العربية اللسان المبين الواضح . و لا يفوتنا قول أبي سفيان مخاطباً قومه *( … لقد هلك الكراع و الخف … )* ، و الكراع كلمة عربية فصحى تُطلق على قدم الإنسان ، بينما تُطلق كلمة الخف على قدم الحيوان ؛ و الكراع كلمة مستخدمة في اللهجة العامية السودانية، و بهذا فهي ذات أصل لغوي عربي فصيح و الله أعلم . كانت تلك *قراءة جديدة*- بعد ١٤٤٢ عاماً من الهجرة – لمعركة بدر الكبرى التي جرت في يوم الجمعة ١٧ رمضان من السنة الثانية للهجرة النبوية الشريفة .
*وصلى الله على سيدنا و مولانا و حبيبنا محمد و على أله و سلم عدد خلقه و رضا نفسه و زنة عرشه و مداد كلماته ..*
مع تحياتي ،،،
*محمد الطيب عابدين*
بري – الخرطوم ١٧ رمضان ١٤٤٤هجري
التعليقات مغلقة.