دولة القانون انقلاب الجنجويد
دولة القانون
انقلاب الجنجويد
اعتقد البعض سواء بقصد أو بدونه، وبغباء أو بادعاء الذكاء أن في تحريض وتشجيع حميدتي على الحرب أقرب المسالك لبلوغ القصر. حميدتي وبعد أن تضخمت ذاته صدّق أنه حارس الديمقراطية الأمين. فكرة استغلال المغفل النافع من شاكلة حميدتي ليست بممارسة جديدة سواء في تاريخنا أو حاضرنا السياسي. فالانقلابات العسكرية سواء على الديمقراطية أو على انقلاب قائم ظلت الفكرة الألمعية الوحيدة للوصول للسلطة. لذلك لا يستطيع أي حزب أو تحالف سياسي سوداني أن يدعي أنه لم يشارك في انقلاب عسكري أو يحرض عليه. الحقيقة المرة أن الانقلابات بالسودان تصنعها وتغذيها ممارستنا الحزبية الضعيفة والتي لم تنشأ نشأة طبيعية، فكانت البندقية هي وسيلتها الحصرية لبلوغ الحكم. آخر هذه التجليات كانت هذه الحرب والتي تمظهرت في أسوأ حالة انقلابية في تاريخ السودان حيث استعان الانقلابيون، هذه المرة، ليس بقوة محترفة وإنما بمجموعة من الجنجويد الرباطة الذين أهلكوا الحرث والنسل مشيعين الفوضى والذعر مختبين، بكل خسة، وراء المواطنين.
لأي دولة حديثة ثوابت وطنية لا تقوم على التطرف والشنآن وفش الغبينة. فالله سبحان وتعالى يقول: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى”. صحيح أن الكيزان، كغيرهم من الأحزاب السودانية، ظلموا شعبهم، وكانوا سبب كل البلاوي التي أحاطت بالوطن. مع ذلك هل يجوز أن يكون حميدتي هو الترياق؟ بنظري المتواضع أن من انبروا لهذه الثورة المجيدة وسلطوا أنفسهم قيادة لها هم سمحوا للكيزان بالعودة علاوة على كونهم فوتوا على الشعب السوداني فرصة عظيمة في نجاح ثورتهم. فلو أن هولاء، ومنذ يوم التفاوض الأول، اشترطوا على اللجنة الأمنية خروج جميع المفاوضين المدنيين والعسكريين من المشهد لعبرت الثورة. للأسف ولأن العسكر وجدوا في من فاوضوهم داء السلطة كانت النتيجة شراكة الدم التي منها بدأت المؤامرات والأزمات التي نعيشها وستستمر طالما أننا نكرر نفس الأخطاء ونسمح لذات القيادات غير المؤهلة أن تمثل الثورة.
حتى لا أتوقف عند طرح المشكلة المعلومة، فالحل الذي كنت وما زلت وسأظل أردده في التوافق على 50 أو 60 كفاءة وطنية غير منتمية حزبياً لتكون المجلس التشريعي الانتقالي. هذا المجلس عليه أن يختار رأس الدولة ورئيس الوزراء من الكفاءات الوطنية المهنية غير المنتمية حزبياً. رئيس الوزراء يتم تفويضه ليختار وزارته وحكام الأقاليم بذات شرط الكفاءة وعدم الانتماء الحزبي. للمجلس التشريعي أن يختار رئيس القضاء ونوابه بالإضافة للنائب العام ومساعديه. يجوز للمجلس التشريعي أن يختار قضاة المحكمة الدستورية أو أن يسمي دائرة دستورية بالمحكمة العليا أو أن يترك الأمر لمجلس القضاء العالي الذي يتم تشكيله بواسطة رئيس القضاء ونوابه بالتشاور مع رئيس المجلس التشريعي ورئيس الوزراء وراس الدولة. من ضمن اختصاصات المجلس التشريعي تسمية رئيس وأعضاء المفوضيات وسن قوانينها. خلال الفترة الانتقالية التي لا يجوز أن تتجاوز العامين تكون الأولوية لتحسين معاش الشعب، درء آثار الحروب، تشكيل مفوضية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو مع إنشاء وتخويل مفوضية للعدالة الانتقالية لتضع وتطبّق معايير العدالة التي ترد الحقوق لأصحابها ومحاكمة رموز النظام هذا فضلاً عن سن قانون الانتخابات وتنظيمها.
طالما أن الفترة الانتقالية يجب أن تقودها كفاءات وطنية ثورية مهنية غير منتمية فإن عملية اختيارهم لن تكون معقدة لبعدها عن الأطماع الشخصية والمحاصصة. فكل الأحزاب السياسية وغيرها من منظومات المجتمع المدني والمغتربين والمهجرين والقروبات المؤيدة للثورة بوسعها المشاركة في اختيار قيادة الانتقال وبالضرورة دعمهم. لتقريب الصورة أكثر، أي فترة انتقالية تحتاج لمهنيين متجردين خرجوا من رحم الثورة دون أن يكونوا من عضوية النظام البائد ويستحسن ممن لم يشغلوا أي منصب حتى في ظل الفترة الانتقالية الأخيرة. أفضل من نثق بهم في عبور الانتقال المؤهلين وأصحاب التجربة الحقيقية في القطاع الصحي، الزراعي، الإعلامي، التعليمي، الأمني، الإداري والعدلي بجانب قطاعات المغتربين وأصحاب الأعمال ليرشحوا من بينهم الكفاءات غير المنتمية حزبياً. بهذه الطريقة السهلة سنكون أمام قائمة محترمة من خبراء التنمية المستدامة التي يمكن ان تضع الأساس للدولة السودانية الحديثة. في فترة وجيزة، بالذات في ضوء الطفرة التكنولوجية، يمكن إكمال الترشيحات والتأكد من عدم الانتماء والكفاءة خاصة وأن الأحزاب السياسية هي التي ستراقب وتكشف ما إذا كان هناك أي حزب تجاوز أو حاول أن يسرّب أو يختطف الفترة الانتقالية.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
27 أبريل 2023
التعليقات مغلقة.