للحديث بقية عبد الخالق بادى من خرج من داره قل مقداره!!!
للحديث بقية
عبد الخالق بادى
من خرج من داره قل مقداره!!!
كما هو متوقع أصبح عشرات الآلاف من السودانيين الذين غادروا الخرطوم بسبب الحرب عالقون بمدينة حلفا القديمة وبالمعابر الحدودية الأخرى مع جمهورية مصر ،وذلك بسبب كثرة المغادرين وبطء الإجراءات على الحدود ،حيث تمنح التأشيرة بالقطارة وبمعدل ضئيل جدا مقارنة بعددالجوازات التى تسلم يومياً ألف جواز ويتم منح التأشيرة لمائة شخص كحد أعلى .
وانا أتابع معاناة السودانيين فى المعابر الحدودية مع مصر وبقاىهم لعشرات الأيام فى العراء تحت لهيب الشمس وفى ظل شح فى الماء والمنافع، تذكرت المثل الذى يقول(من خرج من داره قل مقداره)، حيث يمكن وصف ما يكابده هؤلاء الناس من أجل الدخول لمصر ،بالكارثة الإنسانية وعدم احترام حقوق الإنسان فى ابسط الاحتياجات من مأكل ومشرب ومأوى، فرأينا الكثير من الأسر تبيت فى الشارع وفى سوق حلفا وفى المساجد.
واذاةجئنا للحقيقة فنحن كسودانين من أدخلنا أنفسنا فى هذا المأزق واصبحنا(ملطشة للبيسوا والمابيسوا)، فأنا أستغرب للآلاف المؤلفة من السودانيين الذين قطعوا ألف كيلومتر تقريبا ودفعوا مبالغ طائلة للوصول للحدود المصرية،وهنا قفز إلى ذهني سؤال مهم،وهو ألم يكن لهؤلاء خيار آخر غير اللجوء لمصر؟ ألم يكن خيرا لهم البقاء والإقامة مع ذويهم أو معارفهم ،اللهم إلا إذا كان هؤلاء ليس لديهم جذور أو أهل داخل السودان يقيمون معهم كما فعل مئات الآلاف من المغادرين و الذين توجهوا لأهلهم بالاقاليم وأقاموا معهم معززين مكرمين، أو ربما بعضهم جذورهم غير سودانية أو من فلول العهد المنهار الذين نهبوا أموال الشعب واستوطنوا العاصمة ويخجلون من العودة إلى أهلهم بعد فعلتهم الشنيعة،أو قد يكون بعضهم من أصحاب التفكير الأنانى الذين تهمهم أنفسهم فقط،ولا يكترثون لمعاناة اهلهم واقربائهم مع الحرب،بدليل انفاقهم لمبالغ ضخمة فى هذه الرحلة مجهولة المآل،فى حين أن ما دفعوه فى هذه الرحلة المرهقة والمكافأة ،كان سيغطى منصرفاتهم لفترة طويلة أن آثروا البقاء وسط فى بلدهم ووسط أهلهم.
وفى خضم هذه المأساة الإنسانية على حدودنا الشمالية ،عقدت مقارنة بين ما قام به الاثيوبيون تجاه الوافدين إليهم من السودان ،حيث فتحوا حدودهم على مصراعيها دون تأشيرة اوى أى اجراءات،بل وفروا بعض المستلزمات لهم من ماء وطعام وعلاج، فى الوقت الذى يماطل فيه المصريين ويعقدون إجراءات دخول السودانيين إلى بلدهم ، شتان ما بين المثالين، واحد فاتح ذراعيه لك وآخر يلوى لك ذراعك!.
المحن والمصاىب دائما ما تكشف عن معادن الناس،ففى الظروف الطبيعية يكون تعامل المصريين مع السودانيين آخر حلاوة،والسبب معروف ، لأن معظم الخير والنعيم الذى يتمرغون فيه يأتيهم من السودان، والآن وبسبب الحرب انقطع هذا النعيم وانقطعت المصلحة،فظهروا على حقيقتهم وأصبحوا يمتنون على من يسمونهم أشقاء و(ابناءالنيل) بمجرد تأشيرة دخول، مع أنه كان يفترض أن تفتح الحدود دون تأشيرة ،سبحان الله.
لقد أصبحت العلاقة بين السودان ومصر وخصوصا بعد ثورة ديسمبر فاترة، لأسباب أغلبها يسأل عنها الجانب المصرى، أولها الإصرار على ابقاء حلايب وشلاتين تحت احتلالهم،بل والعمل على تمثيرها دون مراعاة لأى اعتبارات للعلاقة او جوار ، كما أن مصر الرسمية تتدخل بصورة مستفزة فى القضايا السودانية ،وهذا ما حدث فى الأزمات الأخيرة، بوقوفهم مع طرف معين ، إضافة لاستغلال الفراغ الدستورى بالسودان أسوأ استغلال بنهب ثرواته وخبراته وبالتواطوء مع بعض الانتهازيين من التجار والمسؤولين السودانيين.
كل ما ذكرناه بعاليه جعل مصر فى موقف معزول لا يؤهلها للتدخل من أجل نزع فتيل الأزمة الحالية، لذا فلم تشرك فى المبادرة الأمريكية السعودية واستبعدت كما استبعدت الإمارات ،و الحكومة المصرية لم تجد ما تفعله حيال الصراع بين قوات الشعب المسلحة والمتمردين ،غير ابتعاث وزير خارجيتها سامح شكرى لانجمينا وجوبا لمناقشة الحرب فى السودان،وينتهى دورها عند هذا الحد.
طالما أن مصر تحتل أرض سودانية وترفض حتى التحكيم الدولى والرجوع للخارطة الأصلية التى تؤكد سودانية حلايب وشلاتين ، فإن مصر ستكون خارج حسابات أى حكومة سودانية مستقبلاً،وعلى السودانيين الذين يبكون ويشتكون من سوء المعاملة على الحدود مع مصر، أن يعلموا أن لجوءهم لمصر كان خيارا صعباً ، علما بأن الشعب المصرى يعانى من غلاء أسعار السلع الضرورية ومن التضخم منذ فترة ، ومهدظة من قبل صندوق النقد الدولي برفع فوائد القروض بسبب حرب السودان والتى يتأثر عليها بصورة مباشرة،وقد لاحظنا ذلك على مستوى السلع الضرورية ،فبعد أيام قليلة ، رفعت الوزارة التموين أسعار السلع الأساسية و التى توزع للمواطنين عبر بطاقة التموين المخصصة للأسر الضعيفة،فقد رفعت أسعار بعضها بصورة كبيرة وصل إلى نسبة ٩٠٪، ومن المؤكد أن أسر مصرية كثيرة لن تقوى على شرائها، فإذا كان هذا حال المصريين فكيف سيكون حال السودانيين الذين غادروا وينوون المغادرة لمصر،كيف سيعيشون وهم سيشترون احتياجاتهم بالسعر التجارى أى سعر السوق والذى هو أضعاف مضاعفة.
نعود ونقول لمن لجؤوا أو يحاولون اللجوء إلى مصر،بلدكم وأهلكم أولى بكم ،ولا أرى مبرر مقنع لسودانى ابن بلد أصيل يفكر في الذهاب لمصر،خصوصا أن معظم ولايات السودان والحمد لله آمنة مطمئنة والحياة فيها طبيعية،وقد رأيتم بأم أعينكم الاستقرار والأمان الذى تتمتع بهما ولايتى نهر النيل والشمالية، فحتى لو لم تملكوا ما يمكنكم من الإقامة فبيوت المواطنين ستأويكم وسيتكفلون بكم، تماماً كما فعل آلاف المواطنين بالأقاليم باستضافتهم للكثير من الأسر التي وفدت إليهم من الخرطوم ، السودانيين لسه بخير والحمد لله أهل كرم ومروءة وإيثار.
التعليقات مغلقة.