الايام نيوز
الايام نيوز

مشاهد محمد الطيب عابدين بري اللاماب

بسم الله الرحمن الرحيم

مشاهد
محمد الطيب عابدين

   *بري اللاماب* 

شخصيات و أماكن
“”””””””””””””””””””””””””””””

المدير/ أبوزيد أحمد صديق
المهندس الذي لم يدرس بالجامعة “””””””””””””””””””””””””””””””
( الجزء الأول )

تقديم

*هذا العمل التوثيقي يختلف عن سابقيه من أعمال ، فهو يتناول مسيرة رمز من رموز بري اللاماب العريقة ، و كل أهل بري رموزاً شامخة ، وفي نفس الوقت يوثق لأحداث و شخصيات و أماكن لها تاريخها  في المنطقة ، هو ذكريات و مذكرات نسجلها لذاكرة حية عاصرت كل مراحل تطور ضاحية بري اللاماب منذ ولادته وحتى اليوم ، يتحدث عنها بشغف وعشق و معرفة مكنونة في أعماق قلبه و وجدانه . سجلنا له عدد كبير من التسجيلات الصوتية و مقاطع الفيديو تحدث فيها بأريحية و شجاعة و شفافية عن كل تاريخ حياته و تفاصيل المنطقة ؛ متعه الله بالصحة و العافية فهو جزء من أرشيف بري اللاماب الحبيبة* .

وبعد أن بدأت في الكتابة وجدت أن هذا السفر أكبر من تسعه حلقة وأحدة لذلك رأيت أن أجعله في حلقتين تكون الأخيرة مصحوبة بالصور و مقطع الفيديو لتكتمل الصورة للقارئ العزيز .

فإلى الجزء الأول •••

مولده و نسبه
”””””””””””””””””””””””’
ولد أبوزيد أحمد صديق أحمد بلال حماد في عام ١٩٢٥م ؛ والدته عشة حاج حسين سعد أبوجبالي و الأخير من المنصورية في جمهورية مصر العربية •

درس القرآن في خلوة *حاج عابدين ( لم يكن جدي يدرس في الخلوة بنفسه إنما أوكل أمرها لشيخ يعمل بها - الكاتب ) .. ثم درس الأولية في مدرسة بري المحس الأولية و زامله فيها عابدين العمدة* ، وبعد أن أكملوا المرحلة الأولية قُبِلوا في المدرسة الأبتدائية في *بحري أسفل كبري بحري قبل محطة السكة الحديد لأن بري كانت تتبع لبلدية بحري في ذلك الوقت ، وعندما ذهبا ( أبوزيد + عابدين ) برفقة والديهما إلى المدرسة في بحري طلب منهما ناظر المدرسة أن يدفع كلُُ منهما مبلغ واحد جنيه فقط* رسوم دراسية لفترة الأربعة سنوات ، إعتذرا بعدم توفر المبلغ و قفلا راجعين كلُ يركب خلف والده في حماره ؛ وعندما عبرا كبري بحري إلى مدينة الخرطوم أشار أبوزيد لرفيقه عابدين برأسه *( أن أقفز هيا )* ورغم صيحات والديهما والمارة إلا أنهما أخذا يجريان بسرعة و فتوة الصبا حتى وصلا منطقة وسط الخرطوم و التي تعرف الأن بسوق الذهب *جوار قهوة الزيبق و قهوة البن في ذلك الزمان* و مقابل لمسجد الخرطوم الكبير العتيق الأن . ( *بعد ذلك واصل عابدين العمدة دراسته* )

أول مدرسة في البراري
“””””””””””””””””””””””””””””””
سألنا العم أبوزيد لماذا لم تدرس الأولية في بري اللاماب ، فذكر بأن أول مدرسة أولية في مدينة البراري أنشأها البدري مصطفى الحليم و كانت في موقع منزل شرحبيل البدراوي الأن ؛ إلا أنها لم تستمر طويلاً و أغلقت فذهب التلاميذ للدراسة في مدرسة بري المحس الأولية .

بداية رحلة العمل
”””””””””””””””””””””””””””””’
بعد أن قفز هو وعابدين العمدة من والديهما ، أخذ حاج أبوزيد ( الصبي أنئذ ) يسير في الطرقات وبين المحلات و الورش دخل إلى ورشة الخواجة ( يني ) و كان يديرها الخواجة ( باسيلي بمبولس ) فأخذ ينظر إلى الماكينات و السيور التي تصعد و تهبط فسحرة المنظر و تملكه عشق عارم و رغبة جامحة للمس هذه الالات التي تتحرك بقوة و عنفوان فطلب من الخواجة أن يعمل معه ليتعلم صنعة ، رفض الخواجة بمبولس و أنتهره و أمره بالخروج حالاً من الورشة إلا أنه و أمام إصرار الصبي أبوزيد الشديد و إلحاحه ورفضه للخروج من الورشة قَبِل الخواجة تعينه صبي بالورشة بيومية ( تعريفة ) التعريفة تساوي نصف قرش في ذلك الوقت .

بدأ الصبي أبوزيد أحمد صديق العمل في ورشة الخواجة ( *يني ) و تحت إشراف الخواجة ( باسيلي بمبولس ) و بعد ثلاثة سنوات أصبح معلم خراطة* بارع يعمتد عليه الخواجة في كل أعمال الورشة فقد ظهرت عليه علامات النبوغ و المهارة في حرفة الخراطة بشكل أذهل الجميع لأنه أحب المهنة و عشق ماكينات الخراطة التي اخذت لبه من أول نظرة . 



 إنتقل بعدها المعلم أبوزيد إلى ورشة الخواجة الإغريقي *( فار الحديد )* وكان عمره أنذاك خمسة عشر سنة ،  و إستمر بها حتى أصبح *ملاحظ الورشة* و كان الخواجة يقدر مهارته و موهبته في الخراطة فعلمه قيادة *سيارته المورس* ، ويذكر العم أبوزيد أن في ذلك الوقت كانت في الخرطوم *أربع سيارت أجرة ( تاكسي )* فقط ، لها شكل مميز من أعلى ( السقف ) *مغطى بقماش التيل الأبيض ( مثل الركشة الأن ) و من أسفل جسم السيارة ( البودي ) حديد أخضر الون*

تقف إحدى سيارات الاجرة الاربعة ( التاكسي ) أمام الفندق الكبير ( القراند هوتيل ) Grand Hotel على شاطئ النيل { تحول الأن الى فندق القراند هوليداي ڤيلا { grand Holiday Vella } •

بابور أم ضواً بان
”””””””””””””””””””””””””””””
يحكي العم أبوزيد قائلاً : وأنا في الخامسة عشر من عمري جاء بعض مزارعي أم ضواً بان إلى الورشة ببابور ( لستر ) معطل و حاول كل الميكانيكية و المعلمين بالورشة إصلاحة ولكن جميعهم فشلوا تماماً ، وظل ناس أم ضواً بان يأتوا يومياً إلى الورشة و يسألوا عن البابور ( ذي الناس العندهم زول عيان في الإسبتالية ) ، وفي يوم دخلت على مشرف الورشة الخواجة ( بابنيوتي ) وقلت ليهو : يا خواجة أنا بصلح البابور دا في عشرة دقايق ..نظر إلي وهو يكورك : يا ولد إمشي بعيد إنتا محنون ولا أيه .. رجعت إلى عملي وبعد فترة فتح الخواجة الشباك و قال لي : يا أبو زيد أنتا قلت أيه ..فأخبرته بأنني بصلح البابور الستر دا بشرط بعد نهاية الشغل .. وأفق الخواحة ، وبعد إنصراف كل العمال بالورشة عدا من طلبت بقاءهم لمساعدتي تمكنت من إصلاح البابور و بمجرد أن أشتغل دخل ناس أم ضواً بان في كواريك و عرضة بالعكاكيز و يغنوا ( ولدنا نجح … ولدنا نجح … الخواجة فشل ) …وكانت تلك الحادثة دفعة قوية لي في حياتي العملية •

شركة النور
”””””””””””””””””””’
بعد فترة أعلنت شركة النور [ الأدارة المركزية للكهرباء، ثم الهيئة القومية للكهرباء، ثم أخيرأ شركات الكهرباء ، التوليد ، التوزيع ، …الخ ] أعلنت عن حوجتها لخراطين و برادين للعمل في ورشتها الرئيسية ببابور موية .. دخل المعلم أبوزيد الأمتحان و كان مع خواجة إسمة ( كلارك ) و عندما ظهرت نتيجة الإمتحان تم تعينه خراط بشركة النور في الورشة الرئيسية و بعد فترة نقلت الورشة من منطقة بابور موية إلى أمدرمان بشارع الأربعين ورشة الترماي ( الترام ) ، حيث إستجلبت بصات جديدة لمديرية الخرطوم و أحضر الألمان مخرطة حديثة لخراطة عجل حديد الترماي ( الترام ) بدلاً من إستيراده من إنجلترا أو المانيا ، وكنا نصنع جميع قطع الغيار بواسطة هذه المخرطة الحديثة من حديد يسمى ( النمور ) خام وسط بين الصلب والحديد •

دخول المياه إلى بري اللاماب
“””””””””””””””””””””””””””””””
أُدخِلت المياه إلى الحِلة الجديدة ببري اللاماب فقط لان الحِلة القديمة ( حِلة قدام ) لم تكن مخططة في ذلك الوقت ، حيث وصلت مواسير المياه إلى منازل مبارك أمان ، الشريف حسين الهندي ( كان خارج الحكومة ) ، خالد فرج الله ، و عوض أحمد صديق ( شقيق حاج أبوزيد ) .. كانت بري اللاماب تتبع لبلدية بحري في ذلك الزمان . أخذ حاج أبوزيد يتردد على مكتب المياه في بحري بإستمرار طالباً توصيل المياه إلى بيته ، وبعد فترة قدم مدير مكتب مياه بحري شكوى في العم أبوزيد لدى مدير ورشة شركة النور الذي سأله عن سبب تردده على مكتب المياه في بحري ، فأخبره أبوزيد بأنه مظلوم لأن خط المياه بيني و بينه ٦ متر فقط وأنا غير قادر على توصيل المياه لمماطلة مكتب مياه بحري ، إندهش الخواجة لهذا الكلام الغريب و طلب من أبوزيد الذهاب معه إلى المدير العام ( برتون ) فوراً ( مدير عام شركة النور و المياه ) . ويحكي العم أبوزيد أنه : وبعد جدال شديد بين الخواجة مدير الورشة و الخواجة المدير العام ( وإنجليزي كتير خلاص ) ، وافق المدير العام على توصيل المياه ، وعندما عدنا من العمل عصراً وجدنا مواسير المياه موضوعة قرب منزل الحاج / عبد الرحمن أمين ، و في اليوم الثاني تم توصيل المياه إلى منزل أبوزيد أحمد صديق كأول منزل تدخله المياه في الحِلة القديمة ( حِلة قِدام ) .

حكاية ميدان وادي النيل
”””””””””””””””””””””””””””””’
يحكي العم أبوزيد : قرر مفتش بحري و إسمه ( تكونا ) أن يخطط ميدان بري اللاماب غرب المقابر ( الأن ميدان نادي وأدي النيل الرياضي ) ليوزعه قطع سكنية . تجمع الناس بأعداد كبيرة وحضر مبارك أمان ، أحمد محمد يوسف و الجاك الكبير ، و ذهبوا جميعاً الى الخواجة ( تكونا ) في مكتبه ببحري و أتفقوا على أن يتحدث مبارك أمان و أحمد محمد يوسف لأنهما يعرفان اللغة الإنجليزية وإذا تعالت الأصوات يدخل الجاك الكبير ومن معه لإحداث شغب . وعندما أخبروا مأمور بحري بأن هذا الميدان ملك لبري اللاماب وهو الملعب الخاص بناديهم رفض حديثهم و تشاجر معهم بصوت عال فما كان من الجاك الكبير إلا أن دخل و ضرب التربيزة بعصاة الضخمة ( عكازه ) فحدث هرج و مرج وتم إعتقال الجاك الكبير و من معه ، فتدخل حاج أبوزيد و طلب من مبارك أمان أن بخبر المأمور بأنه إذا لم يفرج عن هؤلاء الرجال فوراً سوف تأتي بري اللاماب كلها و تحتل مباني المديرية .. فاطلق المأمور سراحهم و صرف نظر عن تخطيط ميدان بري اللاماب ( ميدان وادي النيل ) الذي سجل مؤخراً بإسم نادي وادي النيل الرياضي .

دخول الكهرباء لبري اللاماب
“”””””””””””””””””””””””””””””
يقول العم أبوزيد أن دخول الكهرباء لبري اللاماب كان حدثاً كبيراً و فريداً فقد بذل أفندية بري اللاماب جهداً عظيماً من أجل هذا الأمر ، وهم : أحمد محمد يوسف ، مبارك أمان ، زكريا بلال (والد مولانا بلال زكريا) ، خضر (والد صديق خضر) ، وعندما أكتملت الأجراءات أخبرني زميلي بشركة النور ( بلية ، و النور علي عمه الطيب الشيخ إدريس من بري الدرايسة ) بأن الخواجة قرر أن غداً سيتم تركيب الأسلاك و توصيل الكهرباء إلى بري اللاماب . طلبت إذن من الخواجة مدير الورشة للذهاب مع زملائي في شركة النور ووافق و في صباح اليوم الموعود أخبرني زميلي ( شرفي ) بأنهم يحملون ثلاثة عدادات فقط ويجب أن أطلب من الخواجة تركيب عداد لبيتي بصفتي شغال في شركة النور و فعلاً وافق و طلب من المهندس ( الطيب ) أن يصعد إلى العمود ويركب السلك و يدخل الكهرباء لبيتي كأول منزل تدخله الكهرباء في بري اللاماب ، بعدها تم تركيب العداد الثاني لمنزل أحمد محمد يوسف ، والثالث لمنزل مبارك أمان . كان شاهداً على هذا الحدث التاريخي صديقي العزيز الشريف زين العابدين الهندي وعندما أضاءت الأنوار ضحك وقال : [ والله بكرة بري دي كلها حا تجي هنا ] .

صديقه : الشاعر محمد بشير عتيق
“”””””””””””””””””””””””””””””
ويواصل المدير أبوزيد قائلاً : بينما كنت أعمل في الورشة بشركة النور جاءني صديقي ( مختار التوم ) ضابط المجلس و معه شخص عرفني عليه بأنه الشاعر محمد بشير عتيق وطلب أن يعمل معنا في قسم البرادة ، رحبت به وبدء العمل معنا وكانت زمالة و خوة وعشرة إمتدت لعشرات السنين و قدمته إلى الشريف زين العابدين الهندي فأصبح صديقه و نمت بينهما علاقة عمادها الشعر و الادب و الاحترام المتبادل .

قصة بنطون توتي
”””””””””””””””””””””””””””””””
يواصل العم أبوزيد ذكرياته ويحكي لنا قصة بنطون توتي : تعطل بنطون توتي وتوقف عن العمل لفترة طويلة سببت لأهلنا في جزيرة توتي مشقة و عنت شديد للتنقل بالمراكب الصغيرة ، وأحضر عمال البنطون مكنته إلى ورشة الترماي ( الترام ) بشارع الأربعين و فشل كل الميكانيكية المهرة و حتى المهندسين الخواجات في معرفة و إصلاح عطل البنطون .. وفي يوم طلب العم أبوزيد من المدير أن يمده ببعض الاسبيرات و يسمح لمحمد بشير عتيق ان يساعدة لأنه قرر أن يصلح بنطون توتي ، وافق الخواجة و بدأ المعلم أبوزيد في خراطة عمود البنطون بإستخدام الماء وطلب من عتيق أن يمسك بالعمود جيداً .. وأثناء الأندماج في العمل أفلت عتيق العمود فضرب أبوزيد في يده وقطع طرف أصبعه ولكنه لم يتوقف عن العمل حتى أكمل خراطة العمود وربط أصبعه بقطعة قماش مفطاة بالزيت ورفع العمود في ( الكومر ) وذهبوا إلى شاطئ النيل وربطوا عمود الماكينة ودار المحرك وذهبوا بالبنطون الى منزل المدير في ودنوباوي و الذي لم يصدق حتى شاهد البنطون يقف على حافة الشاطئ فقام بتحفيز العم أبوزيد و حينها ارتجل الشاعر عتيق عشرة أبيات شعر فوراً في العم أبوزيد .. إلا ان العم أبوزيد نسيها .. يقول العم أبوزيد انه كلما نظر الى أصبعه المقطوع تذكر صديق عمره الشاعر المجيد محمد بشير عتيق .

*يتبع الجزء الثاني* 

محمد الطيب عابدين ،،،
بري اللاماب
٥ / ٧ / ٢٠١٧م

التعليقات مغلقة.