الايام نيوز
الايام نيوز

دولة القانون متى تتوقف الحرب [4]

دولة القانون
متى تتوقف الحرب [4]
الفحص المعملي لظواهر كالصداع أو الحمى سيظهر حالة مرضية حتى وإن تعذر معرفة الداء وتشخيصه مبدئياً. فالجسد المريض يتطابق وواقع السودان الذي ظل يكشف عن حالة انتشار كثيف للعدوى من الرأس لأخمص القدمين. الأدهي والأمر أن العضو أو الأعضاء الأكثر تأثراً كانت وما زالت تصر على السلامة غير مدركة أنها سبب الانهاك ونقل العدوى. حتى لا نرجم بالغيب دعونا نأخذ من المجتمع السوداني شريحة المحامين عينة بوصفهم العمود الفقري لنجاح أي ثورة أو أي عمل عام. فالمحامون، ورغماً عن دورهم الطليعي في إسقاط المخلوع، إلا أننا فشلنا منذ الوهلة الأولى في تقديم الإطار الدستوري المنضبط فضلاً عن تقاعسنا في اختيار نقابة وقيادة شرعية تمثلنا. فالتكليف الذي تم منحه للجنة التسيير تضمن ثلاثة بنود هي تقديم مشروع قانون جديد للمحاماة، وتنقيح سجل المهنة كشرط جوهري ومعبر للبند الأساس ألا وهو تنظيم عملية ديمقراطية لاختيار النقابة الشرعية. بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات ونصف لم نفلح في تحقيق أي هدف لما أوكل إلينا. للتاريخ كانت المحصلة مجرد صراعات وجدل بيزنطي على مستوى القروبات بين حزبي وحزبك وشخصي وشخصك. واقع المحامين لم يكن بأسوأ من بقية المكونات المهنية الأخرى بما فيها تلك التي نجحت في تشكيل نقابات شرعية. خير مثال لذلك الهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم. ففي هذه النقابة تجسد الفشل في المشاركة الحقيقية للقواعد التي تركت التخطيط والتنفيذ على ظهر مجموعة محدودة من أعضاء المكتب التنفيذي. لذات السبب فشلت معظم المبادرات المهنية كمبادرة أساتذة جامعة الخرطوم ومنبر الحوار لأساتذة الجامعات السودانية وغيرها. على ذات النمط طال الفشل المبادرات المجتمعية من شاكلة كلنا معاكم والعودة لمنصة التأسيس وغيرهما من المبادرات. كل هذه المحاولات بالإضافة لضعف المشاركة وتحمل المسؤولية لم تسلم من الاختراقات وتجيير المواقف ليختزل الجهد في خاتمة المطاف في مجرد قروبات واتساب تستنسخ وتكرر تداول الفيديوهات والمقالات التي تتباكى على ضياع الوطن.
أخطر مرض يمكن أن يفتك بالأمم تنازعها على حق الدفاع عن نفسها. فالاختلاف مهما كان جهوياً أو ايدولوجياً لا يجوز تداوله أو إثارته أثناء الحرب أو عند رد عدوان فئة باغية تغتصب الأنفس والممتلكات. فالخوف من آثار الحرب لا يكون بشق الصف لكونه أولى المراحل التي تجعل العدو يغيُر أهداف بغيانه مستفيداً من تناقضات الضحايا. فحرب الجنجويد التي اجتاحت الخرطوم لم تندلع صدفة أو ولديمقراطية الشعب أو رفاهيته وإنما تنفيذاً لانقلاب عسكري سعى من ورائه حميدتي ليصبح رئيساً لمجلس السيادة. فشل الهدف المعلن وما ترتب على سجال الحرب من اختفاء لقيادات المليشيا أدى لأن يتغيّر هدف الحرب بالكلية. فالجنجويد الذين ينتشرون على الأرض تركوا الحرب بمفهومها الاصطلاحي مركزين كل مسعاهم على تأمين مستقبلهم ولو على حساب المدينة المستباحة. فبدلاً من أن يصبح الهدف رأس البرهان باتت الخرطوم بضواحيها غنيمة في حد ذاتها. مهما يكن من أمر، فالحرب، ومهما اختلفت حولها التفاسير وتصاعدت خلالها الأصوات فإنها ستظل الحرب التي تكوي بنارها وسعيرها إلى أن يحقق من أشعلوها أهدافهم أو يفني بعضهم بعضاً. إن حرب السودان يجوز تصنيفها الأكثر تعقيداً من تعدد المصالح والتقاطعات. فحرب كهذه لن تستجيب لشعار أرضاً سلاح أو أي عواطف ما لم تتوحد إرادة بناتها وأبنائها على ثوابت وطنية تواجه من يقتل وينهب ويروّع المدنيين في مقارهم المدنية وبيوتهم وشوارعهم مستبيحاً كافة الحرمات، ونواصل.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
28 مايو 2023

التعليقات مغلقة.